Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سيرد "الثنائي الشيعي" في ظل تسارع التطورات الخارجة عن سيطرته؟

يرى مراقبون أن التذرع بـ "الميثاقية" في تشكيل الحكومة اللبنانية له خلفيات سياسية

كتلة "حزب الله" لدى لقائها الرئيس جوزاف عون بقصر بعبدا في مرحلة الاستشارات النيابية لتسمية رئيس للحكومة (اندبندنت عربية)

ملخص

من المؤكد أن ما حصل في انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة أوصل "الثنائي الشيعي" إلى وضع جديد خارج عن السيطرة، لم يعد فيه ممسكاً بزمام المبادرة وقادراً على احتكار القرار، والسؤال كيف سيكون الرد ومتى؟ وهل ما كان ممكناً في السابق لا يزال ممكناً اليوم؟

لم يخرج "حزب الله" بعد من صدمة الخسارة العسكرية في الحرب مع إسرائيل وانهيار نظام الأسد حتى توالت عليه التطورات السياسية المتسارعة في الداخل الواحدة تلوى الأخرى، فبعد عملية انتخاب الرئيس جوزاف عون التي شارك فيها الحزب على مضض بعدما اُضطر إلى التخلي عن مرشحه سليمان فرنجية، صُدم بعملية تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة من خارج السياق الذي رسمه مع حليفه رئيس مجلس النواب و"حركة أمل" نبيه بري، والذي يعتبر وفق مقربين منه أن ما حصل كان خروجاً على التفاهمات التي أُبرمت قبل انتخاب عون، والتي تشمل إبقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا حتى الانتخابات النيابية العام المقبل. الحزب مقتنع بأن ما حدث هو "انقلاب سياسي" بدأت ملامحه تظهر مع وصول عون إلى قصر بعبدا، واكتملت حلقاته مع دخول سلام إلى السرايا الحكومي، وكان رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة"، كتلة "حزب الله"، النائب محمد رعد قد عبّر بوضوح بعد استشارات التكليف في قصر بعبدا وبوجه متجهم، عن حجم الاستياء عندما وصف ما حصل بـ "الكمين من أجل التفكيك والتقسيم والشرذمة والإلغاء والإقصاء عنوة وكيدية وتربصاً".

ومن المؤكد أن ما حصل أوصل "الثنائي الشيعي" إلى وضع جديد خارج عن السيطرة، لم يعد فيه ممسكاً بزمام المبادرة وقادراً على احتكار القرار، فكيف سيكون الرد ومتى؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامه؟

هل يلجأ الثنائي إلى الشارع؟

بعد تكليف سلام عكست المواقف والتعليقات حجم الغضب في بيئة الثنائي، وسط تساؤلات عن ردود الفعل التي يمكن أن يلجأ إليها، مما يعيد إلى الذاكرة خيارات اُعتمدت خلال حقب سابقة، مثل خيار الانتفاضة المسلحة في حقبة الثمانينيات أو النزول إلى الشارع والمكوث لشهور في وسط بيروت قبالة السرايا بعد حرب عام 2006، أو الانتشار المسلح وما عرف بـ "غزو بيروت" في السابع من مايو (أيار) عام 2008، لكن السؤال هو هل ما كان ممكناً في السابق لا يزال ممكناً اليوم؟ خصوصاً أن الثنائي "أمل" و"حزب الله" يعرف أنه في وضع جيوسياسي صعب وبات يفتقد العمق الحيوي باتجاه سوريا وإيران، وأنه في حاجة إلى أموال الإعمار ولا يريد عودة الحرب، وأن لبنان موضوع تحت رقابة ووصاية دولية مشددة، والخياران المتاحان أمام الثنائي بحسب كثيرين هما إما البقاء خارج الحكومة والانتقال إلى ضفة المعارضة للمرة الأولى منذ "اتفاق الطائف"، وهذا يعني الدخول في مواجهة باكرة مع العهد الجديد ونقل العلاقة معه من مسار "حوار وتفاهمات" إلى مسار "صراع ومشكلات"، أو الدخول في الحكومة الجديدة بعد تجاوز الظروف والإشكالات التي أحاطت بوصول الرئيس المكلف نواف سلام، واتباع تكتيك رفع السقف في استشارات التأليف عبر التهديد بمقاطعتها للحصول على ما أمكن من المطالب في الحكومة، بدءاً بحقيبة وزارة المال.


الخيار يحدد بعد اللقاء مع سلام

ويعتبر الصحافي محمد علوش أن "تكليف سلام هو انقلاب على اتفاق حصل مع موفد السعودية، مستشار وزير الخارجية السعودي للشأن اللبناني الأمير يزيد بن فرحان عشية انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، ونص على إبقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمرحلة انتقالية حتى الانتخابات النيابية"، وبالتالي يضيف علوش أن "الثنائي معني أيضاً بإسقاط اتفاقات أخرى كما سقط هذا الاتفاق، وهو معني بالإجابة عن هذه التساؤلات ومن ثم الانطلاق بيد ممدودة ومفتوحة من جديد باتجاه رئيس الحكومة المكلف".

ويؤكد علوش أن "الخيارات الحكومية ستبدأ من خلال اللقاء مع سلام ومعرفة توجهه في عمل الحكومة ونظرته لأمور أساس على رأسها القرار رقم (1701) واتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب"، أما اذا لم يجر التوافق مع الرئيس المكلف، يضيف علوش، فإن "أحد الخيارات المتاحة أمام الثنائي هو البقاء في المعارضة"، لكن هذا الخيار برأيه "لن يكون عملاً ذا مصلحة في هذه المرحلة بالذات وفي هذه الحكومة التي ستكون مهمة بجدول أعمالها، بدءاً مما يجري في الجنوب ومروراً بإعادة الإعمار والإستراتيجية الدفاعية والتعيينات وإجراء الانتخابات النيابية عام 2026".

وتحدث علوش أيضاً عن "خيار أخير قد يلجأ اليه الثنائي بأن يتفق على الانقسام الحكومي وأن تشارك 'حركة أمل' في الحكومة ويبقى 'حزب الله' في المعارضة، وهذا الخيار يتحدد بعد اللقاء مع الرئيس المكلف واستشراف المرحلة وإعادة البحث بالضمانات والاتفاقات التي سبقت انتخاب الرئيس جوزاف عون".    

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التهديد بالميثاقية

قاطع نواب الثنائي التكليف ولم تسمّ كتلتا "التنمية والتحرير" (حركة أمل) و"الوفاء للمقاومة" (حزب الله) أحداً لرئاسة الحكومة، وهدد النائب رعد وكذلك النائب أيوب حميد بخيار مقاطعة الحكومة أيضاً مع طرح "عدم ميثاقية" الحكومة الجديدة، لأنها لا تضم الممثلين الفعليين للطائفة الشيعية، مما يعيد للأذهان المشهد أيام حكومة رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة عام 2006 التي تحولت بعد انسحاب الوزراء الشيعة منها إلى "حكومة بتراء" كما وصفها آنذاك بري.    

وبحسب المحامي الدولي وأستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية أنطونيوس أبو كسم "فلا يوجد في مقدمة الدستور وكذلك في كل ما يحكي عن الميثاق ما يشير إلى مشاركة أو إقصاء الطوائف"، معتبراً أن "الميثاقية باتت ممارسة مخالفة للدستور وغير صحية، وكلمة ميثاق وردت في صيغة 1943 وهي تتحدث عن الميثاق بين المسلمين والمسيحيين وليس بين الموارنة والأرثوذكس، أو بين السنّة والشيعة، أو الشيعة والدروز، أو غيرهم من المذاهب، وفي مقدمة الدستور التي أضيفت بعد 'اتفاق الطائف' تنص على أنه لا شرعية لسلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، والعيش المشترك يعني التعايش المسيحي - الإسلامي، ولم يتطرق الدستور إلى المذهبية".

