ملخص
"اندبندنت عربية" حاورت أكثر من شخصية مؤثرة في محيطها وداخل البيئة الشيعية، لمعرفة كيف ينظر هؤلاء لدور الحزب، وماذا قدم لهم طوال الفترة الماضية؟
ليس تفصيلاً ما جاء في تقرير البنك الدولي الذي يغطي الفترة من الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى الـ27 من أكتوبر 2024، الذي أشار إلى أن النزاع، أي الحرب الأخيرة التي نشبت بين إسرائيل و"حزب الله"، تسببت في خسائر اقتصادية تقدر بنحو 5.1 مليار دولار في قطاعات حيوية مثل التجارة والسياحة والضيافة والزراعة، فالبلد الذي يعاني أصلاً أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019، جاءت الحرب لتضيف عبئاً إضافياً ثقيلاً.
ولم تكن التداعيات اقتصادية فقط، بل ترافقت مع أزمات إنسانية واجتماعية بعد موجات النزوح الواسعة، إذ اضطر آلاف من اللبنانيين إلى ترك بيوتهم والتفتيش عن مناطق أكثر أمناً وأماناً هرباً من الغارات الإسرائيلية التي لفت كل لبنان. هذا النزوح الجماعي الذي أثر بصورة مباشرة في قدرة لبنان على استيعاب الأعداد الكبيرة من النازحين، ستكون تداعياته كبيرة وستتكشف رويداً رويداً، بخاصة أن هناك قرى سويت بالأرض، والأموال المفروض أن تأتي إلى البلد لإعادة الإعمار ترافقها شروط عديدة أهمها تطبيق القرار 1701، والسيطرة على المعابر الشرعية وغير الشرعية، وسحب سلاح "حزب الله" من جنوب الليطاني، وغيرها من الشروط التي لم يتحقق منها شيء حتى الآن.
هذا ولم نذكر الخسائر البشرية، إذ قتل 4048 شخصاً وجرح 16640 آخرون بينهم 791 سيدة و316 طفلاً خلال حرب لم يشهد لها مثيل منذ 1982، عام الاجتياح الإسرائيلي للبنـان، وكان باستطاعة البلد أن يتجنب كل ذلك لو أن الحزب لم يقحمه في "حرب المشاغلة" التي بدأها مساندة لغزة.
غياب المساءلة
على رغم كل تلك الخسائر والأزمات التي خلقتها تلك الحرب التي وصفها عديدون بأنها حرب عبثية، لم تبادر الدولة اللبنانية إلى مساءلة الحزب وتحميله المسؤولية، بل على العكس من ذلك قام "حزب الله" بالترويج لسردية الانتصار، وطالب الدولة اللبنانية بإعادة الإعمار والتعويض لعائلات عناصره الذين قتلوا في المعارك، وأكثر من ذلك هو يريد مقايضة انسحابه من جنوب الليطاني بمكاسب سياسية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية لا يضع "فيتو" عليه، ولا يعرف حدود تلك المقايضة.
فلماذا لم تحاسب الدولة اللبنانية "حزب الله" على رغم تداعيات الحرب؟
يعاني لبنان نظاماً سياسياً هشاً قائماً على التوازنات الطائفية، مما يجعل اتخاذ قرارات جذرية ضد أي طرف "قوي" أمراً شبه مستحيل، ولا يخفى على أحد ما يتمتع به "حزب الله" من نفوذ سياسي وعسكري كبير يفوق قدرة الدولة على ضبطه أو مواجهته، حتى على مستوى الجيش اللبناني الذي لا يمتلك القدرة العسكرية أو الإرادة السياسية لمواجهة الحزب الأقوى عسكرياً وتسليحياً.
أيضاً يحظى الحزب بدعم شريحة واسعة من الطائفة الشيعية، التي ترى فيه قوة تحمي مصالحها وتردع إسرائيل. هذا الدعم يجعل محاسبة الحزب مسألة حساسة قد تؤدي إلى تفكك داخلي أو حتى حرب أهلية جديدة، وهو ربما ما تخشاه القوى السياسية. وبما أن الحزب لا يعتبر فقط قوة محلية، بل هو امتداد للمحور الإيراني في المنطقة، إذ تستخدم طهران ورقته كأداة للضغط الإقليمي وتمنحه دعماً مالياً وتسليحياً ضخماً، فإن أية محاولة لمحاسبته تعني الدخول في مواجهة مع إيران وحلفائها، وهو أمر تتجنبه الدولة اللبنانية بسبب ضعفها واعتمادها على التوازنات الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضف إلى ذلك أن تفكيك الحزب أو محاسبته في هذا الوقت سيخلق فراغاً أمنياً في الجنوب، مما قد يغري إسرائيل بالتوغل عسكرياً، أو يؤدي إلى صعود جماعات متطرفة أخرى، لذلك ترى بعض القوى السياسية أن استمرار الحزب، ولو تحت قيود معينة، هو الخيار الأقل ضرراً في هذه المرحلة. كما أن هناك عدداً من الأحزاب والتيارات السياسية تستفيد من تحالفها مع "حزب الله" للوصول إلى السلطة أو الحفاظ على مواقعها، بالتالي يتعامل معه كشريك سياسي وليس كتهديد يجب إزالته. وفي خضم هذا الواقع سيبقى لبنان في حال دائمة من التأرجح بين الحرب والسلم، إذ يبقى "حزب الله" لاعباً رئيساً لا يمكن تجاهله، بل يطلب منه أحياناً ضمان الاستقرار بدلاً من التسبب في انهياره.
وهنا لا بد من طرح سؤال أساس، وهو ماذا جلب "حزب الله" للشيعة اللبنانيين وللبنان الدولة؟
مما لا شك فيه أن "حزب الله" اختصر في شخصه وعلى مدى عقود صورة الشيعة اللبنانيين، إذ بات ينظر للشيعي اللبناني داخلياً وخارجياً على أنه يتبع إيران وعقيدة الولي الفقيه. وأمعن الحزب في تشويه الصورة الوطنية الجامعة للشيعة، محولاً إرثهم الغني والمتنوع إلى خطاب مذهبي ضيق ومشحون بالتوتر والانفعال. وأسقط من الذاكرة الجماعية شخصيات شيعية لبنانية عربية ناضلت من أجل الاستقلال ودافعت عن هويتها القومية، مثل صبري حمادة وعادل عسيران وأحمد الحسيني وأحمد الأسعد ويوسف الزين وكامل مروة وحسين الحسيني، إلى جانب مفكرين بارزين كحسين مروة ومهدي عامل.
وبدل أن يكون الشيعة اللبنانيون جزءاً متكاملاً منصهراً في النسيج العربي، اختصرهم الحزب في صورة طائفة متماهية مع مشروع إيراني، ويتمظهر ذلك في عدد من تصريحات قياديه وأمينه العام السابق والحالي، بحيث بدا كأن الحزب هو "إيران في لبنان".
الحزب الذي فقد بريقه العربي بعد تدخله العسكري في الحرب السورية وتدخله في الحرب اليمنية، أثار تساؤلات وانقسامات عديدة وعميقة حول من فوضه أولاً لخوض صراعات تخدم المشروع الإيراني، وأين مصلحة اللبنانيين في تلك التداخلات التي وضعتهم، وبخاصة الشيعة منهم، في مواجهة مباشرة مع دول الخليج، الشريان الاقتصادي الأساس للبنان.
وانعكست تصريحات الأمين العام الراحل حسن نصر الله، خلال عملية "عاصفة الحزم"، التي هاجم فيها السعودية ودول الخليج سلباً على اللبنانيين العاملين في تلك الدول، وأشارت تقارير إعلامية في ذلك الوقت إلى أن بعض العائلات الشيعية اضطرت إلى تغيير مذهبها لتجنب تبعات تصريحات الحزب.
