Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دموع شينيد أوكونور وأسرار أغنية "برنس" الخالدة

يتذكر الجميع الفيديو الآسر لأغنية "لا شيء يقارن بك" للمغنية الإيرلندية، لكن قلة تعرف أن المغني "برنس" هو من كتبها وأصدرها بصوته. في الذكرى الخامسة والثلاثين لإصدار هذه الأغنية، نستكشف القصة العاطفية العميقة وراءها

نسخة "برنس" من الأغنية كانت ثقيلة، فيما اشتهرت نسخة أوكونور" فقط بعد إصدار الموسيقى التصويرية للأغنية (غيتي)

ملخص

أغنية "لا شيء يقارن بك"، من كتابة برنس وأداء شينيد أوكونور، تركت بصمة خالدة في عالم الموسيقى. بأسلوبها الصادق والمؤثر، جسدت أوكونور الحزن والفقد، فيما أسهم الفيديو المصاحب بإبراز عمق الأغنية. على رغم ذلك لم يخلُ الأمر من توترات بينهما

في إحدى ليالي عام 1990، حين توقفت سيارة ليموزين سوداء فارهة أمام منزل شينيد أوكونور في لوس أنجليس، خُيِّل لها أنها تعيش لحظتها الخاصة على غرار قصة "سندريلا". عربة فاخرة أُرسلت لتقلها إلى "أميرها". عندما أخبرت أصدقاءها أن النجم المغني برنس، المعروف بلقب "الرجل الأرجواني"، قد اتصل بها في وقت سابق من تلك الليلة ليقترح لقاء يجمعهما، ثم أرسل سيارة لإحضارها، بدأت الأفكار الرومانسية تراودهم. كتبت أوكونور في مذكراتها "ذكريات" Rememberings الصادرة عام 2021: "اعتقدنا جميعنا أنني ربما سأغرم به أو، على الأقل، أنه سيكون هناك انسجام بيننا... قلنا لأنفسنا ’لا بد أنه يريد الاحتفال بنجاح الأغنية الباهر. لا بد أنه جلب الحلويات!‘".

والحقيقة هي أن "الأغنية" المشار إليها حققت نجاحاً باهراً بالفعل. نسختها المحسنة الصادرة قبل 35 عاماً - في 8 يناير (كانون الثاني) من عام 1990- من أغنية برنس "لا شيء يقارن بك" Nothing Compares 2 U استطاعت أسر قلوب الناس في العالم كله، مختصرة الألم الإنساني في دمعتين على خد شابة.

تلك الدموع التي انهمرت من عيني أوكونور في الفيديو المؤثر الذي أخرجه جون مايبوري، كانت انعكاساً للحزن الذي عاشته وهي تسترجع ذكرى والدتها التي فقدتها في حادث سيارة قبل أربع سنوات. لاحقاً، قالت أوكونور: "لم أكن أعلم أنني كنت سأبكي أثناء تصوير الفيديو لأنني لم أبكِ حتى أثناء تسجيل الأغنية في الأستديو". وفي مذكراتها "ذكريات"، كشفت أنها كانت دائماً تفكر في والدتها كلما غنت الأغنية. موضحة: "أشعر وكأنها اللحظة الوحيدة التي أقضيها مع والدتي، وكأنني أتكلم معها من جديد. أؤمن بأنها هناك، وأنها تسمعني، وأنني قادرة على التواصل معها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رحلة أوكونور العاطفية عبر الأغنية كانت عارية تماماً من أي تصنع؛ فقد استحضرت الحزن، والغضب، واليأس الخالص كما تطلبت كلمات الأغنية المليئة بالشعرية المتقنة. استطاعت الأغنية أن تبث الحياة في أوجاع الملايين وتلخص آلامهم وقلوبهم المحطمة. وصلت إلى المركز الأول في 14 دولة، من بينها المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وبيع منها 3.5 مليون نسخة عام 1990 وحده. اليوم، تعد الأغنية واحدة من أعظم أعمال التسعينيات، وإحدى الأغاني المقتبسة الأكثر تأثيراً وجمالاً على الإطلاق.

