ملخص
جهزت إسرائيل شارع نتساريم وأعدت بنى تحتية طويلة الأجل، حيث رصفت الطريق وأقامت مواقف للمركبات المصفحة، وركبت خط مياه جديداً من إسرائيل مباشرة للمنطقة، ووضعت أبراج اتصالات فأصبحت هواتف الجنود تعمل بكامل طاقتها، مما يمكنهم من البقاء على اتصال مع ذويهم من دون الحاجة إلى الصعود إلى أسطح المباني لالتقاط الإشارة.
داخل كرفان يعد جنود من الجيش الإسرائيلي وجبات الدجاج المقلي، وما إن تجهز شرائح اللحم الأبيض حتى ينقلوها إلى منتجع سياحي صغير لتتناول القوات الطعام في استراحة زمنية قصيرة، قبل أن يعودوا لاستكمال القتال العسكري ضد عناصر حركة "حماس".
نصب الجيش الإسرائيلي الكرفان في محافظة شمال القطاع، وبالتحديد في منطقة جباليا التي طرد سكانها منها نحو مدينة غزة، وحول ذلك المرفق إلى مطعم لإعداد الوجبات الساخنة وتجهيز الطعام بصورة فورية.
بقاء طويل الأمد
قبل أن يفتتح الجيش الإسرائيلي المطعم داخل القطاع كانت المؤسسة الأمنية تحضر وجبات الغذاء كل يوم وبصورة دورية للجنود من داخل الدولة العبرية، وأيضاً كان مقاتلو تل أبيب يحملون معهم وجبات جاهزة لتناولها أثناء تأدية مهامهم العسكرية.
لكن إسرائيل تخطط لبقاء طويل في غزة، ولا نية لديها في الانسحاب من القطاع بعد انتهاء الحرب، إذ تؤكد تل أبيب أنها ستسيطر أمنياً على مدينة الحرب، ولن تترك لأحد ملف الوضع الأمني، ولهذا بدأت تتخذ إجراءات ميدانية وتتوسع فيها بهدف تعزيز قواتها لإقامة طويلة.
ولتجهز إسرائيل أرض غزة لبقاء جنودها فترة طويلة داخل القطاع شرعت الفرق الهندسية بإجراء عمليات هدم لأحياء كاملة في مناطق المحاور الثلاثة (مفلاسيم ونتساريم وفيلادلفي)، بما يخلق فرض واقع جديد على الأرض ويغير خريطة جغرافية القطاع.
تجهيز مفلاسيم عسكرياً
وبعد هدم المنازل بخاصة في محور مفلاسيم، شق الجيش الإسرائيلي طرقاً جديدة، وعبَّد شوارع بالأسفلت والخرسانة، ثم حفرت الفرق الهندسية خنادق لتحصين المنطقة، وكذلك أقامت سواتر دفاعية، وجلبت حاويات محصنة إلى هذه المواقع.
وبحسب القناة "12" العبرية، فإن الجيش بنى سلسلة من المواقع العسكرية الدائمة في محور مفلاسيم الذي يفصل محافظة شمال القطاع عن مدينة غزة، وانتهت القوات من استكمال التحصينات وانتقلت إلى تجهيز الكماليات ووسائل الترفيه، وكل هذا من أجل تنفيذ خطة تعزيز البقاء الإسرائيلي في القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على نطاق التجهيزات الدفاعية أيضاً وضعت إسرائيل في محور مفلاسيم الأبراج العسكرية الخشبية بغرض المراقبة، ونشرت كاميرات عالية الدقة على طول وجانبي الشارع، ثم نصبت رافعة مزودة بوسائل تكنولوجية.
وفي المحور نفسه نشر الجيش بيوتاً متنقلة لينام فيها الجنود، وأنشأ مطعماً ومنتجعاً ساحلياً صغيراً وعشرات الحمامات، ونُصب كنيس لأداء الصلوات التلمودية، وكل هذا تزامن مع دعوات المستوطنين إلى إعادة الاستيطان في القطاع، مما عزز خوف الغزاويين من خسارة أراضيهم وسيطرة إسرائيل عليها عنوة.
عمليات هدم لتوسيع نتساريم
أما في محور نتساريم فالأمر يبدو أكثر تطوراً ورفاهية، إذ وسع الجيش الإسرائيلي محيط المحور، ولأجل ذلك هدم 600 مبنى في المناطق المحيطة بالطريق، وسيطر على مساحة تزيد على 56 كيلومتراً مربعاً وجهزها على أعلى مستوى.
من ناحية عسكرية أقامت الفرق الهندسية 19 قاعدة عسكرية كبيرة، وعشرات نقاط المراقبة الصغيرة، وشيدت منشآت دفاعية ومواقع محصنة ومرافق احتجاز موقتة وغرف استجواب ومقراً دائماً لقيادة اللواء ووحدات قتالية.
وجهزت إسرائيل شارع نتساريم وأعدت بنى تحتية طويلة الأجل، حيث رصفت الطريق وأقامت مواقف للمركبات المصفحة، وركبت خط مياه جديداً من إسرائيل مباشرة للمنطقة، ووضعت أبراج اتصالات فأصبحت هواتف الجنود تعمل بكامل طاقتها، مما يمكنهم من البقاء على اتصال مع ذويهم من دون الحاجة إلى الصعود إلى أسطح المباني لالتقاط الإشارة.
رفاهية عالية المستوى
أما على مستوى الرفاهية للجنود، فإن المراسل العسكري الإسرائيلي يوآف زيتون يقول "شاهدت بعيني بين خرابات غزة أن الجيش أقام منتجعاً سياحياً صغيراً، وضع بداخله حمامات سباحة وحمامات عادية، ومقهى يقدم الكابتشينو والقهوة الإسبرسو والعصائر والكعك".
ويضيف "في نتساريم يوجد مطعم للوجبات وفيه يُعد اللحم المشوي ومأكولات مختلفة، وهناك أيضاً غرف مساج وأخرى للرياضة البدنية، وغرفة ألعاب بلاي ستيشن وماكينة بوب كورن، وعيادة طب أسنان، وصالون حلاقة، وغرفة مخصصة لإقامة صلوات تلمودية".
ومن أكثر الأشياء التي تدل على نية الجيش الإسرائيلي البقاء فترة طويلة في غزة شُغلت محطة تحلية مياه البحر بإنتاج يومي يصل إلى 60 ألف ليتر مكعب، ويمكنها إنتاج مياه صالحة للشرب وأخرى للاستخدام الآدمي.
أما في محور فيلادلفي فإن الأمر مختلف نسبياً، حيث اقتصرت التجهيزات هناك على الوسائل الدفاعية والتحصينات العسكرية ونشر أجهزة مراقبة وكاميرات عالية الدقة وأجهزة استشعار حركة على سطح الأرض وأخرى في باطن الأرض.
يوضح المراسل العسكري يوآف زيتون أن إزالة هذه التجهيزات سهلة إذا تقرر الانسحاب من غزة، لكن من الواضح أن التحضيرات على هذا النحو تدل على أن الجيش غير سياسته من التمركز الموقت إلى البقاء الطويل الأمد، مشيراً إلى أن تمهيد المحاور لا يقرأ أنه من أجل المناورات البرية أو المداهمات التي تشنها القوات في أماكن مختلفة، بل للبقاء الدائم والسيطرة.
استياء الولايات المتحدة
وتبدو المؤسسة الأمنية في إسرائيل مشتتة في شأن البقاء في غزة، إذ يقول رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي "جهزنا كل الخيارات في شأن محور فيلادلفي، وننتظر قرار المستوى السياسي بهذا الخصوص، إذا قرروا البقاء نعرف كيف نبقى هناك، أما إذا قرروا مراقبة المحور من بعيد ومداهمته كلما وردتنا إشارة فسنقدر على القيام بذلك أيضاً بكل سهولة".
بصورة رسمية تثير تجهيزات إسرائيل هذه استياء سكان غزة وحتى استياء دول العالم ومعارضتها، إذ يقول المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الجنرال بات رايدر "الولايات المتحدة تعارض أي وجود إسرائيلي دائم في غزة، لا يمكن أن يحصل تقليص للأراضي في القطاع".
ويضيف "بمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار يجب ألا تستمر إسرائيل في احتلال غزة، نواصل التشاور مع الشركاء هناك، لنقف على الهدف من التجهيزات الكبيرة التي يعدها الجيش في محاور التوغل".
رأي الجيش
في إسرائيل هناك انقسام في الرأي حول تلك التجهيزات، إذ يقول المتحدث باسم الجيش نداف شوشاني "الإنشاءات الجارية هدفها تشغيلي، أي بناء يمكن تفكيكه بسرعة، بعض هذه المباني تستخدم كنقاط مراقبة فقط".
ويضيف "يهدف الجيش من تلك التجهيزات إلى تحقيق أهداف عدة، أبرزها منع عودة مقاتلي الفصائل الفلسطينية، لكن أي ترتيبات أخرى فهي خاضعة لقرار المستوى السياسي ولا علاقة للمؤسسة الأمنية بها".
وللمستوى السياسي في إسرائيل رأي مختلف، يقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "الجيش لن يغادر محاور غزة، إذا خرجنا منها فلن نتمكن من العودة إليها، لن نرحل من هناك ثم نعود كلما حدث تهديد أمني، بل سنبقى في القطاع".
ويضيف "لا أريد أن أحكم قطاع غزة لكنني أسعى إلى حرمان ’حماس‘ من قدرتها على العودة لحكم القطاع، من الناحية الأمنية يجب أن يكون هناك قطاع إداري إسرائيلي مطلق على غزة، ولهذا السبب يجب السيطرة على أماكن معينة، ننفي وجود أي خطط للبقاء في غزة كقوة احتلال أو السماح للمستوطنين بالعودة".