وفي حديث إلى "اندبندنت عربية" يضيف أبو كسم أنه "يمكن الحديث عن غياب الميثاقية فقط إذا جرى تأليف الحكومة ولم تضم ممثلاً عن طائفة معينة، أما إذا قدم الرئيس المكلف نواف سلام تشكيلة حكومية تضم وزراء من كل الطوائف، وهذا ما سيفعله، فتُعتبر الحكومة ميثاقية". ويضيف المحامي الدولي أن "الميثاقية لا ترتبط بالتمثيل الحزبي كما لا تتوقف على منح النواب الشيعة الثقة للحكومة، فالدستور لا ينص على ذلك، كما أن جلسة الثقة لا تتطلب غالبية نيابية موصوفة ينص عليها الدستور، ويكفي أن تُفتتح الجلسة بنصف أعضاء مجلس النواب، أي 64 نائباً لتُعتبر منعقدة، والتصويت على الثقة كأي قرار عادي أي بغالبية الأصوات، مما يعني أنه يكفي أن تحصل الحكومة على 33 صوتاً لتُعتبر أنها حصلت على ثقة المجلس وتبدأ عملها". 
وتابع الأستاذ في القانون الدولي أن "هذا السيناريو الدستوري لا يشترط حضور النواب الشيعة الـ 27 كما لا يشترط تصويتهم لتأخذ الحكومة الجديدة ثقة مجلس النواب، أما التذرع بالميثاقية فخلفياته سياسية"، مشدداً على أنه "لا يمكن الحديث عن الميثاقية إلا في حال واحدة فقط وهي عندما لا تتضمن التشكيلة الحكومية أسماء من الطائفة الشيعية، ولا وجود لأي نص يتيح لرئيس مجلس النواب الامتناع من عقد جلسة الثقة، كما ينطبق هذا الأمر على رئيس الحكومة الذي لا يمكنه أن يمتنع من الدعوة إلى جلسات لمجلس الوزراء".

ويذكّر أبو سليمان بمهلة الـ 30 يوماً التي ينص عليها الدستور والتي يفترض خلالها أن تكون الحكومة حصلت على ثقة مجلس النواب، وهي مهلة دستورية ملزمة برأيه لرئيس مجلس النواب حتى يفتح المجلس.


لا انقلاب إلا في مخيلة الثنائي

وعلى رغم تأكيد "حزب الله" و"حركة أمل" أن انقلاباً حصل خلال الساعات الأخيرة على الاتفاق الذي عقده بري مع الجانبين الفرنسي والسعودي، يجزم النائب المعارض وضاح الصادق لـ "اندبندنت عربية" أنه "لم يحصل أي اتفاق من هذا النوع، وأن المجموعة الخماسية التي تضم أميركا والسعودية ومصر وقطر وفرنسا لم تتدخل في استشارات التكليف، وأن ما حصل كان وجود رغبة شعبية عارمة في وصول نواف سلام"، مضيفاً "بذلنا جهداً كبيراً لتأمين توافق عليه بين كل أطراف المعارضة، وهو مرشحنا منذ انتفاضة الـ 17 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ولا وجود لأي انقلاب إلا في مخيلة الثنائي، مثل خيال الانتصار".
وعن كلام الثنائي بأن ما حصل يخالف الميثاقية، يسأل الصادق "أين كانت الميثاقية في الحكومات الثلاث الأخيرة وفي انتخابات رئاسة الجمهورية عندما اختارت كل المكونات المسيحية جهاد أزعور، فرفضه الثنائي واختار مرشحاً لا ميثاقية حوله وهو سليمان فرنجية"، مضيفاً "ماذا لو كان الرئيس نجيب ميقاتي نجح بالتكليف من دون أصوات المكون الدرزي، فهل كانوا ليتحدثوا عن الميثاقية؟".

ويتابع الصادق أن "على الثنائي أن ينتقل من فترة الإنكار إلى الحقيقة المؤلمة، ونحن نتطلع إلى بلوغهم فترة القبول بالواقع لنتمكن من المشاركة معاً في بناء الدولة، والحل الوحيد هو أن يقتنعوا بأن البلد لا يُحكم إلا بالقوانين والدستور، وأن التكليف كان للمرة الأولى نتيجة حراك داخلي محلي، وأن رغبة اللبنانيين تجسدت في مجلس النواب عبر اختيار القاضي نواف سلام، وعلى 'حزب الله' الدخول في المؤسسات وألا يضع طائفة بكاملها خارج الشراكة في بناء الدولة، لأن قراره متعلق بالمحاصصة والفساد والتفرد بالقرار".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات