في الوقت الذي تراجعت فيه حصة الدولار الأميركي في حجم الاحتياطيات لدى البنوك المركزية، مع علامات واضحة تشير إلى اتجاه الاقتصادي الأميركي نحو الركود، أظهر مسح حديث أن الورقة الأميركية الخضراء ستواصل ارتفاعها على الأقل لمدة 6 أشهر إضافية في ظل عدم وجود منافس في الأفق لتحدي هيمنته.
وتشير دراسة حديثة صادرة عن معهد "بروكينغز"، إلى أن حصة الدولار في الاحتياطيات الدولية تراجعت بنسبة 2% فقط منذ عام 2007 في حين انخفضت حصة اليورو بنحو 6%.
فيما تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن حصة الدولار في الاحتياطيات الدولية تراجعت إلى نحو 61.63%، مقابل 20.35% لليورو، و 5.41% للين الياباني، و4.43% للجنيه الإسترليني، و1.79% للعملة الصينية.
وكشف المسح الذي أجرته وكالة "رويترز"، أن تدهور ظروف التجارة العالمية أضر غالبية الاقتصاديات ما عزز الطلب على الأصول المقومة بالدولار منذ أوائل العام الماضي، ما يُبقي الورقة الخضراء قوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توقعات باستمرار ارتفاع الدولار مقابل سلة العملات
وطبقاً لأحدث بيانات صادرة عن لجنة تداول السلع الآجلة، فإن المضاربين في العملات استمروا في زيادة صافي إجمالي مراكزهم الشرائية للدولار، وهو اتجاه من غير المرجح أن يتغير في المدى القريب. وقال محللون في إطار المسح، إن ارتفاع الدولار يفترض أن يستمر لمدة 6 أشهر على الأقل.
وقالت كبيرة محللي العملات في "رابوبنك" في لندن، جين فولي، إن العوامل التي أبقت الدولار قوياً خلال الثمانية أشهر الماضية من المرجح أن تستمر لبعض الوقت وستظل قوة العملة موضوعية للغاية في الوقت الحالي.
وأوضح استراتيجي العملات في سوسيتيه جنرال "كيت جوكيس" أن الدولار سيبدأ فقط في الضعف عندما تصبح البيانات ضعيفة بدرجة كافية بشكل قاطع في الولايات المتحدة لجعل الأسواق تعتقد أننا نشهد سياسية تيسيرية أكثر من الإجراءات الاحترازية.
لكن أقلية كبيرة من المحللين قالوا إن فروقات معدلات الفائدة قد تكون السبب الرئيسي للدولار كي يظل قوياً. في حين رأى 15 محللاً أن السبب الرئيسي يكمن في تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بينما أرجع 11 محللاً ذلك إلى العوائد الإيجابية من الأصول المقومة بالدولار.
وتوقعت نتائج المسح أن تعزز غالبية العملات الرئيسية المكاسب أمام الدولار في غضون عام، لكن المكاسب المحتملة أقل من المتوقعة في استطلاع الشهر الماضي.
"المركزي الأميركي" يعترف بوجود مخاطر
وفي السياق ذاته، وصف رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الاقتصاد الأميركي بأنه قوي، لكنه أشار إلى أنه يواجه بعض التحديات والمخاطر.
وقال إنه على الرغم من أن الجميع لا يتشاركون بشكل كامل في الفرص الاقتصادية ويواجه الاقتصاد بعض المخاطر، فإنه عموما في مكان جيد. مشيراً إلى أن مهمة الاحتياطي الفيدرالي هي الحفاظ علي التوسع الاقتصادي لأطول فترة ممكنة.
وأضاف: "في الوقت الذي نعتقد فيه أن استراتيجيتنا وأدواتنا كانت ولا تزال فعالة، فإن الاقتصاد الأميركي مثله مثل الاقتصادات المتقدمة الأخرى، يواجه بعض التحديات على المدى الطويل من النمو المنخفض وتباطؤ التضخم ومعدلات الفائدة المنخفضة".
وذكر أن الاحتياطي الفيدرالي يدرس الاستراتيجيات التي ستساعده على تحقيق مستهدف التضخم البالغ 2%. وأظهرت بيانات اقتصادية هذا الأسبوع أن النشاط الصناعي الأميركي انكمش لأدنى مستوى في 10 سنوات، بينما انخفض نشاط الخدمات للقطاع الخاص لأقل مستوياته منذ عام 2016.
وخفض المركزي الأميركي معدل الفائدة مرتين خلال العام الحالي، ويرجع ذلك جزئياً إلى تباطؤ التضخم إلى أدنى مستهدف البنك.
حصة الدولار تتراجع في 3 فصول متتالية
فيما تشير بيانات حديثة لصندوق النقد الدولي إلى استمرار تراجع حصة الدولار الأميركي بالاحتياطات الدولية مقابل زيادة حصة عملات أخرى كالين الياباني واليورو واليوان الصيني. لافتاً إلى تراجع حصته في إجمالي الاحتياطات الدولية لمدة 3 فصول متتالية بنهاية الربع الأخير من العام الماضي، قبل أن يتحول للصعود في أول 3 أشهر من 2019، لكنه عاود الهبوط مجدداً في الربع الثاني.
لكن مع ذلك لا تزال حصة الورقة الخضراء في الاحتياطات الدولية تتجاوز 61% بنهاية الربع الثاني من العام الحالي، في حين تُشكل بقية العملات السبع أقل من 39% في إجمالي الاحتياطات.
وصعد إجمالي الاحتياطات الدولية إلى 11.02 تريليون دولار بنهاية الربع المنتهي في يونيو (حزيران) الماضي مقارنة مع 10.9 تريليون دولار المسجلة في أول ثلاثة أشهر من 2019.
كيف تحركت الاحتياطيات الدولية خلال الربع الثاني؟
خلال الربع الثاني من العام الحالي، شهدت حصة عملات كالين الياباني واليورو واليوان الصيني ارتفاعاً في الاحتياطات الدولية خلال الربع الثاني على حساب تراجع حصة الدولار الأميركي.
وبلغت الاحتياطات الموجودة بالعملة الأميركية 6.79 تريليون دولار بنهاية الربع الثاني من هذا العام بزيادة 0.7% فقط عن 6.74 تريليون دولار المسجلة خلال الربع الأول من 2019. لكن حصة الدولار من إجمالي الاحتياطات المخصصة تراجعت إلى 61.63% من مستوى 61.86% مسجلة خلال الربع الأول.
وتعتبر حصة الدولار من الاحتياطات الدولية تلك هي الأقل منذ الربع الرابع من عام 2013 عندما كانت تبلغ 61.27%.
في المقابل، ارتفعت حصة الين الياباني في مخصصات الاحتياطات الدولية إلى 5.41% خلال الربع الثاني من 2019، مسجلة أكبر حصة منذ الربع الأول من عام 2001.
أما حصة الاحتياطات الموجودة باليوان، والمعروف كذلك بالرينمينبي، صعدت إلى 1.97% وهي الأعلى منذ انضمام العملة إلى عملات الاحتياطي العالمية في صندوق النقد الإبلاغ خلال أكتوبر (تشرين الأول) من 2016.
وبالنسبة للاحتياطات المخصصة بعملة اليورو، التي جاءت في المرتبة الثانية بعد الدولار، فبلغت 20.35% في الثلاثة أشهر المنتهية في يونيو (حزيران) الماضي.
اتجاه عالمي لتنويع احتياطيات البنوك المركزية
وعلى الرغم من أن الورقة الخضراء لا تزال العملة الأكثر هيمنة عالمياً على الاحتياطيات الدولية، لكن يبدو أن البنوك المركزية حول العالم تسعى إلى تنويع احتياطاتها بعيداً عن الدولار. ويحدث الهبوط في حصة الدولار كعملة احتياط دولية عندما تقوم البنوك المركزية بخلاف الفيدرالي بتقليص أصولها المقومة بالدولار وإضافة أصولاً مقومة بعملات أخرى.
ولا يمكن اعتبار هذا التراجع ذات أهمية كبيرة عند المقارنة مع الوضع في نهاية القرن العشرين، حيث تراجعت حصة الدولار إلى 46% في عام 1991.
ومع تسليط الضوء على عملات الاحتياطي الدولية دون الدولار واليورو نجد أن حصة الين الياباني ارتفعت من حوالي 3.5% في عام 2015 إلى 5.4% في الوقت الحالي.
كما أن حصة اليوان الصيني ارتفعت من مستوى 1.07% في عام 2016 لتصبح حالياً 1.97%، رغم أنها لا تزال حصة صغيرة بالنسبة لعملة ثاني أكبر اقتصاد عالمياً لكنها تمكنت من زيادة نصيبها في غضون ثلاثة أعوام لتتجاوز الدولار الأسترالي والدولار الكندي.
لهذه الأسباب تراجعت قوة الدولار
وتعود خسائر الدولار خلال الفترات الماضية إلى عدة أسباب، على رأسها أن الولايات المتحدة سجلت أكبر عجز تجاري في العالم لكنها مع ذلك لديها عملة الاحتياط المهيمنة.
ويفسر هذا الوضع نظرية مفادها أنه من أجل أن تمتلك دولة عملة الاحتياط العالمية يجب أن يكون لديها عجز تجاري كبير مع بقية دول العالم. لكن هذه النظرية يتم دحضها عند النظر إلى اليورو، ثاني أكبر عملة احتياطية، والين، ثالث أكبر عملة احتياطية، حيث تتمتع اقتصاداتهما بفائض تجاري كبير مع بقية دول العالم.
في الوقت نفسه، يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ثقة العالم في الورقة الخضراء تتراجع وتتجه إلى حيازة الذهب بدلاً منها. وأرجع بوتين ذلك إلى أن استخدام واشنطن للدولار كأداء سياسية أصبح يأتي نتائج عكسية.
وعلاوة على ذلك، تتجه دول وعلى رأسها الصين إلى خفض حيازتها من سندات الخزانة الأميركية مع حقيقة أن بكين هي الدولة الأكبر امتلاكاً لديون الولايات المتحدة.
كما أن روسيا تتبع النهج نفسه منذ العام الماضي بشكل واضح، حيث تراجعت حيازتها بشكل حاد لأسباب سياسية واقتصادية.