Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لأننا ملزمون أخلاقيا بالتفاؤل

صدر "الجانب المشرق" للصحافي ساميت بول تشودري

استهلت هيلين طومسن استعراضها للكتاب بسؤال: هل التفكير الإيجابي حيال مستقبل لا يمكن التنبؤ به هو دائماً الخيار الصحيح؟ (موقع الكتاب)

ملخص

تقول هيلين طومسن إن كتاب "الجانب المشرق" "يكون في أفضل حالاته، عندما يشرق صوت بول تشودري نفسه فيكون الكاتب الطريف المتعاطف الجميل، وإنكم سواء كنتم تبدأون العام الجديد وأنتم متفائلون أم وأنتم تجدون مشقة في الحفاظ على تفاؤلكم حيال حال الكوكب في المستقبل، فإن هذا الكتاب يطرح عليكم رسالة أمل".

يصعب كثيراً في بداية العام أن يكون المرء عوناً للقراء على التفاؤل، والأسباب كثيرة، ماثلة على مختلف الشاشات، وفي شتى المنصات، وليس بوسع مساحة كهذه مخصصة لمتابعة الكتب الحديثة الصدور أن تفلت كثيراً من طوفان البشاعة الذي يكتسح الأعوام والعقود، واحداً تلو الآخر. غير أن كتاباً يظهر، ويكون عنوانه "الجانب المشرق"، وتجد أن شركاء لك في المأزق تلقفوه على الفور، فنشرت عنه مقالتان في صحيفة "الغارديان" البريطانية في غضون أيام قليلة، فتتلقفه مثلهم.

صدر "الجانب المشرق" للصحافي ساميت بول تشودري قبل أيام قليلة، وهو، على رغم عنوانه هذا ليس كتاباً في التنمية الذاتية، بقدر ما يمكن اعتباره كتاباً في الفلسفة.

استهلت هيلين طومسن استعراضها الكتاب (الغارديان - السابع من يناير "كانون الثاني" 2025) بسؤال: هل التفكير الإيجابي حيال مستقبل لا يمكن التنبؤ به هو دائماً الخيار الصحيح؟

"هذا هو السؤال المركزي في كتاب ساميت بول تشودري الجديد. أكاد أسمعكم تصيحون: كفى كتباً عن الإيجابية. فقد فتح كتاب ’قوة التفكير الإيجابي‘ لنورمان فينسنت بيل الطريق أمام هذه الكتب منذ صدوره عام 1952، وأعقبته بالفعل كتب كثيرة، أحدثها كتاب ’مانيفست‘ لروكسي نافوسي الذي ينحو منحى كتب التنمية الذاتية فيعلم القراء كيف يفكرون على نحو أكثر إيجابية في صياغة مستقبلهم، وببيع مليون نسخة من هذا الكتاب، يتأكد أن شهيتنا للتفاؤل لم تزل قوية. فما الجديد الذي يأتي به تشودري إلى هذه الوليمة؟".

"في حين يستند نورمان فينسنت بيل إلى الروحانية، وتعتمد روكسي نافوسي على التجربة العملية، يستعمل بول تشودري خلفيته الصحافية لينسج قصصاً من التاريخ والأدب والفلسفة والعلم، ويطرح نفسه بوصفه متفائلاً لم يدرك حقيقة كونه كذلك إلا غداة وفاة زوجته المفاجئة بسبب شكل عدواني من سرطان المبيض".

 

يحكي رجل عربي في مقطع فيديو منتشر منذ فترة أن له جاراً مصاباً بالخرف يسأله كل يوم "أين زوجتي؟"، فيجيبه بأنها ماتت. يقول الرجل إنه لم يسأم قط من تكرار جاره للسؤال بسبب الارتياح الذي كان يراه على وجهه كلما سمع (للمرة الأولى) بوفاة زوجته. فقد لا يرى كل القراء غرابة في أن يشعر بول تشودري بالتفاؤل إثر وفاة زوجته لكن هيلين طومسن تتوقع من البعض غير ذلك، فكتبت أن "الإحساس بالتفاؤل في وقت كذلك قد يبدو أمراً غريباً، أو لعله يبدو ضرباً من أوهام الترمل، لكن لو أن الأمر كذلك يا عزيزي القارئ فلا بد أن أعد نفسي واهمة أيضاً، لأن التفات بول تشودري إلى الجانب المشرق يطابق ما فعلته أنا بعدما فقدت عزيزاً. فالحزن يأتي بهبة هي التذكرة الحادة دائمة المثول بأن الحياة قصيرة ولا يمكن التنبؤ بها، وبأن من لا يعانق التفاؤل حيال مستقبله، فإنه ببساطة شديدة يهدر وقتاً ثميناً".

