ملخص
تنتظر الحكومة المقبلة تحديات كبرى أبرزها الإعمار بعد الحرب الأخيرة التي دمرت أجزاءً في جنوب البلاد وشرقها وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية من دون سواها.
استدعى الرئيس اللبناني جوزاف عون، رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام لتكليفه بتشكيل الحكومة بعدما سماه 84 نائباً خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي جرت في قصر بعبدا اليوم الإثنين، بينما حصل رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية نجيب ميقاتي على تسمية 9 نواب له، وامتنع 35 نائباً، هم بمعظمهم نواب "الثنائي الشيعي"، عن تسمية شخصية سنيّة للمنصب. ومن المتوقع ان يتوجه سلام إلى قصر الرئاسة في بعبدا غداً الثلاثاء، وذلك بسبب تواجده خارج البلاد.
وأصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نحيب ميقاتي على الأثر بياناً جاء فيه أنه "مع صدور نتائج الاستشارات النيابية التي اجراها فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مع السادة النواب، فانني أجريت اتصالاً برئيس الحكومة المكلّف الدكتور نواف سلام الموجود في لاهاي، وتمنيت له التوفيق في مهمته الجديدة بتشكيل حكومة تتلاقى مع المبادئ والأسس التي حددها فخامة الرئيس في خطاب القسم وتواكب تطلعات اللبنانيين التواقين إلى استكمال مسيرة بناء الدولة وتعزيز سلطتها على كل الأراضي اللبنانية. كما أتقدم بالشكر من السادة النواب الذين سموني أو كانوا أبدوا رغبة بتسميتي، مقدّراً ثقتهم، كما أشكر النواب الذين امتنعوا عن تسميتي لكونهم عبروا عن نهج ديمقراطي نتمسك به مهما كانت الظروف". وأضاف ميقاتي، "في هذه المناسبة فإنني اتوجه ايضاً بالشكر إلى جميع اللبنانيين الذين واكبوا العمل الذي قامت به حكومتنا منذ انطلاقتها وخصوصاً في مرحلة تصريف الأعمال التي كانت حافلة بالتحديات الداخلية والخارجية وأهمها العدوان الإسرائيلي على لبنان وتداعياته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية".
وأجرى الرئيس اللبناني اليوم الاثنين استشاراته مع الكتل النيابية تمهيداً لتسمية شخصية سيعهد إليها مهمة تشكيل حكومة جديدة تنتظرها تحديات كبيرة، وستنتهي على الأرجح بتكليف القاضي نواف سلام برئاسة الحكومة. والتقى رئيس البرلمان نبيه بري وكتلته (التنمية والتحرير) رئيس الجمهورية، ولم يسمِ أحداً لرئاسة الحكومة.
وحصل سلام حتى الآن على تأييد 84 نائباً مقابل تأييد تسعة آخرين لنجيب ميقاتي، وفق تصريحات النواب لدى خروجهم من القصر الرئاسي حيث تجري الاستشارات.
وبعد لغط في شأن موعد اجتماع كتلة "حزب الله" (الوفاء للمقاومة) مع الرئيس عون في تمام الساعة 3:30 من بعد الظهر كما كان محدداً، جرى الاجتماع في حوالي الساعة الخامسة إلا ثلثاً، خرج على أثره نواب الحزب يتقدمهم النائب محمد رعد الذي لم يسمِ أي مرشح لرئاسة الحكومة بل اكتفى بمطالبة العهد الجديد بضمان "الميثاقية" في تشكيل الحكومة والعمل على "تحرير لبنان من العدوان الإسرائيلي واستعادة الأسرى".
وقال رعد "لقاؤنا مع فخامة الرئيس كان من أجل أن نعرب عن أسفنا لمن يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية مرة جديدة". وأضاف "يكمن البعض من أجل التفكيك والتقسيم والشرذمة والالغاء والاقصاء".
وتابع "الآن نقول بكل بساطة وبكل هدوء أعصاب من حقهم أن يعيشوا تجربتهم ومن حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، لأن أي سلطة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها"، في إشارة واضحة إلى قبول الحزب بالأمر الواقع بالنسبة إلى تسمية رئيس الحكومة وتمسكه بأن يشارك في عضويتها.
و84 هو أكثر من نصف عدد النواب البالغ 128، ما يرجّح تسميته في نهاية الاستشارات.
وانحصرت المنافسة في الساعات الأخيرة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وسلام، الدبلوماسي المخضرم الذي يرأس حالياً محكمة العدل الدولية في لاهاي، وذلك بعد انسحاب النائب فؤاد مخزومي لصالح نواف سلام.
ودعمت سلام حتى اللحظة كتل معارضة لـ"حزب الله"، إضافة إلى كتلتي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط و"التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل.
إشارة الى أن سلام يعود اليوم الى بيروت بعد أن غادر أمس إلى باريس بداعي العمل.
ووسط الأنباء عن تقدم سلام على ميقاتي، طلبت كتلتا "حزب الله" وحركة "أمل" من رئاسة الجمهورية تأجيل موعدهما ضمن الاستشارات النيابية من اليوم إلى غدٍ الثلاثاء، لكن مسؤول مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أعلن أنهما عادتا وتراجعتا عن طلبهما.
الجولة الأولى
وأنهى الرئيس جوزاف عون الجولة الأولى من الاستشارات التي انتهت بتسمية 12 نائباً لمصلحة نواف سلام، وسبعة أصوات لميقاتي، فيما امتنع نائبان عن التسمية.
وتستكمل الاستشارات حالياً على أن تختتم بدعوة من نال أكثرية الأصوات إلى القصر الجمهوري في بعبدا، في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري، لتكليفه تشكيل الحكومة.
وحتى الآن، سمّت كتلة "الجمهورية القوية" التابعة لحزب "القوات اللبنانية" والتي تضم 19 نائباً، نواف سلام لرئاسة الحكومة.
"التيار الوطني" و"اللقاء الديمقراطي"
وبعد تكتم حتى اللحظات الأخيرة بشأن خيارها، سمّت كتلة "لبنان القوي" التابعة لـ"التيار الوطني الحر" التي تضم 13 نائباً سلام أيضاً لرئاسة الحكومة. وقبل توجهها إلى قصر بعبدا، عقدت الكتلة اجتماعاً اليوم برئاسة النائب جبران باسيل لحسم خيارها.
بدورها، سمت كتلة "اللقاء الديمقراطي" التبعة لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" نواف سلام.
وكانت مصادر مقربة من كتلة "اللقاء الديمقراطي" لفتت إلى أن الكتلة لم تكن حتى مساء أمس، قد حسمت موقفها لناحية دعم ميقاتي أو سلام في معركة التكليف، وأن هناك انقساماً داخل الكتلة بين مجموعة تؤيد ميقاتي وأخرى تؤيد سلام. كما نقلت المعلومات تبايناً بين رئيس الحزب السابق وليد جنبلاط الذي يدعم ميقاتي، وبين الرئيس الحالي للحزب تيمور الذي يدعم سلام.
وأكدت مصادر نيابية خاصة لـ "اندبندنت عربية" أن رئيس المحكمة الدولية القاضي نواف سلام سيكون الرئيس المكلف تشكيل الحكومة المقبلة في لبنان بعد تأكيد توجه كتلة "اللقاء الديمقراطي" للتصويت له.
وتأتي الاستشارات النيابية الملزمة وفق الدستور بعد أربعة أيام على انتخاب عون رئيساً على وقع ضغوط خارجية.
أسماء عدة
ومنذ تحديد موعد الاستشارات تداولت قوى سياسية أسماء عدد من المرشحين للمنصب الذي تتولاه في لبنان شخصية من الطائفة السنية. ومن بين المرشحين الذين تم التداول بأسمائهم، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والنائب المعارض لـ"حزب الله" فؤاد مخزومي الذي أعلن انسحابه، والسفير السابق نواف سلام الذي طرح اسمه في الساعات الأخيرة.
وقال مصدر مقرب من "حزب الله" إن الحزب وحليفته حركة "أمل" بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري يدعمان إعادة تكليف ميقاتي رئاسة الحكومة.
وقال على هامش جلسة انتخاب الرئيس الخميس الماضي إنه مستعد "إذا كانت هناك أي ضرورة" من أجل "خدمة البلد".
وميقاتي الذي قادت حكومته البلاد خلال أكثر من عامين من شغور سدة الرئاسة في فترة تعمق فيها الانهيار الاقتصادي وشهدت حرباً مدمرة بين "حزب الله" وإسرائيل تربطه علاقات جيدة مع قوى سياسية، ويحظى بعلاقات خارجية مع جهات عدة، لكن نواب "قوى المعارضة" التي تضم كتلة "القوات اللبنانية" وكتلاً أخرى صغيرة أعلنوا أول من أمس السبت قرارهم تسمية النائب فؤاد مخزومي، وهو رجل أعمال ثري تربطه علاقات جيدة بدول الخليج، حيث أسس أعماله، وبالولايات المتحدة التي زاره موفدها إلى بيروت أموس هوكشتاين الأسبوع الماضي في منزله، والتقى وفداً من نواب المعارضة.
وطرح نواب آخرون ترشيح نواف سلام الذي يترأس حالياً محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهو دبلوماسي مخضرم يحظى باحترام في لبنان، ويطرح اسمه عند كل استشارات نيابية.
وتكثفت في الساعات الأخيرة محاولات توحيد مواقف كتل معارضة ونواب مستقلين للمضي بتسمية سلام عوضاً عن مخزومي لتفويت الفرصة على إعادة تكليف ميقاتي.
انسحاب مخزومي
ومع بدء استشارات التكليف، أعلن النائب فؤاد مخزومي، انسحابه من الترشح الى رئاسة الحكومة افساحاً "في المجال للتوافق بين كل من يؤمن بضرورة التغيير حول اسم نواف سلام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المنظومة السياسية
ويرى خصوم "حزب الله" والمعارضون لتكليف ميقاتي أنه يشكل جزءاً من المنظومة السياسية السابقة التي أحكم الحزب قبضته عليها، وأن تعديل موازين القوى السياسية في الداخل على وقع النكسات التي مني بها "حزب الله" يفترض التوجه لتسمية شخصية جديدة.
وقال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأسبوع الماضي، "ثمة عهد جديد بدأ. شئنا أم أبينا الرئيس ميقاتي كان مع المجموعة الماضية".
ولم تعلن كل الكتل هوية المرشح الذي تدعمه. ويفوز المرشح الذي يحظى بالعدد الأكبر من الأصوات بين المتنافسين.
انقسامات سياسية
وبحسب الدستور اللبناني يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس البرلمان بعد اطلاعه على نتائج الاستشارات النيابية.
ولا يعني تكليف رئيس جديد لتشكيل حكومة أن ولادتها باتت قريبة. وغالباً ما استغرقت هذه المهمة أسابيع أو حتى أشهراً، بسبب الانقسامات السياسية والشروط، والشروط المضادة في بلد يقوم نظامه على مبدأ المحاصصة.
وفي خطاب القسم الذي ألقاه إثر أدائه اليمين الدستورية أعلن الرئيس اللبناني بدء "مرحلة جديدة للبنان"، محدداً خطة عمله في الفترة المقبلة، على وقع تغييرات إقليمية متسارعة، وتراجع نفوذ فريق سياسي رئيس هو "حزب الله" الذي أضعفته مواجهة مدمرة خاضها مع إسرائيل، وانتهت بموافقته على اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية أميركية بالدرجة الأولى.
تحديات كبرى
وتنتظر الحكومة المقبلة تحديات كبرى أبرزها الإعمار بعد الحرب الأخيرة التي دمرت أجزاءً في جنوب البلاد وشرقها وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها في الجنوب ويشمل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر عام 2006، والذي من بنوده ابتعاد "حزب الله" عن الحدود ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.
ومن التحديات أيضاً تنفيذ إصلاحات ملحة للدفع بعجلة الاقتصاد بعد أكثر من خمس سنوات من انهيار غير مسبوق.
الإمارات تعتزم إعادة فتح سفارتها في لبنان
على صعيد آخر، ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن وفداً إماراتياً رفيع المستوى موجود في لبنان حالياً لإجراء ترتيبات لإعادة فتح سفارة الإمارات في بيروت، وذلك بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على إغلاقها.
ووصل الوفد الإماراتي أمس إلى بيروت بعد يوم من اتفاق رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزاف عون على اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة فتح السفارة.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية "إعادة فتح السفارة يأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات والجمهورية اللبنانية الشقيقة، وحرص دولة الإمارات على دعم جهود الاستقرار والتنمية في البلاد، والتزام دولة الإمارات العميق بمساعدة الشعب اللبناني وتقديم أشكال الدعم كافة له في مختلف المجالات".