Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحالف عشائر البقاع اللبناني و"حزب الله"... نهاية سنوات العسل

توتر أمني على الحدود اللبنانية - السورية ومواجهات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى

تمكن "حزب الله" من تحويل العشائر البقاعية إلى شريك غير رسمي في بناء منظومته المالية والعسكرية (اندبندنت عربية)

ملخص

تعد المناطق العشائرية في البقاع شرق البلاد جزءاً من الممر اللوجيستي الأساس الذي يربط بين قواعد "حزب الله" في لبنان وسوريا، مما يسمح له بإدخال الأسلحة والمخدرات من دون رقابة مشددة.

تشهد الحدود اللبنانية - السورية تصاعداً في التوترات الأمنية، وتمثلت في الأسبوعين الماضيين باشتباكات بين القوات السورية ومسلحين من عشائر لبنانية. وبدأت الأحداث عندما أطلقت القوات السورية حملة أمنية في مناطق ريف حمص الغربي بهدف ملاحقة عصابات تهريب السلاح والمخدرات. تخللت هذه الحملة اشتباكات في قرى مثل حاويك وبلوزة والفاضلية والعقربية وجرماش وهيت، وغيرها، حيث يقطن لبنانيون داخل الأراضي السورية. وأسفرت الاشتباكات عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، إضافة إلى عمليات خطف متبادلة. وكان عقد في الـ23 من يناير (كانون الثاني) الماضي اجتماع بين مسؤولين عسكريين من سوريا ولبنان هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام بشار الأسد، وضم الاجتماع رئيس هيئة الأركان السورية اللواء علي النعسان، ومدير مكتب التعاون والتنسيق في الجيش اللبناني العميد ميشيل بطرس، وتناول اللقاء مسألة ضبط الحدود والإجراءات الأمنية المشتركة. وعلى رغم أن تفاصيل الاجتماع بقيت غير معلنة، فإن توقيته أثار تساؤلات حول التنسيق بين الجانبين في ظل التطورات الأخيرة.

حملة أمنية سورية للسيطرة على عصابات تهريب المخدرات

تمكنت قوات الإدارة السورية الجديدة في دمشق، ووفقاً لبيان صادر منها، من تثبيت السيطرة الأمنية والعسكرية على معظم القرى والبلدات الحدودية مع لبنان. وقال قائد المنطقة الغربية في "إدارة أمن الحدود" المقدم مؤيد سلامة إنه تم وضع "خطة متكاملة لضبط الحدود بصورة كاملة". وفي إطار سعي القيادة السورية الجديدة إلى إنهاء أنشطة الاتجار غير المشروع والجرائم وعمليات الخطف وتجارة المخدرات وتهريب البشر، استطاع الجيش السوري وضمن حملته الواسعة على الحدود السورية - اللبنانية، والتي تمتد على طول أكثر من 375 كيلومتراً، من ضبط أسلحة ومعامل تصنيع مخدرات، ومطابع لتزوير العملة. ومعلوم أن مناطق واسعة في تلك البقعة، بخاصة المناطق الشمالية - الشرقية لا تزال غير محددة، وهناك تداخل للقرى اللبنانية ببعضها بعضاً، مما جعل من تلك المناطق بؤراً للتهريب ولمصانع "الكبتاغون" وغيرها من التجارة غير المشروعة (وكنا سلطنا الضوء عليها في أكثر من تقرير على صفحات "اندبندنت عربية").

معضلة ضبط الحدود اللبنانية - السورية

ينص القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006، وفي الفقرة الـ14 منه، على أن تضبط الدولة اللبنانية حدودها وتمنع إدخال الأسلحة من دون موافقتها. أيضاً وضع صندوق النقد الدولي شرطاً أساساً لمساعدة لبنان، وهو إغلاق المعابر غير الشرعية مع سوريا التي تعد إحدى أدوات التسرب المالي والسلعي. ويعد هذا البند شرطاً أساساً في كل القرارات الأممية والعربية الخاصة بلبنان. ووفقاً لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وحين كان قائداً للجيش، أنه منذ عام 2019، يسيطر الجيش اللبناني على قرابة 80 في المئة من الحدود مع سوريا، ويقول إن "ما يحول دون السيطرة على ما تبقى من الحدود، عدم ترسيمها والطبيعة الجغرافية المتداخلة، مما يتطلب أعداداً مضاعفة من العسكريين". وفعلياً يواجه ضبط الحدود بصورة كاملة بين لبنان وسوريا صعوبة كبيرة نظراً إلى طول مساحتها، فضلاً عن تداخلها في كثير من المواقع، لا سيما في البقاع. وبحسب مصدر أمني فإن عمليات تهريب الأفراد لا تهدأ وكذلك البضائع، كما أن لـ"حزب الله" عشرات المعابر غير الشرعية للانتقال إلى الداخل السوري والتبديل العسكري الذي يحصل يومياً أو أسبوعياً، إذ تدخل وتخرج المواكب العسكرية والقوافل والعتاد عبر تلك المعابر، في وقت استغلت العشائر والعائلات القريبة من الحزب هذا الواقع العسكري وفتحت عشرات المعابر وسميت بأسمائها منها معابر "ناصر الدين" و"جعفر" و"زعيتر" وغيرها.

القصير نقطة انطلاق عمليات "حزب الله" باتجاه الداخل السوري

تعد المنطقة الممتدة بين الهرمل اللبنانية والقصير السورية واحدة من أكثر المناطق التي شهدت معارك بين "حزب الله" والمعارضة السورية إبان تدخل الحزب في الحرب السورية عام 2013، وتعد معركة القصير نقطة تحول في الحرب السورية حينها، وتمكن الحزب من تحقيق "نصر" للنظام السوري، لكنه في المقابل عرض لبنان لأخطار أمنية كبيرة، خصوصاً في مناطق الهرمل والبقاع. ومن تلك النقطة عزز موقعه في سوريا، وبدأ في توسيع نطاق عملياته باتجاه القلمون وريف دمشق. ونظراً إلى تداخل السكان والعلاقات العشائرية الوثيقة بين جانبي الحدود، بدأ الحزب بتنفيذ عملياته انطلاقاً من الحدود السورية - اللبنانية، تحت غطاء بعض أفراد العشائر الشيعية الموالية له في تلك المناطق النائية البعيدة من سيطرة الدولة اللبنانية.

 

بحسب مصادر إعلامية، شهدت القرى السورية القريبة من الحدود، والتي يسكنها لبنانيون من عشائر آل جعفر وزعيتر ومدلج وغيرها، عمليات عسكرية مكثفة شنتها قوات الأمن السورية، مما أدى إلى سيطرتها على 17 قرية ومزرعة، من بينها حاويك والسماقيات وزيتا وبلوزة وسقرجا. وأشارت "سانا" إلى أن إدارة أمن الحدود السورية نفذت عملية عسكرية استهدفت من وصفتهم بـ"المطلوبين المتورطين في تهريب الأسلحة والممنوعات"، وتمكنت خلالها من تحرير عنصرين من قوات الأمن السوري كانا اختطفا خلال المواجهات.

ووفقاً لوسائل إعلام سورية ولبنانية فإن المواجهات أتت في أعقاب فشل مبادرة عشائرية كان من المقرر عقدها لتنظيم وضبط الحدود بين البلدين، بعدما دعت العشائر العلوية السورية ممثلين عن العشائر اللبنانية إلى اجتماع في بلدة السماقيات لمناقشة سبل الحد من التهريب عبر المعابر غير الشرعية، إلا أن الاجتماع لم يعقد، وتبعه تصعيد أدى إلى اندلاع الاشتباكات.

بؤر أمنية على الحدود تضم الخارجين عن القانون

من جهة أخرى أشار رئيس اتحاد العشائر العربية في لبنان الشيخ جاسم العسكر إلى أن "هناك لغطاً في الإعلام لجهة عدم الفصل بين العشائر العربية السنية أي البدو، وعشائر بعلبك الهرمل". وتابع "80 في المئة من عشائر بعلبك غير راضين عن المواجهات مع إدارة الحكم الجديد في سوريا، وأن من يقوم بهذه المواجهات هم الخارجون عن القانون من بريتال والهرمل (بقاع)، وكل هارب من القضاء كان يلجأ إلى تلك المنطقة، بحيث لا الجيش السوري (أي النظام سابقاً) يستطيع أن يدخل إليها ولا السلطات اللبنانية، لأنها تعد أراضي سورية. تلك القرى السورية الحدودية كان يعمل منها الحزب (حزب الله) كضاحية جنوبية جديدة (في إشارة إلى ضاحية بيروت الجنوبية معقل الحزب)". 