"واقع الأمر أننا جميعاً في تخيلنا للمستقبل لا نخلو من بعض الوهم بحسب ما يكتب بول تشودري، فنحن نغالي في تقدير مدى اختلافنا، ونستهين بمدى طبيعتنا الفانية، وننتظر الإجازات أن تكون أمتع مما تكون عليه بالفعل. والتنبؤ بالمستقبل صعب بطبيعته. غير أن تشودري يذهب إلى أنه حتى في وجه الطريق غير الأكيد، فإن تعلم التفكير في المستقبل خير لنا من أن نسير نياماً إلى هوة الكارثة".

عبر استكشاف نطاق واسع يمتد من الميثولوجيا وحتى فيزياء الكم، "يدرس الكاتب أنماط التفاؤل ومتى يكون من اللائق استعمالها. فلا أحد يريد من مراقب الحركة الجوية أن يعتمد على التفكير الإيجابي، والإيجابية الذهنية ما كانت لتجعل كوفيد يختفي، والتفاؤل الأعمى لا يشفي من السرطان العنيف. غير أن تعلم النوع الصحيح من التفكير الإيجابي، أي التوقع العام بأن الأمور ستكون على ما يرام، يجعل المرء ينشئ عالماً أفضل".

أضافت طومسن أن الكاتب يقدم عرضاً جذاباً، وإن يكن مفككاً بعض الشيء في البداية، لما يتعلق بالتفاؤلية من علوم، فيتناول منشأها، ويبين الأسباب التي تجعل من اليسير الانجذاب لفخاخ التشاؤمية، وكيف نعلم أنفسنا النظر إلى الجانب المشرق، وكيف يمكن تعلم كثير من خلال إعادة تقييم الماضي وإعادة النظر في النهج الذي نتبناه تجاه المستقبل.

وفي حين أن المؤلف دارس فيزياء الفلك، فإن طومسن تحذرنا من تصور أن الكتاب ينتمي إلى العلم الشعبي. ذلك أن بول تشودري يمضي بعد هذا العرض ليغوص بعمق في مواضيع أهم تنتمي إلى الفلسفة والسياسة والتاريخ القديم والدين، متسائلاً عن السبب في احتواء العالم على أمور سيئة، وما لو أننا نتعلم أي شيء من تاريخنا، وهل من الممكن أصلاً أن نتحكم في مستقبلنا.

وحذرت طومسون قائلة "ليس هذا الكتاب موجهاً لذوي القلوب الضعيفة، فبول تشودري يصف نفسه بالمبتدئ الذي يسهل تشتيته، وذلك ما قد يفسر خليط الأفكار المنتقى في الكتاب. ففي لحظة يسمعنا الكتاب أصوات آلهة قديمة وقصصهم، وفي التالية يغوص بنا في نظرية كتلة الكون التي لا يمضي الزمن بموجبها قدماً. وعبر مقالات قصيرة منفصلة، نصادف رسائل طائفة واسعة من الكتاب والمنظرين والناشطين وهي رسائل تحذير وأمل. وعلى رغم أن ذلك كله ينضفر معاً في النهاية، فقليل من الأخذ باليد كان لييسر الرحلة".

"ولكن الرحلة، على رغم ذلك، تبقى جديرة بالمشقة. فكتاب ’الجانب المشرق‘ يمثل جولة واسعة تحقق غايتها، على رغم بعض العراقيل البنيوية، وغايتها هي أن تساعد القراء على فهم ما يدفعنا إلى غرس التفاؤلية في أنفسنا وكيف نستعملها في خلق مستقبل أفضل".

أما هيو غرين، وهو طبيب نفسي سريري وعالم أعصاب في مستشفى "أودنبروك" بكمبريدج، فيكتب في استعراضه الكتاب (الغارديان – التاسع من يناير 2025) أن "البشر يتسمون بتفاؤل غير واقعي حيال العالم والمستقبل، ولا يكاد يشذ عن رؤية العالم عبر أعين التفاؤل المنحازة هذه إلا الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب السريري. وتذهب الواقعية الاكتئابية، وهذا هو الاسم الذي يطلق على المناعة النسبية التي يحظى بها المكتئبون من هذا الوهم، إلى أننا لا نرى الواقع بوضوح إلا على حساب صحتنا العقلية. فيضع هذا علماء النفس أمام ورطة مثيرة. فنحن دائماً عالقون بين وهم النظر عبر عدسات وردية من ناحية، والإنهاك الناجم عن التخلي عن هذه العدسات من الناحية المقابلة. فأيهما يجب أن يكون أولوية لنا: الدقة أم السعادة؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"ينحاز ساميت بول تشودري انحيازاً شديداً لجانب التفاؤلية في استكشافه الحيوي للتفكير في نصف الكوب الملآن وعلاقته بالتقدم الاجتماعي. والكتاب الذي يبدو في البداية وكأنه من كتب التنمية الذاتية يتبين أنه تاريخ كاشف لفكرة التفاؤلية، قبل استكشاف قدرتها على مساعدتنا على معالجة تحديات اجتماعية وبيئية. فالتوتر في علاقتنا بالتفاؤلية، بين قدراتها الدافعة والموهمة، حاضر في الكتاب كله".