لكن، هل كانت هناك حفلة تنتظرها عند برنس؟ للأسف لا. بدلاً من ذلك، جلست أوكونور في المقعد الخلفي للسيارة الفارهة، متوجهة نحو أحد أكثر اللقاءات عدائية في تاريخ موسيقى البوب. في مقابلة مع إذاعة "أن آر كي" NRK النرويجية عام 2014، قالت أوكونور: "تشاجرنا بالأيدي... استدعاني إلى منزله - ومن الحماقة القيام بذلك مع امرأة إيرلندية - ثم أخبرني أنه لا يحب استخدامي للألفاظ السيئة في المقابلات. فقلت له أن يذهب إلى الجحيم. أصبح عنيفاً جداً. اضطررت للهرب من منزله في الخامسة صباحاً. كانت قبضته أقوى من قبضتي".

كانت هذه نهاية قبيحة لإحدى أجمل القصص في تاريخ البوب. كتب برنس الأغنية للمرة الأولى في يوليو (تموز) عام 1984، خلال فترة من إبداعه الغزير عندما كان يكتب ويسجل أغنية جديدة بشكل يومي. مباشرة عقب عودته من دالاس، حيث ذهب لحضور حفل من جولة "الانتصار" لمايكل جاكسون، عاد برنس إلى المستودع الذي حوله إلى استوديو بالقرب من مينيابوليس، حيث كان يجهز الألبوم الوحيد الذي صدر لفرقة "ذا فاميلي" (العائلة) The Family، مشروعه الجانبي في موسيقى الفانك.

وفقاً للمهندسة الصوتية سوزان روجرز، نزل وحي الأغنية على برنس كفيض مفاجئ في غضون ساعة واحدة فقط. في كتاب "برنس وجلسات التسجيل في حقبة استوديو المطر البنفسجي" Prince and the Purple Rain Era Studio Sessions الذي ألفه الباحث والكاتب الموسيقي دوين تادال، تقول روجرز: "أدهشتني روعة الأغنية... أخذ دفتر ملاحظاته وذهب إلى غرفة النوم، وكتب الكلمات بسرعة كبيرة، ثم عاد ليغنيها. كنت منبهرة حقاً".

المصدر الذي استلهم منه برنس شخصياً الأغنية كان محوراً للجدل والتكهنات. ففي مذكراته "الجميلون أو الجميلات" The Beautiful Ones التي نشرت بعد ثلاث سنوات من وفاته، كتب عن "مكالمات أمه المتكررة في أوقات متأخرة من الليل مع والده ومحاولاتها" استرضاءه بعد انفصالهما، وعن دوره كطفل في ترجي والده ومحاولة إقناعه بالعودة إلى الأسرة. كتب برنس: "أعتقد أن هذا هو السبب الذي يجعلني أكتب أغنيات جيدة عن الانفصال مثل ’لا شيء يقارن بك‘ ... لم أسمع أغنية عن الانفصال تشبه تلك التي أستطيع كتابتها... فأنا ضليع بالأمر".

تصوّر البعض أن برنس استمد الإلهام من علاقته مع سوزانا ميلفوين، إحدى المغنيتين اللتين اختارهما في الأصل للأغنية، والعضو في فرقة "ذا فاميلي". على كل حال، اعتقد جيروم بينتون، مشارك آخر في الفرقة، أن الأغنية انبثقت من ألمه الناجم عن انهيار خطبته والذي شارك تفاصيله مع برنس.

لكن روجرز ترى أن كلمات مثل "كل الزهور التي زرعتها يا أمي في الفناء الخلفي ماتت حين رحلتِ" كانت موجهة إلى المدبرة السابقة في منزل برنس، ساندي شيبيوني، التي تركت العمل معه في وقت ليس ببعيد بعدما أصيب والدها بنوبة قلبية. قالت روجرز لصحيفة "غارديان" عام 2018: "لا بد أن ساندي هي من زرعت تلك الزهور... كانت ساندي تدير حياة برنس. كان يسأل باستمرار ’متى ستعود ساندي‘؟".

وعلى رغم كل هذا الألم، إلا أن هناك قصة واحدة على الأقل لها علاقة بالأغنية كانت ذات نهاية سعيدة. فالمغني الآخر في مشروع "ذا فاميلي"، بول بيترسون، استذكر مشاعر الحزن التي عاشها حين انفصل عن فتاة تدعى جولي أيام المدرسة الثانوية ليستحضر العاطفة المطلوبة لتأدية الأغنية. وبعد سنوات قليلة من إصدارها، تزوج بول وجولي.

قوبلت النسخة الثقيلة التي قدمتها "ذا فاميلي" من الأغنية بالإهمال وسرعان ما دخلت طي النسيان - إلى أن قام مدير أعمال أوكونور وشريكها العاطفي آنذاك، فاختنا أوشيلي، بإحياء ذكراها في وقت كانت علاقتهما الشخصية تنهار. قدم أوشيلي مقترحاً ذكياً بأن تعيد أوكونور تقديم الأغنية في ألبومها الثاني "لا أريد ما لا أمتلك" I Do Not Want What I Haven’t Got.

نظراً لاشتهار أوكونور بأسلوبها الجريء والمندفع في موسيقى البوب-روك من خلال ألبومها الأول "الأسد والكوبرا" The Lion and the Cobra الصادر عام 1987، شكلت هذه الأغنية فرصة مميزة لها لإبراز جانب من أدائها أكثر رقة وعمقاً. تعاونت مع المهندس كريس بيركت، والمنتج المشارك نيلي هوبر المعروف من فرقة "سول تو سول" Soul II Soul، إضافة إلى عازف الجاز الياباني الموهوب غوتا ياشيكي. استطاع الفريق أن يخلق خلفية موسيقية بسيطة مكونة من أوركسترا صناعية وإيقاع طبول، من دون استخدام الآلات الثقيلة مثل الباص، مما أتاح لطبقات صوت أوكونور أن تحلق وتعبر عن عواطفها بحرية.

وصفت أوكونور لاحقاً عملية تسجيل الأغنية بأنها "أشبه بأسلوب التمثيل وفق طريقة ستانيسلافسكي [مخرج وممثل روسي، يعد أحد أعظم رواد المسرح في القرن العشرين، ويمتاز أسلوبه بالعاطفية الواقعية]". وقالت في مقابلة مع "بي بي سي": "عليك أن تجد في داخلك مشاعر حقيقية يمكنك استخدامها".

أما بالنسبة لـ ياشيكي، فقد وصف جلسات التسجيل بأنها كانت مرنة مثل الأغنية نفسها. وقال: "كانت الأجواء هادئة ومريحة، على رغم جديتها وتركيزها العالي... لم يكن هناك صراخ أو جدل، وكان هناك ضحك قليل للغاية". وأضاف أن الفضل يعود لـ أوكونور في استنباط جوهر الأغنية من النسخة الأصلية لـ "برنس"، حيث "اقترحت تبسيط التدرج اللحني قدر الإمكان لأنه كان معقداً كثيراً في النسخة الأصلية".

وفقاً لما ذكره بيركت، استغرق تسجيل الأغنية أكثر من يوم بقليل، وكانت لحظة أداء أوكونور الصوتي بمثابة مخدر سمعي فوري المفعول. يقول بيركت: "أتقنتها من المحاولة الأولى، ثم قالت لي ’أريد أن أضيف طبقة صوتية مزدوجة‘، وغنّت الطبقة المزدوجة بشكل مثالي. بدا التسجيل وكأنه صوت مسار واحد، كان متقناً للغاية".

كانت نسخة أوكونور من "لا شيء يقارن بك" على وشك أن تواجه المصير نفسه للنسخة الأصلية. فبعد أسابيع قليلة من إطلاقها، كانت الأغنية بالكاد تقترب من دخول قائمة أفضل أربعين أغنية، حين قررت "بي بي سي" استبعادها من قوائم بثها. لكن الفيديو الذي أخرجه جون مايبوري، وصُوِّر سريعاً في باريس، هو ما جعل الأغنية تُحطم القلوب عالمياً. يقول مايبوري: "قدمت أداء رائعاً، حيث ذرفت دموعاً حقيقية في الفيديو... وكان هذا الفيديو العامل الحاسم الذي جعل الأغنية تنطلق إلى العالمية. فجأة، ارتفعت المبيعات وأصبحت الأغنية رقم 1. لولا ذلك الفيديو، لربما اختفت الأغنية تماماً".

بينما كانت الأغنية تتربع على عرش القوائم العالمية، وتدفع بألبوم "أنا لا أريد ما لا أمتلك" نحو مبيعات بلغت 7 ملايين نسخة وأربعة ترشيحات لجوائز غرامي (فازت منها بأفضل أداء موسيقي أصلي، لكن أوكونور رفضت قبولها)، بدا وكأن العالم بأسره يشاركها البكاء. الجميع باستثناء "برنس". فعندما أوصلت سيارة الليموزين السوداء الطويلة تلك أوكونور إلى بوابة قصر "برنس" المترامي الأطراف في هوليوود هيلز، لم تكن حلويات الاحتفال في استقبالها، بل مواجهة حادة.