وتابع العسكر "الحزب عمل على استغلال العشائر عند كل استحقاق، من هنا كنا نرى الاستعراضات العسكرية للعشائر، ليقول إنه إذا كانت الدولة ستسحب سلاح الحزب فالعشائر تمتلك سلاحاً أكثر منه". ولفت أيضاً إلى أن "وجهاء من عشائر بعلبك تواصلت معه كي يذهبوا لمقابلة الإدارة السورية الجديدة، وأنه في بعض الأحيان تصدر بيانات لا تمثل العشائر، بل تكون بإيعاز من (حزب الله) عبر مسلحيه المزروعين ضمن العائلات". وأكد أن من قام بتلك المواجهات وأطلق بضعة صواريخ باتجاه الداخل السوري، هم من الخارجين عن القانون، "وهناك اتفاق سوري - لبناني لتنظيف تلك المنطقة، وهي منطقة سورية تحولت إلى بؤرة للمخدرات والأعمال غير الشرعية". ويقول الشيخ مضيفاً إن "حزب الله" كان يسعى إلى جعل منطقة القصير "ضاحية جنوبية ثانية في الداخل السوري، وكان يشجع أنصاره والمقربين منه على الاستثمار وشراء شقق والتمدد في تلك المنطقة وصولاً إلى حمص".

 

بين العشائر و"حزب الله"

الأحداث الأخيرة أظهرت التحديات المستمرة في ضبط الحدود بين البلدين، بخاصة مع تداخل المناطق السكنية والعشائرية وصعوبة التضاريس.

فما تلك العشائر؟ وما علاقتها بـ"حزب الله"؟ وكيف استغل الحزب العشائر البقاعية لبناء ترسانة من المخدرات ومخازن السلاح في البقاع؟

تعد منطقة البقاع في لبنان موطناً لعدد كبير من العشائر التي تلعب دوراً بارزاً في النسيج الاجتماعي والسياسي للمنطقة. ومن أبرز هذه العشائر آل حمادة وآل جعفر وآل دندش وآل زعيتر وآل علو وآل ناصر الدين وآل شمص وآل أمهز وآل حمية وآل المقداد. وتتوزع هذه العشائر في مناطق متعددة من البقاع الشمالي وبلاد جبيل في جبل لبنان، وتقسم تقليدياً إلى مجموعتين: "الشمصية" و"الزعيترية"، وتعرف مجتمعة بالعشائر "الحمادية" نسبة إلى آل حمادة، و"الحيدرية" نسبة إلى آل حيدر.

منذ تأسيسه في الثمانينيات سعى "حزب الله" إلى تعزيز نفوذه في منطقة البقاع، وتمكن من ذلك عبر بناء علاقات مع العشائر المحلية، واستفاد من البنية العشائرية القائمة لتعزيز وجوده، حيث أقام تحالفات مع بعض العشائر وقدم لها الدعم المادي والعسكري، ومن هذه المناطق الجردية عمل على ترسيخ نفوذه في البقاع، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية لأسباب عدة، منها قربها من الحدود السورية، واحتضانها عشائر قوية لها تاريخ في التجارة والتهريب. وقد استغل الحزب البنية العشائرية ليس فقط لتعزيز سيطرته السياسية والعسكرية، ولكن أيضاً لإنشاء شبكة ضخمة لتهريب المخدرات والأسلحة، وفق تقارير محلية ودولية صدرت خلال السنوات السابقة، والتي أصبحت أحد مصادر تمويله الأساس بعد تشديد العقوبات الدولية عليه. وكثيراً ما تمتعت العشائر البقاعية باستقلالية نسبية عن الدولة اللبنانية، مستفيدة من ضعف سيطرة الأجهزة الأمنية، وغياب التنمية الاقتصادية في المنطقة. وأدرك الحزب كيفية استغلال الوضع وعمل على ترسيخ تحالف الضرورة والمصالح. ومع مرور الوقت تعمقت هذه العلاقات، وأصبح للحزب تأثير كبير في قرارات ومواقف عديد من العشائر. إلا أن هذه السيطرة لم تكن دائماً سلسة، كما أن هذه العلاقات ليست ثابتة، وقد تتأثر بالتطورات السياسية والأمنية المستجدة، بخاصة في الآونة الأخيرة، حيث ظهرت مؤشرات إلى تململ بعض العشائر من سياسات "حزب الله"، خصوصاً في ما يتعلق بتورطها في صراعات لا تخدم مصالحها المباشرة. 