ويرى هيو غرين أن الخطورة في كتاب عنوانه "الجانب المشرق" هو أنه يستحضر نوعاً من البهجة الحميدة المرحة "وهذه مشكلة دائمة لمن يسعى إلى ترويج التفاؤلية في وجه تحديات جسيمة جيوسياسية وأخلاقية. فقد يبدو من الغريب وسط استمرار المعاناة وانعدام اليقين، أن نصر على أن الأمور ستمضي على ما يرام".

وبول تشودري صحافي علمي يتبنى التفاؤل بجدية، ولكن هذا "لم يدفعه إلى الثرثرة أو التفاؤلية الساذجة. فكتابه أيضاً دراسة دقيقة لسوء استعمال التفاؤلية بقدر ما هو معني بحسن استعمالها. والأفكار التي ينتقيها في الكتاب إنما ينتقيها ليدرسها، ولينتقدها. ويطرح الكتاب وجهات نظر مختلفة، فيتكشف من كل ذلك أنه في حين أننا قد نشعر كثيراً أن لدينا أسباباً وجيهة للتشاؤمية، فإن شكلاً معيناً من التفاؤلية هو الخيار الوحيد الجاد أخلاقياً".

"يتجلى هذا بوضوح حينما يعيد بول تشودري صياغة رسالة من السجن كتبها أنطونيو غرامشي، فبدلاً من ’تشاؤمية العقل، وتفاؤلية الإرادة‘ يقترح ’القدرة على رؤية العالم على ما هو عليه والمضي قدماً على أي حال. وتبدو تلك مهارة جديرة بالاكتساب. لكن هل بإمكاننا أن نكتسبها؟‘، والمعتاد في هذه النقطة أن نجد فصلاً إرشادياً حافلاً بالتوكيدات والتمارين لمساعدة القارئ على الدخول في المساحة الذهنية المطلوبة، ولكن التفاؤلية عند تشودري أقرب إلى فضيلة منها إلى مزاج أو حالة. فقد يكون من الممكن غرس التفاؤلية، أو المجاهدة لأجلها، ولكن الظفر بها ليس بالأمر اليسير".

"ولذلك فإن حكمة ’الجانب المشرق‘ لا تظهر إلا ببطء، إذ يتكون نسيجها بالحركة ذهاباً وإياباً عبر مناهج مختلفة تاريخية وفلسفية. ويطرح لايبنتس نقطة بداية، إذ ذهب ذلك الموسوعي الألماني إلى أن الرب، وهو الرحيم القادر على كل شيء، كان يمكن أن يخلق من العوالم المختلفة ما يشاء، ومن ثم فالعالم الذي نعيش فيه لا بد من أن يكون أفضل هذه العوالم على الإطلاق، أو هو العالم الأقصى. ولا يعني هذا أن عالمنا خال من النقص، إنما يعني أنه أفضل ما كان بالإمكان في ظل حدود المخلوقات المعقدة التي تعيش فيه. وليست حجة لايبنتس إقراراً ساذجاً بالبهجة الحميدة المرحة. فثمة شيء مأسوي في قبول حجة النقص البشري، ولكنه لم يشفع لها فتنجو من سخرية فولتير الذي جعل شخصية المعلم بنغالوس (وهو بديل لايبنتس) في روايته ’كنديد‘ مرادفاً للتفاؤل الآلي في مواجهة الواقع القاتم".

"وتتواتر نسخة من هذا كلما ظهر من يناصرون التفاؤلية. فمن السهل الاستخفاف بالمتفائلين، لكن من السهل أيضاً ادعاء وضع العليم بكل شيء الرافض الوقوع فريسة للوهم. وهنا تكمن المفارقة، ولقد شهد بول تشودري من خلال عمله سابقاً محرراً في مجلة ’نيو ساينتيست‘ بعضاً من الأثر المدمر الذي يمكن أن يخلفه هذا الموقف في قدرتنا على إحداث التغيير. وانظروا مثلاً إلى غريتا ثانبيرغ، وهي من أوجه كثيرة شخصية ملهمة. فقد بدت هي وغيرها من النشطاء المناخيين في بعض الأوقات كمن يرسخون للتشاؤم في ما يتعلق بإمكانية التغيير بسبب عدائهم التيار السياسي السائد. أو انظروا إلى روجر هالام مؤسس حركة التمرد ضد الانقراض، إذ يستشهد بول تشودري بوثيقة كتبها هالام وتصف بتفاصيل مثيرة كيف ستنهار الحضارة نتيجة لتغير المناخ".

