Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم "ذا اوردر" يواكب صعود التطرف في الغرب

جاستن كرزل يربط بين ماضي أميركا العنصري وحاضرها العنيف

العنف الأميركي في فيلم "ذا أوردر" (ملف الفيلم)

ملخص

في فيلمه الأحدث، "ذا أوردر"، يعيد المخرج الأسترالي جاستن كرزل خلق أجواء التوتر السياسي والاجتماعي التي عاشتها ولاية أيداهو الأميركية خلال عهد الرئيس رونالد ريغان في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

لعل هذا الثريللر "ذار اوردر" الذي عرض في مسابقة الدورة الأخيرة من "موسترا" البندقية، قبل أن يستعاد في مهرجانات عربية مثل الجونة ومراكش في الأشهر الماضية، هو أحد أبرز الأعمال السياسية لهذا العام، لكونه يواكب صعود اليمين الأقصى في عدد من الدول الغربية. يحاول مخرجه دق ناقوس الخطر، محذراً من ظاهرة تفشي الأفكار الإقصائية التي ترفض الآخر المختلف، وذلك من خلال العودة لماضي أميركا القريب. في تلك الحقبة كانت جماعات اليمين المتطرف والنازيين الجدد يسعون إلى نشر عقيدتهم من خلال السلب والقتل، بهدف فرض نظام يقوم على الكراهية والتمييز العرقي، ويفعلون ذلك "على عينك يا تاجر"، أي من دون أية محاولة لإطعام خطابهم بشعارات تبريرية، فقط رفض الآخر ولا شيء سوى الرفض. 

الشخصية الرئيسة في الفيلم هو تيري هاسك (جود لو)، عميل فيدرالي يتميز بشخصيته الانطوائية وولعه بصيد الغزلان في أوقات فراغه، لكنه لا يتهاون في سعيه إلى تحقيق العدالة، حتى لو كان الثمن باهظاً. يجد نفسه في مواجهة مع قائد جماعة متطرفة يدعى بوب ماتيوز (نيكولاس هولت)، وهو شخصية حقيقية قادت تنظيماً مسلحاً في الحقبة التي جرت فيها الأحداث. هذا الشخص يمثل تحدياً كبيراً لهاسك، في الصراع يتحول بينهما إلى لعبة مطاردة شديدة الخطورة. والفيلم يختتم بتقديم مصير بوب ماتيوز، الذي لقي مصرعه عام 1984، ليعيد للأذهان حقبة قاتمة من التاريخ الأميركي حين كان التطرف العنصري على أشده.

بوب ماتيوز كان يحمل رؤية متطرفة لبناء وطن حصري للأعراق الآرية في قلب الولايات المتحدة، ولم يتردد في اللجوء إلى أكثر الأساليب وحشية لتحقيق هذا الهدف. مشروعه قام على إشعال حرب أهلية تستهدف الأقليات، مستوحياً أفكاره من كتاب "يوميات ترنر"، النص الإيديولوجي العنيف الذي كتبه العنصري الأميركي وليام لوثر برس. تخيلوا النسخة الثمانينية من "براود بويز"، تلك الجماعة التي اقتحمت مبنى الكابيتول في 2021 احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي أطاحت بدونالد ترمب، ولكن أكثر تطرفاً وشراسة. هكذا تبدو الجماعة التي يقودها ماتيوز في الفيلم، أناس غارقون في التعصب الأعمى والخوف من الآخر.

في المقابل، الشرطي الفيدرالي تيري هاسك ليس غريباً عن مواجهة مثل هذه الجماعات. لديه في سجله، تاريخ في محاربة التطرف. يدرك هاسك سريعاً عند وصوله إلى أيداهو أن عملية كبيرة وخطرة يخطط لها في الخفاء. من هنا تبدأ المواجهة الطويلة بينه وبين ماتيوز، مواجهة تتخللها مشاهد دامية وصراع دائم على المبادئ.