مشروع تهجير اللبنانيين ولا علاقة للحزب

يقول الإعلامي والمحلل السياسي فادي أبودية في حديث مع "اندبندنت عربية" إنه "من الخطأ تبسيط المشكلة بهذا الشكل، أولاً  بدأت المشكلة بين العشائر التي تسكن في هذه القرى أي هذه القرى في سوريا والذين يحملون الجنسية اللبنانية ولا علاقة للحزب بأي شكل من الأشكال بما حصل.

ويتابع بأن الحزب لم يتدخل مطلقاً بل كانت العشائر هي من تدافع عن بيوتها وأرزاقها بوجه هجمات هذه الفصائل. سائلاً "ماذا كانت تفعل جنسيات أجنبية على هذه الحدود؟ ما هي القضية التي تحملها؟".

يؤكد أبو دية "أننا أمام مشروع تقوده هذه الفصائل بوجه سكان هذه المنطقة لتهجيرهم. وهؤلاء ليسوا خارجين عن القانون بل مدافعين عن حقوقهم، هل يوجد قانون يمنعهم من الدفاع عن أرضهم؟، ومشدداً عى أنهم عندما دخل الجيش اللبناني هم تراجعوا وتركوا المهام إلى الجيش".

كيف تسلل "حزب الله" إلى بنية العشائر البقاعية

تضم القرى الحدودية عائلات لبنانية تنتمي إلى عشائر مثل زعيتر ونون وجعفر التي كانت تعد حاضنة اجتماعية لـ"حزب الله" وتشارك في أنشطته. ولكن كيف استغل الحزب وضع العشائر؟

قدم الحزب نفسه كحامٍ لهذه العشائر في وجه الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، مما أكسبه نفوذاً داخلها. وأقام شراكات مع بعض زعماء العشائر، مقدماً لهم الحماية السياسية والعسكرية مقابل التعاون في أنشطة التهريب والتخزين. وقام بتصفية أو تهميش الجماعات المسلحة والعصابات غير الموالية له، حتى يتمكن من فرض سيطرته الكاملة على عمليات التهريب، ودعم إنشاء شبكات تهريب جديدة تدين له بالولاء الكامل.

بعد تعرضه لعقوبات مالية شديدة أصبحت تجارة "الكبتاجون" والمخدرات أحد مصادر تمويله الرئيسة، وهو ما أكدته مقاطع الفيديو الأخيرة التي كشفت وجود مصانع مخدرات عند الحدود بين البلدين، في منطقة يصعب على الدولة اللبنانية التدخل بسبب الحماية التي توفرها العشائر لهذه الأنشطة، فيما يتم تصدير المخدرات عبر طرق التهريب التقليدية التي تسيطر عليها العشائر منذ عقود. 

تخزين الأسلحة والتحالف العشائري - العسكري

قال أحد وجهاء العشائر المقيم في منطقة بعلبك، رافضاَ الكشف عن اسمه، "إن هناك جبالاً ما زال الحزب يستولي عليها، ويخبئ أسلحته ضمن أنفاق داخلها". وتعد مناطق العشائر الموقع المثالي لتخزين الأسلحة بسبب موقعها الجغرافي الوعر وغياب الدولة عنها. وقد استغل "حزب الله" هذه العوامل لصالحه عبر تخزين الأسلحة الثقيلة (مثل الصواريخ بعيدة المدى) في مستودعات سرية داخل الأراضي العشائرية، خصوصاً في الهرمل والطفيل. كما استخدم الأراضي الزراعية للعشائر كمواقع سرية لتخزين الذخيرة والمتفجرات، حيث يتم التمويه عبر البيوت الزراعية والمخازن التي تبدو كمنشآت عادية، كما يقول الوجهاء هناك.

إمام "مذهب الشورى" الشيخ عبدالسلام دندش، وهو من المعارضين البارزين لسياسات "حزب الله" يرى بدوره أن  "من أعطى القوة للعشائر هو الإمام موسى الصدر (مؤسس حركة 'أمل') لأنه كان في حاجة إلى دعمهم، وعملاً بمبدأ 'شرف المؤمن سلاحه'، وتحت غطاء حركة المستضعفين، وحينها كان النائبان فضل الله دندش وصبري حمادة، وهما من رؤساء عشائر حمادة ودندش، على رأس كتل نيابية في مجلس النواب اللبناني. وبعد غياب الإمام الصدر، منهم من تبع حركة 'أمل'، ومنهم من انفصل عن تجمع العشائر. و 

لا يوافق الشيخ عبدالسلام دندش على تعميم صفة العصابات على كل العشائر وشرح أن ما فعله "حزب الله" في مراحل لاحقة، هو تقوية صغار الأفراد والعناصر في كل عشيرة كي يضعف رأسها، وبهذا التصرف يضمن سيطرته على تلك العناصر. وأضاف "تجار 'الكبتاجون' و'الزعران' في العشائر يتبعون إما الحركة، وإما الحزب". وشدد على أن هؤلاء هم صغار العشائر ولم يكن أحد يعرف باسمهم مثل نوح زعيتر وغيره. أما عن زعماء العشائر "فلم يبقَ منهم أحد، عمل الثنائي ('حزب الله' وحركة 'أمل') على إضعافهم كي يتحكم بصغار النفوس". وتابع "اليوم هناك أشخاص من آل جعفر وآل دندش وآل زعيتر يعملون على إنشاء عصابات تضم أفراداً معدودين، هؤلاء لا قيمة لهم ولا وزن ضمن عشائرهم، بل هم منبوذون".

كيف كانت تلك العصابات تعمل في التهريب تحت أعين الدولة؟

قال الشيخ عبدالسلام دندش رداً على هذا السؤال "لنأخذ مثالاً نوح زعيتر، هل يتبع عشيرة آل زعيتر؟ بالطبع لا، هو يتبع الحزب والحركة، استغلوا أسماء العشائر واستعملوها كغطاء". وأشار إلى أنهم "يعتزون بتاريخهم وشرفهم وأرضهم وكرامتهم وشجاعتهم، أما أمور التهريب والتشبيح والقتل فليست من عمل العشائر، وهم يريدون عودة الدولة كي تفرض القانون والنظام في مناطقهم، لأنهم أكثر المتضررين من سياسة الثنائي وقبلها النظام السوري طوال الحقبة الماضية". وأكد دندش أن تلك المجموعات ما زالت تتمتع بنفوذها حتى بعد سقوط النظام السوري، "تلك المجموعات التي تحكمت في المنطقة على مدى 30 عاماً وسلمها الحزب سلاحاً وأموالاً ونفوذاً. على الدولة أن تعيد هيبة رؤساء العشائر كما كان في السابق، فيعود هؤلاء الأفراد تحت سلطة عائلاتهم وعشائرهم".

التأثير الإقليمي والدولي... لماذا أصبحت العشائر أداة استراتيجية؟

تعد المناطق العشائرية في البقاع جزءاً من الممر اللوجيستي الأساس الذي يربط بين قواعد "حزب الله" في لبنان وسوريا، مما يسمح له بإدخال الأسلحة والمخدرات من دون رقابة مشددة. واستخدم الحزب شبكات التهريب العشائرية كوسيلة ضغط على بعض الدول العربية والغربية، حيث يتم تهريب المخدرات إلى هذه الدول، ثم يعرض الحزب "التعاون" لوقف هذه العمليات مقابل مكاسب سياسية. وعلى رغم محاولات الدولة اللبنانية للحد من نفوذ "حزب الله" في البقاع، فإن نجاح هذه الجهود بقي محدوداً بسبب ضعف الأجهزة الأمنية وعدم قدرتها على دخول بعض المناطق العشائرية من دون تنسيق مع الحزب، من هنا تمكن "حزب الله" من تحويل العشائر البقاعية إلى شريك غير رسمي في بناء منظومته المالية والعسكرية، مما جعل من الصعب على أي طرف محلي أو دولي تفكيك هذه الشبكة. ومع استمرار الضغوط الدولية على الحزب، وقطع طرق الإمداد بعد سقوط النظام السوري، وتغير الظروف السياسية في لبنان والهزيمة التي لحقت بالحزب، فهل سيؤدي ذلك إلى تحولات غير متوقعة، بخاصة إذا قررت بعض العشائر التمرد أو البحث عن تحالفات جديدة في مواجهة الحزب؟

المزيد من تحقيقات ومطولات