ملخص
خلق التطور الأخير في الظاهرة الزلزالية نوعاً من القلق في الأوساط الشعبية خوفاً من احتمالات أن تتحول في ما بعد إلى كوارث مفجعة.
دعت جهات دينية المواطنين الإثيوبيين إلى إقامة الصلوات تضرعاً لحفظ البلاد من الزلازل التي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، فما بين الخوف والرجاء يواجه الإثيوبيون النشاط الزلزالي الجديد الذي تشتد كثافته للمرة الأولى في تاريخ بلادهم. فما أبعاد الظاهرة الزلزالية التي تعيشها إثيوبيا؟ وما مدى فعالية التحوطات الحكومية حيالها؟
أعلنت هيئة الاتصالات الحكومية الإثيوبية السبت الماضي عن نشر فرق متخصصة لتقييم النشاط الزلزالي في أقاليم عفر وأوروميا وأمهرا في ظل تصاعد وتيرة الزلازل التي حدثت في بعض المناطق خلال الفترة الأخيرة، وتأتي الخطوات الحكومية بعدما شهدت مناطق شرق وشمال شرقي إثيوبيا موجة زلازل متفاوتة القوة، وتغيرات أرضية تبعها تشكل فوهات بركانية في الأماكن القريبة من مركز النشاط البركاني في جبل "فنتالي" بالإقليم العفري.
وأشار مدير مركز الزلازل وعلوم الفضاء بجامعة أديس أبابا، إلياس لوي، في تصريح لوسائل الإعلام الرسمية، إلى أن "المنطقة شهدت نشاطاً زلزالياً متكرراً خلال الأسبوع الماضي"، وعزا ذلك إلى تحركات داخل تكوينات الصخور البازلتية مما يشير إلى أن مثل هذه العمليات من المرجح أن تستمر خلال الفترة المقبلة.
وشهدت المنطقة سلسلة من الزلازل منذ أواخر سبتمبر (أيلول) 2024، حيث امتدت الاهتزازات إلى مناطق من إقليم عفر وديرداوة والمناطق المحيطة بها.
إجلاء 20 ألفاً
منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) 2024 حدثت هزات أرضية عدة أكثر قوة نسبياً بلغ عددها بحسب التقديرات الرسمية ما يزيد على الـ15 هزة أرضية في شرق إثيوبيا، وتأثرت جراءها المناطق القريبة من الإقليم العفري، إلى جانب هزات خفيفة متفاوتة فاقت الـ100 خلال الأسبوعين الماضيين.
وبلغت شدة أقوى الهزات الأرضية 5.8 درجة على مقياس "ريختر" السبت الماضي، وقالت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، ومركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض (GFZ) إنها وقعت على بعد 142 كيلومتراً شرق العاصمة أديس أبابا، بعمق ضحل بلغ 10 كيلومترات.
ولم تصدر أية جهة بيانات أو تفاصيل عن وقوع إصابات، لكن مصادر إعلام إثيوبية أكدت أن الزلازل المتكررة التي حدثت في منطقة أواش جراء بركان "فنتالي" تسببت في دمار عدد كبير من المنازل بمناطق عدة من إقليم عفار، وتسببت في انهيار أكثر من 30 منزلاً، مما دفع آلاف السكان إلى الفرار إلى المناطق المجاورة.
وأبلغت المجتمعات المتضررة في قرية سيجينتو بمنطقة دوليتشا، قرب سد ومصنع سكر "كيسيم"، عن أضرار جسيمة في المنازل والمدارس بما في ذلك مدرسة "أونجايتو" في قرية سابور.
وبحسب بعض السكان فقد نزح عدد كبير من أفراد المجتمع القريب من مصنع سكر "كسيم" من منازلهم، وكانت لجنة إدارة أخطار الكوارث الإثيوبية قالت إنه أجلي ما يزيد على 20 ألف شخص إلى مناطق آمنة في عفار وأوروميا من إجمالي ما يزيد على 51 ألف شخص عرضة للخطر.
وأشارت اللجنة في بيانها إلى أن "الخطط جارية لنقل أكثر من 8 آلاف شخص في إقليم أوروميا خلال الأيام المقبلة. وتتواصل موجة الزلازل التي تضرب مناطق عدة شرق وشمال شرقي إثيوبيا وصولاً إلى العاصمة أديس أبابا وإقليم أوروميا انطلاقاً من جبل "فنتالي" بإقليم العفر شرق البلاد.
وكان آخر زلزال شعر به السكان في أديس أبابا فجر السادس من يناير (كانون الثاني) الجاري بقوة تزيد على 3.5 درجة على مقياس "ريختر"، وكشف مركز الزلازل العالمي في مذكرة له عن تلقى تقارير مبكرة غير مؤكدة حول اهتزازات أرضية ربما تكون ناجمة عن نشاط زلزالي في أديس أبابا أو قربها. مضيفاً أنه لا توجد تفاصيل حتى الآن عن حجم أو عمق هذه الزلازل، وإذا أُكدت يمكننا توقع ظهور بيانات أكثر دقة.
صلوات وقلق
وخلق التطور الأخير في الظاهرة الزلزالية نوعاً من القلق في الأوساط الشعبية خوفاً من احتمالات أن تتحول في ما بعد إلى كوارث مفجعة، ويقول منصور إسماعيل الرشيد من سكان إقليم عفار، إن "معظم المواطنين في الإقليم غير متأثرين بصورة خطرة نسبة إلى تمدد الإقليم وبُعد عديد من المناطق السكنية من النقاط الزلزالية النشطة، وعلى رغم ذلك هناك من تضرر من المواطنين جراء التأثيرات المباشرة وغير المباشرة، كما أن هناك تحسبات من الحكومة في تزويد الأهالي بالنصائح والخطط ونقل من يحتمل تأثرهم بعيداً من المناطق القريبة من الخطر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدى النشاط البركاني في الإقليم العفري خلال الأيام الماضية إلى تشكل فوهة بحيرة مملوءة بمياه الينابيع الساخنة، وأدت التغيرات الأرضية إلى التأثير في عدد من المؤسسات من بينها مصنع سكر "كيسيم". وفي تقرير للتلفزيون الإثيوبي من الإقليم العفري المنكوب أكد المراسل انهيار جزء من مصنع السكر الذي شُيد في الإقليم قبل أعوام قليلة، وكان من المتوقع إنتاجه السكر خلال الفترة المقبلة قبل تأثره بالزلازل والهزات الأرضية المتكررة التي ضربت المنطقة الأسابيع الماضية.
ونشر التلفزيون صوراً لمباني المصنع الذي دمر جزءاً كبيراً منه بفعل الانهيارات الأرضية، مما أدى إلى تعطل العمل. ويضم المصنع نحو 4 آلاف من العاملين تم إخلاؤهم جميعاً في وقت مبكر، إذ لم ترد أنباء عن وقوع إصابات. وكانت جهات دينية أهابت بالمواطنين خلال الأسابيع الماضية أداء الصلوات والتوجه بالدعاء لحفظ البلاد وأهلها.
الوادي المتصدع
المؤرخ الإثيوبي آدم كامل يقول إن "ما يحدث الآن من موجة زلازل يعد مقارنة بما كان في السابق من نشاط أرضي أمراً جديداً"، مشيراً إلى أن المنطقة العفرية معروفة بأنها ذات طبيعة جيولوجية متغيرة بصفة مستمرة.
وأضاف كامل "الزلازل تحدث في كثير من دول العالم، وقد شهدتها إندونيسيا وتركيا والجزائر والمغرب وغيرها من الأقطار في أوقات مختلفة، وما يحدث الآن في إثيوبيا من هزات محدودة متصل بإقليم عفر نتيجة لنشاط بركان (فنتالي) المعروف عالمياً".
وتابع "هناك دراسات لعلماء غربيين تشير إلى تحولات أرضية ذات مدى متوسط ربما تؤدي إلى ظهور بحيرات بمنطقة النشاط البركاني في فنتالي، وظهور بحر حقيقي يتصل بالبحر الأحمر، وتنبؤات العلماء لها علاقة بالمتغيرات الحادثة حالياً في المنطقة العفرية، وما تشهده من براكين وتغيرات جيولوجية في جبل الدخان وبركان (فنتالي) النشط".
