Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لهذا السبب بالذات اتخذ ترمب قراره الغريب بتعليق الاتفاقية النووية الأميركية الروسية، وهو بالضبط ما تعتقدون

لا يعير الرئيس الأميركي أي قيمة للمعاهدة النووية المبرمة منذ 30 عاماً، فجُلُّ ما يعنيه نفسه فقط

صورة للرئيس الأميركي دونالد ترمب مغادرا البيت الأبيض. (أ.ف.ب) 

ثارت ثائرة العالم أجمع على قرار الولايات المتحدة تعليق إحدى أهمّ اتفاقيات الأسلحة النووية الموقّعة مع روسيا. وهو تماما ما يريده الرئيس ترمب. 
فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عزم الولايات المتحدة الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى.
وقع الطرفان الأميركي والروسي ممثلين بالرئيس رونالد ريغان والأمين العام ميخائيل غورباتشوف عام 1987 على هذه الاتفاقية التي نصّت على إلزام الفريقين بتدمير جميع منظومات الصواريخ النووية التي يتراوح مداها ما بين 500 و5500 كيلومتر.
يزعم البيت الأبيض اضطرار الولايات المتّحدة إلى الانسحاب من المعاهدة المذكورة جراء انتهاك روسيا لشروطها متّهماً إيّاها بنشر صواريخها النووية في محاولةٍ منها لترهيب أوروبا ودول الاتحاد السوفياتي السابقة المتحالفة اليوم مع الغرب. 
تجدر الإشارة إلى أنّ قرار الانسحاب جاء في أعقاب محادثات محتدمة للغاية بين الطرفين جرت في وقت سابقٍ من هذا الأسبوع في ظل نفي روسيا نفياً قاطعاً المزاعم الأميركية التي تطالها. وعلى الرغم من الاحتجاجات الروسية والتأكيد على زيف الادعاءات الأميركية، يصرّ بومبيو على "ضرورة محاسبة الدول التي تنتهك القوانين".
من السهل جداً في هذه المرحلة أن نهرع إلى الملاجئ النووية المحصّنة  ونعلن أن الحياة كما عرفناها قد تندثر بحرب ذرية يمكن لها أن تبيد البشرية.
من الواضح أنّ انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة لا يبشر خيراً بالنسبة للجهود المبذولة لتخليص العالم من الأسلحة النووية، أو حتى لمحاولة الحد من هذه الأسلحة الرهيبة. ومما لا شكّ فيه أنّ أحداً لا يرغب في العودة إلى سياسة الحرب الباردة المظلمة حينما كانت الأسلحة النووية سيفاً مسلطاً على رقاب البشرية.
يُذكر أنّ الادعاءات القائلة بخرق روسيا لبنود هذه المعاهدة ليست بالجديدة أبداً، بل لطالما جرى الحديث عنها منذ العام 2014. ومن هنا يأتي السؤال الأهمّ: لماذا استغرق ترمب كلّ هذا الوقت للتصرّف حيالها؟
والحقيقة هي أنّ ترمب لا يأبه بهذه المعاهدة المبرمة منذ 30 عاماً، وجلّ ما يعنيه هو نفسه فقط. وهو معني اليوم بالمشاكل التي تسبّبها روسيا لعهده الرئاسي.
فلطالما واجهت إدارة ترمب ادعاءات تشير إلى تعامله ومسؤولي إدارته بارتياحٍ واضح مع الكرملين، مع اقتراب تحقيق مولر المسؤول مباشرةً عن التحقّق من صحة هذه المزاعم شيئاً فشيئاً من الوصول إلى الرئيس.
فقد أوقع مولر مؤخّراً بمستشارٍ سياسيّ آخر مثيرٍ للجدل يُدعى روجر ستون سبق له أن عَمِلَ مع ترمب عن كثب (فضلاً عن التزامه الكبير تجاه الحزب الجمهوري إلى حدّ وضعه وشماً للرئيس ريتشارد نيكسون على ظهره). أمّا ترمب فقد واجه فضائح عدّة، منها علاقته بالممثلة الإباحية ستورمي دانيالز، لكنّ أيّاً من هذه الفضائح لم تجدِ، بعكس هجوم مولر الذي بدأ يتحول شيئاً فشيئاً إلى تهديدٍ حقيقيٍّ قد يوفر المبررات اللازمة لإجبار ترمب على التنحي من منصبه.
وفي خضمّ استمرار الاتهامات عن تواطئه مع روسيا الذي من شأنه إسقاط رئاسة ترمب، يبدو أنّ للرئيس ما يكفيه من الدوافع لمهاجمة فلاديمير بوتين واتباع نهجٍ متشدّد في سياسته الخارجية ساعياً لزعزعة مزاعم صداقته للروس، فبانسحابه من المعاهدة الروسية الأمريكية يمكن له أن يبرهن قدرته على الوقوف في وجه روسيا، بل وإعطاء الانطباع بعدم رغبته حتّى بإقامة علاقات دبلوماسية معها، بحيث يكون الهجوم أفضل وسيلة يتبعها للدفاع عن نفسه في هذه الحالة.
انطلاقاً من ذلك، لم يكن للانسحاب من المعاهدة أي علاقة بالسياسة النووية، بل جاء في الواقع لوضع  مسافة تبعد البيت الأبيض عن الكرملين.
و نعم، يعني هذا الإجراء أن الرئيس ترمب يضع المنظومة النووية بخطر. فيما تدعي الولايات المتحدة أنّ تعليق الاتفاقية من شأنه أن يزيد قدرتها على ردع التهديد النووي الصيني، ويبقى إلغاء أيّ اتفاق نووي أمراً إشكاليّاً ملتبساً يخالف الخطاب الداعي إلى الحد من هذه الأسلحة.
أمّا المشكلة الأكبر فتكمن في كوننا نتحدث عن رجلٍ لا يفقه بالسياسة النووية ولا يدرك تبعات ما يقوم به. فلم القلق على عالمٍ قد ينتهي إذا ما أردنا إنقاذ علامة ترمب التجارية!
 

© The Independent

المزيد من آراء