وصفها لتلك الليلة، وفقاً لمذكراتها "ذكريات"، يصلح أن يكون سيناريو مثالياً لفيلم رعب. بعد اقتيادها عبر غرف استقبال ذات نوافذ ضخمة مغطاة بورق الألمنيوم ("إنه لا يحب الضوء"، كما أوضح لها أحد العاملين المتوترين)، وصلت إلى مطبخ صغير حيث بدأت المواجهة. بداية، انتقدها "برنس" بسبب لغتها البذيئة في المقابلات، ثم دعاها إلى "مبارزة بالوسائد". كتبت أوكونور: "مع أول ضربة تلقيتها، أدركت أنه قد وضع شيئاً في الوسادة، كانت محشوة بها بالكامل، مصممة للإيذاء".

تمكنت أوكونور من الهرب من المنزل عند الخامسة صباحاً والاختباء في الحدائق بينما كان "برنس" يبحث عنها. ثم شقت طريقها إلى أحد الطرق السريعة، حيث تعقبها "برنس" وطاردها، مطلقاً تهديدات عنيفة. ووفقاً لروايتها، لم تتمكن من التخلص منه إلا بعد أن قرعت جرس أحد المنازل القريبة، مما أرعبه وأجبره على المغادرة.

في مقابلات لاحقة، عبّرت أوكونور عن اعتقادها بأنها ربما كانت قد تورطت عن غير قصد في نزاع تجاري بين "برنس" ومديرها ستيف فارنيولي، الذي كان قد تولى إدارة أعمال "برنس" في السابق. كما ألمحت إلى أن "برنس" كان غاضباً من أنها قد قامت بتسجيل أغنيته من دون أن تُعرض عليها أولاً، متجاوزة بذلك بروتوكوله المعتاد. قالت أوكونور: "كان غير مرتاح لأنني لم أكن إحدى تلميذاته".

وصف أوكونور لـ"برنس"، الذي كان يُعرف بسرية حياته، بأنه كان شخصية تهديدية ومتطلبة ومتحكمة، أدى إلى استمرار التوتر بينهما. كما رفضت الشركة التي تدير ملكية "برنس" الفكرية السماح للمخرجة كاثرين فيرغسون باستخدام أغنيته في فيلمها الوثائقي عن حياة أوكونور "لا شيء للمقارنة" Nothing Compares، الذي صدر عام 2022. قالت شارون نيلسون، أخت برنس غير الشقيقة، في بيان: "لم أشعر أن [أوكونور] كانت تستحق استخدام الأغنية التي كتبها أخي في فيلمها الوثائقي، لذا رفضنا"، مضيفةً "نسخته [التي صدرت عام 1993] هي الأفضل".

على رغم ذلك، بدأت نسخته الخاصة من الأغنية تكتسب شعبية في الولايات المتحدة، ولا سيما بعد الجدل الذي أثارته أوكونور عندما مزّقت صورة للبابا يوحنا بولس الثاني ضمن برنامج "ساترداي نايت لايف" عام 1992. وقال بيركت: "حرفياً، انخفضت المبيعات في أميركا إلى صفر في الأسبوع التالي. كانت الأغنية تبيع ملايين النسخ ثم توقف ذلك تماماً. كلفتني تلك الحادثة نحو مليون دولار من إيرادات حقوق الملكية".

ومع ذلك، أصبحت الأغنية جزءاً لا يتجزأ من حياة كلا الفنانين ووفاتهما. في الأسبوع الذي تلا وفاة أوكونور عام 2023، عادت الأغنية إلى قائمة الأغاني في المملكة المتحدة، بينما عند وفاة برنس في عام 2016، اتفقت محطات الراديو في جميع أنحاء الولايات المتحدة على تشغيل نسخته من الأغنية بعد مرور سبع ساعات و13 يوماً بالضبط على رحيله، وهو ما يتماشى مع كلمات أغنيته الأصلية.

لقد أثبتت الأغنية قدرتها على البقاء خالدة. يقول ياشيكي: "تتناغم الكلمات مع الناس في جميع أنحاء العالم... العبارة البسيطة ’لا شيء يقارن بك‘ تسمح للمستمعين بتوجيهها إلى شخص مميز في حياتهم". تبقى الأغنية، من حيث العاطفة التي تثيرها، عملاً لا شيء يقارن به.

© The Independent

المزيد من فنون