واليوم يدفع الشيعة بصورة خاصة واللبنانينون عموماً ثمن سياسات "حزب الله" التي عزلتهم عن محيطهم العربي وزجت بهم في صراعات إقليمية لا تخدم مصالحهم،. ومع هذا يستمر الحزب في ترسيخ نفوذه داخلياً وخارجياً، مبقياً على لبنان رهينة لأجندات إقليمية تجهض أي أمل في الاستقرار أو الازدهار، فماذا يقول الشيعة اللبنانيون؟
الجنوب أم فلسطين؟
يقول الكاتب والباحث السياسي حسن الدر إن "هذه الحرب التي مرت طوال عام 2024 لم يشهد لها لبنان مثيلاً، وهي شبيهة بعام 1982. وبما أنني أعبر عن فئة من الناس، أستطيع القول إن هناك إصراراً وتمسكاً أكثر بالمقاومة، لكن ثمة نقاشاً في مكان آخر حيث يرى عديدون أننا فتحنا جبهة الإسناد من أجل غزة، فماذا كان المردود؟ وكيف كان رد الجميل، ليس من أهل غزة بل من أمتين عربية وإسلامية؟ هناك عتب كبير من بيئة المقاومة وجمهورها ومجتمعها، وشعور بالخذلان والخيبة، وهناك توجه عارم للاقتداء بما كان يقوله الإمام القائد السيد موسى الصدر: تحرير الجنوب مسؤوليتنا وحدنا، وتحرير فلسطين مسؤولية الأمة، وعندما تقرر الأمة تحرير فلسطين فسنكون في المقدمة".
ويتابع "هناك عتب أيضاً على إيران، لكن لا يمكن مقاربة الموضوع من زاوية ما يتم تداوله من عبارات مثل ’باعت وخانت‘، ذلك أن طهران تعاملت مع الأمر بواقعية، فقراءة ’المقاومة‘ اختلفت عن الوقائع على الأرض، وكان هناك فارق في القوة والتقدم التكنولوجي والخرق الاستخباري الإسرائيلي، فما كان من إيران إلا أن تعاملت بواقعية مع المشهد. وقد لا ينسجم تصرفها مع الخطاب خلال الحرب وقبلها، والناس عموماً تلاحق التصريحات، من هنا نعم هناك عتب كبير".
من جهته يرى الإعلامي والناشط السياسي والطبيب هادي مراد أنه "حين أضرمت النيران في روما، وقف نيرون يشاهد ألسنة اللهب تلتهم المدينة بينما يعزف على قيثارته متجاهلاً صرخات شعبه ومعاناتهم. لم يكتف بإهمال الكارثة بل اتهم بإشعال الحريق بنفسه لتحقيق أهدافه الخاصة، واليوم يتكرر المشهد مع ’حزب الله‘ في لبنان، إذ لعب دور نيرون الحديث فأشعل النيران في بيئته الشيعية، مدمراً حاضرها ومستقبلها باسم المقاومة والتحرير".
ويتابع مراد "بدأ ’حزب الله‘ مشروعه بتحويل شيعة لبنان من أتباع التشيع العربي الأصيل والمتجذر في القيم الإسلامية السمحة، إلى أتباع فكر التشيع الصفوي الذي يقوم على المغالاة والتطرف. وزرع في نفوسهم عقيدة طائفية مغلقة، وفرض عليهم فكر ولاية الفقيه الذي صادر عقولهم وسلبهم نعمة التفكير والتفكر، إذ باتت آراؤهم وتوجهاتهم مرتبطة بشخص واحد يقودهم بلا مراجعة أو نقاش. ولم يكتف الحزب بإدخال شيعته في متاهة العقائد المتطرفة، بل جعل الموت غاية وهدفاً أسمى من الحياة نفسها، وروج لفكرة أن الشهادة هي الانتصار الحقيقي حتى أصبحت الحياة شيئاً هامشياً بلا قيمة. بهذه العقلية دفع أبناء الطائفة إلى حروب عبثية لا تخدم سوى أجندات خارجية، أو حولهم إلى وقود لحروب الآخرين".
ويضيف الناشط السياسي أن "حزب الله" قطع علاقة الشيعة بالعالم العربي والغربي، وأدخلهم في صراعات مع الدول المجاورة، مما أدى إلى عزلتهم وابتعادهم من محيطهم الطبيعي. أصبح شيعة لبنان منبوذين ومتهمين بأنهم أداة لتنفيذ مشاريع إقليمية مدمرة، فخسروا حلفاءهم وشركاءهم وأصدقاءهم، وأصبحوا بلا سند أو شريك حقيقي، مختصراً ومحتكراً شيعة لبنان في شخصه، ومدعياً تمثيلهم الحصري، لكنه في الحقيقة لم يمثل إلا فئة ضيقة ذات ارتباط مالي أو عقائدي به. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية بات حتى هؤلاء على شفير التخلي عنه، بعدما أدركوا حجم الخراب الذي خلفه في بيئتهم".