النساء في حياة ماتيوز يلعبن دوراً غير مباشر في تصعيد الأحداث، زوجته وحبيبته تجدان نفسيهما وسط دوامة العنف التي لا يمكن السيطرة عليها، فيما مؤيدوه المتعصبون، المنتمون في الغالب إلى طبقات اجتماعية فقيرة وغير متعلمة، يشكلون القاعدة التي تغذي مشروعه. هؤلاء يعتاشون على الشعور المزمن بالاضطهاد، ويجدون في خطاب الكراهية وسيلة للانتقام وإثبات وجودهم. التصعيد بالنسبة إليهم لا يعني سوى مزيد من التفرقة، ومزيد من الإقصاء، ومزيد من الشرخ في النسيج الاجتماعي الأميركي القائم على فكرة التنوع. 

في سادس أفلامه الروائية الطويلة، يواصل كرزل تقديم أسلوبه الشرس في تشكيل التوتر، إذ يشحن كل مشهد بشحنة من الإثارة، لكن سرعان ما يتجه نحو مشاهد أكثر هدوءاً وأحياناً روتينية في مراحل لاحقة. هكذا تمتد الساعتان، بين اللحظات الحاسمة والمطولة التي تنقل المشاهد عبر حلقة من الأحداث المتسارعة. يفضل كرزل وضع الحركة في قلب العمل، ليؤكد على الصراع الكلاسيكي بين الخير والشر، تاركاً كل التفاصيل الأخرى في الخلفية. نتيجة ذلك، يصبح الفيلم أشبه بالسير داخل حقل ألغام، إذ يمكن لأي شيء أن ينفجر فجأة في أية لحظة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما يميز العمل في النهاية ليس الابتكار، بل صدق المخرج وحماسته لإيصال رسالته السياسية. يتقدم بلا تردد نحو هدفه، ساعياً إلى ربط حاضر أميركا، الذي يشهد تأثيرات ترمبية واضحة، بماضيها العنصري المعقد. وعلى رغم أن كرزل لا يحقق هذا الربط دائماً بصورة سلسة أو مقنعة، إلا أن محاولاته تظهر اهتمامه العميق في تفكيك الجذور التاريخية للعنصرية في بلد شهد توغلها لفترات طويلة، مدفوعة برؤى دينية متشددة. ما كان يعد في السابق مجرد هامش، أصبح الآن على ما يبدو جزءاً من الحياة السياسية الرسمية. وفي هذا السياق، يشكل بوب ماتيوز شخصية تمثل الثورة المضادة ضد القيم الديمقراطية وقوانين الدولة.

في "ذا أوردر"، يحضر وجهان مختلفان لأميركا، وقد نرفض كليهما لأسباب عديدة، لكن أحدهما يبدو أقل فساداً من الآخر. للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى، لا بد لأحد هذين الوجهين أن يختفي، وإذا عاد للظهور مجدداً، فإن الصراع الذي سيجلبه، باق إلى أن يتم القضاء عليه كاملاً. هذه لعبة قديمة وواضحة: إما أن تكون منتصراً أو مهزوماً، فلا مجال للبقاء لكلا الطرفين في سدة الحكم.

ما يميز الفيلم هو تركيزه على مواجهة متجذرة في السينما الأميركية، تلك التي تبرز الصراع بين طرفين، بحيث لا يوجد فارق كبير بينهما. قد يتبدل الدور بين الشرطي وقائد الجماعة المتطرفة، لكنهما في النهاية يتشاركان كثيراً. الاختلافات بينهما محدودة، لكن الأسباب التي تدفع أحدهما للوقوف في صف الشرطي، أقوى وأوضح. يحرص كرزل على تذكيرنا بأن هناك دائماً إمكاناً للتغيير، معمقاً بحثه في جذور العنف، ولكن من دون أن يتورط في تكرار الأفكار ذاتها التي ناقشها في أعماله السابقة.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما