ملخص
قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إن "ديمتري سيتي يملك مؤهلات دفعته إلى دفة قيادة ’فاغنر‘ في الوقت الراهن وأهمها إجادته لعدد من اللغات، وأيضاً طرق تهريب الذهب وغيرها من الثروات".
في بانغي وهي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، يحاول ديمتري سيتي، الشاب البالغ من العمر 35 سنة، أن يقود معارك إمبراطورية "فاغنر" ذائعة الصيت في القارة السمراء وذلك بعد مرور أكثر من سنة على مقتل قائدها السابق يفغيني بريغوجين، في حادثة يحيط بها كثير من الغموض.
سيتي، الذي كشف في وقت سابق عن تعرضه لمحاولة اغتيال واتهم فرنسا بالوقوف خلفها، يقيم في قصر ضخم في بانغي، وهو أمر يعكس حالة البذخ التي ينعم بها، مستفيداً من نفوذ ومواقع "فاغنر" وأيضاً المكاسب التي حصل عليها في فترة وجيزة.
وتشهد أفريقيا الوسطى فوضى أمنية منذ عقود قادت إلى ترد اقتصادي على رغم ثروات البلاد الهائلة، منها الذهب والألماس والخشب، وهي ثروات تعبد طريق سيتي وقادة "فاغنر" نحو المجد جنباً إلى جنب مع الدماء التي تغرق فيها البلاد.
رحلة الصعود
قبل سنوات لم يكن نجم سيتي، الذي ولد في مارس (آذار) من عام 1989، سطع بعد على الساحة الدولية شديدة الاضطراب، إذ كان الشاب الروسي يبحث عن وظيفة في مجال تكنولوجيا المعلومات قبل أن تتم تسميته على رأس البيت الثقافي الروسي في العاصمة بانغي.
ونظراً إلى درايته الكبيرة بشبكات تهريب وإدارة الذهب والألماس في أفريقيا الوسطى سرعان ما تحول الشاب المجهول إلى ملياردير، وأحد أبرز رموز "فاغنر" حتى أنه لدى علاجه في عام 2022، إثر تعرضه لمحاولة اغتيال مزعومة، زاره بريغوجين وتقاسم معه صوراً على منصات "فاغنر" ووسائل الإعلام التي تديرها.
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إن "سيتي يملك مؤهلات دفعته إلى دفة قيادة ’فاغنر‘ في الوقت الراهن، وأهمها إجادته لعدد من اللغات، وأيضاً طرق تهريب الذهب وغيرها من الثروات".
وقالت الباحثة السياسية والأكاديمية الروسية أولغا كراسينياك ''في اعتقادي، اليوم سيتي له الأهمية نفسها التي كان يمثلها بريغوجين في عيون حلفاء روسيا الأفارقة والكرملين ذاته".
وأوضحت كراسينياك في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" أنه "في المقابل، بغض النظر عمن قائد ’فاغنرإ بالضبط، فإن المهم بالنسبة إلى روسيا هو تحقيق أهدافها في أفريقيا، إذ تروج البلاد لنفسها على أنها ضامن للأمن الشامل في الدول الأفريقية وبصورة خاصة في منطقة الساحل".
وأشارت كراسينياك إلى أنه "بصرف النظر عن سيتي ودوره فإن وجود المدربين العسكريين الروس ومجموعة ’فاغنر‘، وقيام روسيا بتدريب القوات المسلحة وموظفي إنفاذ القانون في أفريقيا، وتوريد وإصلاح المعدات العسكرية، ودعم السلطات الشرعية في حالات الصراع، يلقي بتأثيراته في استقرار البلاد ويخلق الظروف لتنمية الدول الأفريقية".
ضحية طرد مفخخ
وفي ديسمبر (كانون الثاني) 2022، ضجت الأخبار لفترة وجيزة باسم ديميتري سيتي، قائد "فاغنر" الصاعد، بسبب تعرضه لمحاولة اغتيال بطرد بريدي مفخخ.
لم يتوان بريغوجين، الذي كان يكن عداء كبيراً للغرب ومواقعه، في توجيه اتهامات علنية لفرنسا بالتورط في هذه المحاولة التي راح ضحيتها ثلاثة أصابع من يد سيتي اليمنى، لكن باريس ردت بالنفي.