ويختم مراد قائلاً "كما أحرق نيرون روما وأغرقها في الفوضى، فعل ’حزب الله‘ الشيء نفسه مع بيئته. لقد دمر قيمها وثقافتها وأدخلها في صراعات لا نهاية لها وحرمها من الانفتاح على العالم، لكن وكما نهضت روما من تحت الرماد، فإن شيعة لبنان قادرون على استعادة هويتهم الحقيقية والعودة لجذورهم العربية بعيداً من هذا الخراب".
ويذهب الإعلامي والمحلل السياسي فادي أبو دية إلى زاوية أخرى، إذ يقول "لقد نشأ ’حزب الله‘ للدفاع عن لبنان مثل سائر حركات المقاومة، ولم ينطلق من خلفية الدفاع عن الشيعة أو ضمن إطار طائفي ومذهبي محدد. في حين حارب أعداء المقاومة الحزب من خلفية طائفية مع أنه لم يكن يوماً طائفياً، بل حرر مناطق سنية ومسيحية ودرزية وشيعية".
ويضيف أبو دية "نعم الحزب باعتباره المقاومة هو الأقوى في لبنان والمنطقة، بخاصة بعد الانتصار على إسرائيل عام 2006 وتحرير لبنان عام 2000، وبقيت قضية الحزب هي تحرير فلسطين كقضية إنسانية عامة وقضية إسلامية ومسيحية بحكم وجود مقدسات إسلامية ومسيحية، ولكن مع الأسف تخلى عنها معظم العرب سنة ومسيحيين".
ويتابع الإعلامي اللبناني "ذهب الحزب إلى سوريا للدفاع عن المقدسات، وعن لبنان بوجه المشروع التكفيري الذي طاول كل الطوائف والمكونات وليس فقط الشيعة، ومع ذلك أرادوا مذهبة الصراع لحشر ’حزب الله‘ في زاوية الطائفية".
ويستطرد "لقد جلب ’حزب الله‘ للشيعة في لبنان والعالم العربي مثلما جلب لكل الأحرار في لبنان والعالم العزة والفخر والقوة، وأثبت أننا قادرون على هزيمة إسرائيل ومواجهة المشروع الكبير في المنطق، وقدر كل الأحرار من الشيعة وكل الطوائف أن تقدم التضحيات دفاعاً عن وطننا وعرضنا وأرضنا".
نكبة حلت بالشيعة
ويتساءل المؤسس في حركة "تحرر" والناشط السياسي والأكاديمي علي خليفة، "الشيعة المنضوون في تنظيمات عسكرية كـ’حزب الله‘ في لبنان، من يقاتلون ولماذا يقتلون؟ آلاف منهم قضوا في سوريا دفاعاً عن أبشع نظام في تاريخ المنطقة وجغرافيتها، ثم قضى آلاف غيرهم لمساندة ’حماس‘، وما إن سقط نظام الأسد حتى سارع الناطقون باسم ’حماس‘ بالتهليل لسقوطه. فماذا يبرر قتل آلاف إذاً، هنا وهناك؟ جنود الولي الفقيه الذين يموتون لا لشيء هم شيعة لبنان، الذين ينبغي أن يعودوا له بعد خسارتهم القاصمة في صراع المحاور والنفوذ في المنطقة".