وأكد البيان الصادر عن الخدمة الأولية القصوى للحكومة الإثيوبية أن "الجهود الحالية في مواجهة الأحداث تشمل نقلاً عاجلاً لنحو 80 ألف شخص من المناطق المعرضة للخطر إلى مناطق أكثر أمناً". موضحاً أن "فرقاً متخصصة أرسلت إلى 12 منطقة متضررة لإجراء تقييم شامل للأضرار وتنفيذ جهود الإغاثة الطارئة، كما تقيم السلطات التأثيرات الطويلة المدى للزلازل، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية".
وتعتبر منطقة إقليم عفر (العفار) على بعد أكثر من 500 كيلومتر من أديس أبابا، ذات طبيعة بركانية نشطة، ويرجع العلماء أسباب الزلازل التي تشهدها إثيوبيا إلى كونها تقع على طول الوادي المتصدع الكبير في المنطقة العفرية، التي تعتبر من أكثر المناطق نشاطاً زلزالياً في العالم. ويقول متخصصون في علوم الأرض إن "الهزات والثورات البركانية ناجمة عن توسع الصفائح التكتونية تحت الوادي المتصدع".
هل يتأثر "النهضة"؟
أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي يشير إلى أن عدد الزلازل في إثيوبيا ارتفع بصورة ملاحظة خلال الأعوام الأخيرة، وبخاصة في العام الحالي بعدد غير مسبوق من الهزات الأرضية مقارنة بالأعوام السابقة.
وأضاف أنه سُجل 41 زلزالاً متوسط الشدة في إثيوبيا مقارنة بخمسة إلى ستة زلازل سنوياً قبل بناء سد النهضة، مشيراً إلى "أن هذا الارتفاع يثير تساؤلات حول العلاقة المحتملة بين هذه الزلازل وبناء السد".
من جهته قال وزير الري والموارد المائية السابق في السودان عثمان التوم إن التهديد من تأثير الزلازل على سد النهضة الإثيوبي أمر مبالغ فيه، مشيراً إلى أن الفالق الأفريقي الذي يمر شرق إثيوبيا على بعد 500 كيلومتر من العاصمة أديس أبابا لا يشكل أي تهديد مباشر للسد الذي يقع على بعد أكثر من 1000 كيلومتر غرباً.
وضمن التنبؤات في شأن توابع النشاط البركاني والزلازل في إثيوبيا، توقع متخصصون حدوث فالق عظيم يؤدي إلى ظهور قارة جديدة في أفريقيا، وحذر مدير مركز الدراسات البيئية في الجامعة الهاشمية بالأردن أحمد ملاعبة، في تصريحات تلفزيونية، أن الفالق العربي الأفريقي ممتد من بحيرة كينيا ويتفرع باتجاه الحبشة وجزء باتجاه عدن في اليمن، والفالق المرتبط بعدن يبدأ من بحيرة فكتوريا إلى البحر الأحمر ثم خليج السويس وخليج العقبة ويمتد إلى البحر الميت بطول 1000 كيلومتر، ثم سوريا ولبنان حتى ينتهي إلى تركيا.
وأوضح أن الفالق الثاني النشط هو فالق إثيوبيا، وهو الأكثر خطراً، إذ قد يعمل على انفصال من 15 إلى 25 في المئة من مساحة أفريقيا. مشيراً إلى أنه يحتاج إلى 30 مليون عام وقد مر بالفعل 15 مليون عام، وهذا الفالق يمكن أن يقسم أفريقيا إلى قسمين.
وتابع أن هذا الفالق أو الأخدود من الممكن أن يمتلئ بالمياه من المحيط الهندي، ومن ثم يصبح محيطاً جديداً بين قارتي أفريقيا وأفريقيا الجديدة التي ستتكون من كينيا وإثيوبيا وحتى جيبوتي والصومال، مستدركاً "لكن هذا لن يحدث في الوقت الراهن بل يتطلب الأمر مليون عام في الأقل، وستظل المنطقة نشطة زلزالياً بخاصة مع بناء سد النهضة".