وتوعد بريغوجين فرنسا التي تتعثر أصلاً في أفريقيا بالرد، وعلى رغم إصابته إلا أن سيتي ضمد جراحه وعاد لأفريقيا الوسطى حاملاً قفازاً لعله يخفي آثار الحادثة التي تعرض إليها.
ويبدو أن الأمر غير مرتبط بمصالح روسيا فحسب، إذ قالت "وول ستريت جورنال" إن سيتي يشرف حالياً على إدارة مشاريع "فاغنر" التجارية والدعائية، ولديه شبكة من الشركات التي تستغل كواجهة لتصدير الذهب والألماس وغيرهما.
ليس بحجم بريغوجين وأوتكين
على رغم الجاذبية التي بات يحظى بها، إذ توزع أقمصة في أفريقيا الوسطى عليها صوره ومكتوب عليها "أنا فاغنر"، إلا أن هناك تساؤلات تحيط بقدرة سيتي على فرض نفسه رقماً صعباً في معادلة إمبراطورية المجموعة العسكرية الروسية الخاصة في أفريقيا.
على مدار السنوات الماضية، قاد بريغوجين المجموعة إلى إنجازات مذهلة سواء في أوكرانيا وخصوصاً في معركة باخموت أو في أفريقيا الوسطى ومالي حيث نجح الجيش المالي بدعم من "فاغنر" في استعادة مدينة كيدال معقل المتمردين، وغيرها من المكاسب الميدانية التي راكمتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الخبير العسكري أكرم خريف أن "سيتي ليس من طراز ديمتري أوتكين أو بريغوجين، وهم من القادة المؤسسين لـ’فاغنر‘، وهو ليس أيضاً رجل أعمال حقيقي بالتالي لا يمكن مقارنته بهؤلاء ونفوذهما".
واستدرك خريف في تصريح خاص بالقول إن "ما يحدث اليوم من تطور لأنشطة ’فاغنر‘ في أفريقيا يعكس فشل القيادة الروسية في تحييد المجموعة، لأنه من المفروض بعد إنشاء الفيلق الأفريقي (أفريكا كوربس) التابع لوزارة الدفاع الروسية أن يحل محل ’فاغنر‘".
ولفت المتحدث إلى أنه "في أفريقيا بقيت ’فاغنر‘ في بعض الدول، وخصوصاً مالي وأفريقيا الوسطى، من دون قيادة أو توجيه أو حصر من الناحية العملية على الأرض، ومعنى ذلك أنه كان للمجموعة وقائدها الحالي الحرية في اتخاذ الإجراءات التي يريدونها بما في ذلك العنف وقمع المدنيين العزل ونهب الثروات أو فرض السيطرة عليها".
وشدد على أن "بعد فشل فرنسا وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا، لم يكن هناك سوى روسيا التي أثبتت أنها شريك موثوق به، إذ أنجزت في غضون أشهر ما لم تتمكن القوات الدولية من القيام به في سنوات".
وجود مهم للروس
وتدفع الفوضى التي تعرفها دول أفريقية نحو دور أكبر لمجموعة "فاغنر"، على رغم أنها "كثيراً ما اتهمت بارتكاب فظاعات" في القارة السمراء.
وشهدت أفريقيا على سبيل المثال كثيراً من الانقلابات العسكرية التي أدت إلى فوضى أمنية وسياسية، دفعت الرئيس فوستين أرشانج تواديرا أخيراً إلى الاستعانة بـ"فاغنر".
ويسيطر نظام تواديرا على مساحات محدودة من أراضي أفريقيا الوسطى، أهمها الجنوب الغربي الذي يكتنز ثروات ضخمة يجري تهريبها بصورة كبيرة إلى الخارج.
وكثيراً ما تحدثت تقارير غربية عن محاولة روسيا الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها منذ اجتياحها أوكرانيا في الـ24 من فبراير (شباط) 2022 من خلال تهريب الذهب والألماس وغيرهما من بانغي، وهي تقارير لا يرد عليها الكرملين سواء بالنفي أم التأكيد.
ويقدر البنك الدولي ومنظمات دولية أخرى أن نحو نصف ثروة أفريقيا الوسطى من الألماس جرى تهريبها عبر طرق غير رسمية، إذ تقدم السلطات هذه الكميات مقابلاً لتأمينها لحلفائها الخارجيين.