يرى خليفة أن "كف يد ’حزب الله‘ كتنظيم عسكري عابر للحدود السياسية للدول يعيث بالأمن القومي للبلدان العربية ويصل خرائط النفوذ الإيراني إلى ساحل المتوسط ويرعد فوق قواعد حلف شمال الأطلسي (ناتو) في قبرص، أشبه بفرض الحياد من الخارج على لبنان، وما حصل لا يمكن الالتفاف عليه ولا تعطيله. ترتيبات المشهد المقبل في المنطقة أطبقت على مشروع ولاية الفقيه المتمددة، وأنهت دور ’حزب الله‘ كذراع عسكري. وليكن الحياد المفروض خارجياً نتيجة الهزيمة فرصة يجب تلقفها في الداخل عن طريق وعي النكبة التي حلت بالشيعة، ومنهم آلاف القتلى والمشردين والمعاقين الجدد الذين فقدوا أطرافهم أو أتلفت أعضاؤهم وهم شاهدون على عبثية الأحداث، فلا المهدي تحرك، ولا المسدد صدق، ولا الولي وفى، ولا الفرقة نجت، وليس من يحمي ويبني. فهل يكون كل ذلك مخاضاً محتوماً لرفض عسكرة الشيعة وجنود ولاية الفقيه فيعلنوا في حدود دولهم الوطنية ولاءهم لها، ويسلموا بوظائف الدفاع والأمن للدولة؟".
وفي قراءة للآراء المتناقضة والمتباعدة بين من يوالي "حزب الله" وبين المعارضين الشيعة، يمكن القول إن "حزب الله" مكن الطائفة الشيعية من تجاوز التهميش التاريخي الذي عانته، وجعلها قوة سياسية وعسكرية فعالة على المستويين المحلي والإقليمي، لكن هذا الدور جاء بثمن باهظ تمثل في عزلة دولية وأزمات اقتصادية وخسائر بشرية متكررة. وأدى وجود الحزب العسكري إلى تحويل أجزاء كبيرة من المجتمع الشيعي إلى بيئة عسكرية أو شبه عسكرية، مما حد من فرص التنمية المدنية والاقتصادية. ذلك الأمر عزز بطبيعة الحال عقلية المواجهة المستمرة، مما جعل الجنوب اللبناني ساحة دائمة للتوتر العسكري. كما أن تورط الحزب في نزاعات إقليمية، مثل الحرب في سوريا واليمن، جلب للشيعة عداوات داخل العالم العربي وأدى إلى فرض عقوبات دولية. مما أثر سلباً في الاقتصاد اللبناني ككل، وجعل الشيعة هدفاً للتهميش الدبلوماسي والاقتصادي.
وفي محاولته للتركيز على بناء قاعدة دعم عقائدية صلبة، همش الحزب الأصوات الشيعية المعارضة داخلياً، سواء من النخب الثقافية أم القوى السياسية المنافسة، هذا الاحتكار السياسي حد من التنوع الداخلي وأضعف النقد البناء. وكلفت مواجهاته ضد إسرائيل الطائفة الشيعية دفع ثمن باهظ في الأرواح والممتلكات والدمار في مناطق بيئته الحاضنة، ولابد من الإشارة إلى كلفة الحرب السورية، إذ قتل آلاف من المقاتلين في معارك خارج لبنان، أضف إلى ذلك تزايد الضغوط الاقتصادية نتيجة العقوبات على الحزب ومؤسساته المالية، مما انعكس سلباً على الوضع المعيشي للشيعة في لبنان، وعزل النظام المالي التابع له عن الأسواق العالمية، مما أثر في الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة التي يملكها أبناء الطائفة.
إن وجود السلاح بصورة دائمة خارج إطار الدولة جعل الطائفة عرضة لأخطار التصعيد المفاجئ، كما حدث في حرب 2006، وخلق توتراً مستمراً بين الشيعة وبقية الطوائف، إذ ينظر إليهم كطرف مستعد دائماً للحرب، ولإعادة التوازن الداخلي يحتاج الشيعة اللبنانيون إلى إعادة تقييم العلاقة بين السلاح والاقتصاد لضمان تنمية مستدامة بعيداً من العسكرة الدائمة، ولتعزيز الاستقرار الداخلي قد يكون من الضروري تخفيف الخطاب المتشدد وبناء جسور مع القوى السياسية الأخرى والتقليل من الاعتماد على التحالفات الإقليمية، والتركيز على الهوية الوطنية اللبنانية مما قد يساعد في تحسين "صورة الطائفة" مستقبلاً.
في المحصلة يبقى مستقبل الطائفة الشيعية في لبنان مرتبطاً بقدرة "حزب الله" على التكيف مع التغييرات الإقليمية والدولية، من دون التفريط بالإنجازات أو تكريس الهزائم.