ملخص
مواقف ترمب تقوض فرص السلام في أوكرانيا وتبعث على الحيرة والتساؤل
سحبت إدارة ترمب لتوها من يد أوكرانيا عدداً من خيارات التفاوض، مما يمنح الروس أفضلية مدمرة قبل جلوس أي من الأطراف حتى إلى أي طاولة مفاوضات مزعومة.
وبعد اليوم أصبح موقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أضعف في أي مفاوضات مستقبلية.
من جهة أخرى قوض بيت هيغسيث القدرات العسكرية الأوكرانية على المدى المتوسط فوراً الأربعاء الماضي عندما قال لنظرائه من وزراء الدفاع في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأنه "على أوروبا توفير القسم الأكبر من المساعدات الفتاكة وغير الفتاكة المستقبلية لأوكرانيا".
وبعد انتهاء المؤتمر الصحافي لبيت هيغسيث بقليل صرح الرئيس دونالد ترمب بأنه تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شأن بدء المفاوضات لإنهاء الحرب، وسوف "يطلع" زيلينسكي على الحوار.
قدمت الولايات المتحدة نحو 120 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا، نصفها تقريباً مساعدات عسكرية، بينما قدمت باقي الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي مساعدات عسكرية بقيمة مماثلة. لكن حين استبعد أي زيادة مستقبلية للإنفاق الأميركي الموجه لأوكرانيا يلمح هيغسيث للكرملين بأن الولايات المتحدة تتراجع.
قال زيلينسكي سابقاً إن أي تسوية مستقبلية مع روسيا التي تسيطر حالياً على 22 في المئة من أراضي بلاده تقريباً تعتمد على وجود بين 150 و200 ألف عنصر من القوات الأجنبية التي تشكل ضمانة ضد أي اجتياح مستقبلي للبلاد. وشدد أخيراً على أن ذلك متعذر من دون مشاركة الأميركيين، لكن هيغسيث استبعد ذلك، إذ لن تشارك القوات الأميركية في قوات حفظ سلام تنتشر في أوكرانيا. وقال "كي نكون واضحين، لن تنشر قوات أميركية في أوكرانيا كجزء من أي ضمانات أمنية".
لم يكن من الضروري توضيح هذه النقطة قبل انطلاق المفاوضات مع روسيا. إذ كان من الممكن لزيلينسكي أن يستخدم ضمن خطته التفاوضية مجرد تلميح إلى احتمال وجود قوات أميركية على الأراضي الأوكرانية. وكان ذلك كفيل بجعل الروس يعيدون النظر في حسابتهم.
لكن لو نشرت بعدها قوات أجنبية من أوروبا وكندا أو غيرها من الدول الداعمة لأوكرانية، لكانت حملت معها كل ثقل "الناتو". إنما ليس بعد الآن. إذ قال هيغسيث "لو نشرت هذه القوات باعتبارها قوات حفظ سلام في أوكرانيا في أي وقت من الأوقات، ينبغي نشرها باعتبارها بعثة على حدة من 'الناتو' ويجب ألا تنشر بموجب البند الخامس".
ينص البند الخامس في الوثيقة التأسيسية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على تكاتف المجموعة لمساعدة بعضها بعضاً، إذ ينص على أن أي هجوم على عضو في الناتو هو هجوم على جميع أعضاء الحلف. وقد جرى تفعيل هذا البند مرة واحدة في السابق عندما هاجم تنظيم "القاعدة" الولايات المتحدة في الـ11 من سبتمبر (أيلول).
والآن، ما عاد بوتين يخشى مواجهة قوة "الناتو" بأكمله في حال قصف الجنود البريطانيين في أوكرانيا.
كان هذه المخاوف [القدرة على التلويح برد أميركي] ورقة أساسية بيد زيلينسكي في إطار التفاوض المستقبلي. وكان أيضاً جزءاً مهماً من قوة "الناتو" باعتباره تحالف عسكري، لكن تلك القوة قد ذهبت أدراج الرياح الآن.
ولا شك في أن الكرملين لاحظ كيف تفادى مارك روته تماماً السؤال الذي وجهته إليه "سكاي نيوز" قبل تصريحات هيغسيث حول احتمال التعويل على مساندة الولايات المتحدة أحد حلفائها في "الناتو" في حال تعرضه للهجوم.
فقد أخذ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يلف ويدور حول الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري في الناتو من دون أن يذكر جملة كانت لتخرج منه بصورة تلقائية في وقت من الأوقات: أن الولايات المتحدة لن تتوانى يوماً عن مساعدة دولة عضو في "الناتو" في حال تعرضها للهجوم. وهذا يعزز كذلك الموقف الروسي في أي مفاوضات مستقبلية.
كان جزء من قدرة زيلينسكي التفاوضية في أي محادثات سلام احتمال انضمام أوكرانيا في نهاية المطاف إلى عضوية "الناتو". وهذا ما سيجعل روسيا تفكر ملياً قبل أن تغزو أراضيها مجدداً، برأيه.
لكن هذه الورقة قد سقطت أيضاً.
كما فقدت أوكرانيا ورقة مطالبة روسيا بالتراجع إلى ما وراء حدودها، بعدما اجتاح الروس مناطق أوكرانية في 2014 واستولوا على جزء من منطقة دونباس الشرقية، إضافة إلى شبه جزيرة القرم.
فهذا الطلب الذي يدعمه المجتمع الدولي ويطالب به القانون الدولي ليس سوى "موقف واهم [غير حقيقي]" كما قال وزير الدفاع الأميركي.
أما وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، فقد رد على هذه التصريحات بقوله "نحن نفهم هواجسكم بالنسبة إلى تعزيز الجهود من أجل أوكرانيا، وندرك هواجسكم من تعزيز الجهود من أجل الأمن الأوروبي"، لكن لا يبدو أن أياً من وزراء الدفاع في حلف الناتو قد استوعب فعلاً التغيير الاستراتيجي الضخم الذي استهلته إدارة ترمب.
وأعلن ترمب هذا الأسبوع إن أوكرانيا "قد تصبح روسية في يوم من الأيام". ولا بد هنا من التساؤل: إلى أي جانب يقف [أي فريق يدعم] حقاً؟
© The Independent