"في رأي بول تشودري أن ثانبيرغ وهالام يخاطران إذ يتشاءمان، ويرى أنهما، بلغتهما الوحشية، يهددان التغيير الذي يسعيان إلى إحداثه. ومثال التفاؤل الذي يضربه بول تشودري هو كاتالين كاريكو، عالمة الكيمياء الحيوية المجرية - الأميركية التي فازت بجائزة نوبل عن عملها في تكنولوجيا لقاح mRNA. فحتى غير المؤهلين طبياً منا يدركون الآن أهمية تكنولوجيا هذا اللقاح في المساعدة في التخفيف من أول جائحة كبرى في القرن الـ21، أي كوفيد، ولكن زملاء كاريكو في غالب مسيرتها المهنية لم يقدروا عملها حق قدره، بل إن الجامعة التي كانت تعمل فيها طردتها في مرحلة ما، بسبب عجزها عن اجتذاب تمويل لأبحاثها، لكنها واصلت العمل بغض النظر عن ذلك".

"لعل هذه واحدة من أفضل المتع في الجانب المشرق، إذ إن لبول تشودري عيناً ثاقبة في العثور على الشخصيات المثيرة للاهتمام والمشاريع المثيرة للاهتمام والغريبة في بعض الأحيان. ونصادف هكذا على مدى الكتاب، مؤيدين لحركة انقراض البشر طوعاً، وفيلسوفاً يرى أنه كان خيراً لنا لو لم نولد قط، وجندياً سوفياتياً متوسط الرتبة، ستانيسلاف بتروف، استطاع أن يجنبنا حرباً نووية من خلال تفسيره إشارة كمبيوتر بصورة صحيحة ومتفائل باعتبارها خطأ في النظام وليست إطلاق صاروخ نووي أميركي. فعند الاختيار في تفسير الأحداث يرى المتشائمون في هذه المجموعة أننا في عالم سلبي محتمل، بينما يفترض المتفائلون أننا في عالم إيجابي".

"وما بين حجة لايبنتس التي تذهب إلى أننا لا بد من أن نكون في أفضل عالم ممكن، والمفهوم الحديث المتعلق بالأكوان المتعددة، ويفترض هذا المفهوم وجود عوالم متوازية لا نهائية ومتغيرة إلى ما لا نهاية، يهتم بول تشودري بمفهوم الإمكانية، ويملأ خيالنا بصور مرغوبة من المستقبل".

وينتهي غرين بقوله إن تفاؤلية بول تشودري تضرب بجذورها في فكرة "الاستثمار الحذر"، فالناس يستثمرون متوقعين أن الأمور قد تكون أفضل، لا متهورين بافتراض أن الأمور ستكون أفضل لا محالة، "ويطرح حججاً فاتنة وواسعة النطاق تبعث على التفاؤل لكنها بعيدة من الابتذال وتملق الذات. وفي ظل توسع الصراعات الدولية، وأزمة المناخ العالمية المستمرة، ووصول دونالد ترمب إلى فترة رئاسية ثانية، فهذا منظور سنحتاج إليه احتياجاً ماساً في 2025".

تقول هيلين طومسن إن كتاب "الجانب المشرق" "يكون في أفضل حالاته، عندما يشرق صوت بول تشودري نفسه فيكون الكاتب الطريف المتعاطف الجميل، وإنكم سواء كنتم تبدأون العام الجديد وأنتم متفائلون أم وأنتم تجدون مشقة في الحفاظ على تفاؤلكم حيال حال الكوكب في المستقبل، فإن هذا الكتاب يطرح عليكم رسالة أمل، إذ يذكرنا بوجود كثير من المسارات الممكنة التي يمكن التقدم فيها، وبأن التفكير الإيجابي في المستقبل ليس بالمسعى الساذج، لكنه واجب مشترك وضروري. فنحن نولد متفائلين، بحسب ما يرى بول تشودري، ولو أنكم لم تعودوا كذلك، فهذا الكتاب كفيل بأن يردكم إلى ما كنتم عليه، فضلاً عن منافع كثيرة أخرى".

العنوان: The Bright Side

تأليف: Sumit Paul-Choudhury

الناشر: Canongate

اقرأ المزيد

المزيد من كتب