ملخص
عرفت المطرية قديماً باسم "إيونو" وكانت لها أهمية كبيرة على امتداد التاريخ المصري القديم والعصر اليوناني، إذ مثلت مركزاً رئيساً لعبادة الشمس وعرفت في النصوص اليونانية باسم "هليوبوليس" أي "مدينة الشمس"، ثم تحولت بالعربية إلى "عين شمس" وحالياً تقع المنطقة شمال شرقي القاهرة.
مع منتصف رمضان من كل عام ومنذ 10 أعوام يتردد اسم حي المطرية في مصر بصورة واسعة متصدراً التريند، مع إقامة أهل الحي إفطاراً جماعياً في شوارع المنطقة تحول إلى واحد من أهم الفعاليات الشعبية التي تشهدها القاهرة، بما يعكسه من روح المصريين وأجواء رمضان وأواصر الترابط التي تجمع أبناء الحي الواحد.
ومع تردد اسم المطرية وتداول صور الحدث السنوي الفريد يتبادر إلى الأذهان أنها واحد من الأحياء الشعبية العريقة داخل مصر، التي طالما جسدتها أقلام الكتاب في الروايات ومشاهد السينما التي عكست ملامح من الشوارع والحارات المصرية بكل ما تمثله من طابع مصري خاص، إلا أن ما لا يعرفه كثر أن المطرية لها تاريخ طويل وأهمية كبرى منذ عصر مصر القديمة، وخلال العصور اللاحقة، وتضم بقايا لمواقع أثرية تعود إلى كل العصور، فضلاً عن أنها خلال فترة من الفترات كانت عاصمة مصر.
عرفت هذه المنطقة قديماً باسم "إيونو" وكانت لها أهمية كبيرة على امتداد التاريخ المصري القديم والعصر اليوناني، إذ مثلت مركزاً رئيساً لعبادة الشمس وعرفت في النصوص اليونانية باسم "هليوبوليس" أي "مدينة الشمس"، ثم تحولت بالعربية إلى "عين شمس" وحالياً تقع المنطقة شمال شرقي القاهرة.
عاصمة مصر القديمة
كانت مدينة أون واحدة من أهم العواصم المتعاقبة لمصر وظلت ذات أهمية طوال عصر مصر القديمة، وبدأت أهميتها في التراجع مع العصر الروماني لأسباب متعددة من بينها كوارث طبيعية إضافة إلى الزحف العمراني، ودمرت آثارها مع الزمن وذكر أن بعض منشآتها القديمة دمرت خلال عصور لاحقة، فتعرضت لدمار كبير أثناء الغزو الفارسي وتذكر المراجع أن قمبيز حرقها، ولاحقاً في العصر الإسلامي جرت الاستعانة بأحجارها في بناء مدينة القاهرة.
يقول كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية مجدي شاكر "شهدت هذه المنطقة إحدى محاولات الوجه البحري لتوحيد قطري مصر قبل نجاح الملك نعرمر في توحيدها، ووجدت فيها أطلال مقابر تعود إلى الأسرتين الأولى والثانية، وفي عصر الأسرة الثالثة أبدى الملك زوسر اهتماماً كبيراً بالمدينة، وتابع ملوك الدولة القديمة والوسطى الإنشاءات فيها فشيد الملك أمنمحات الأول معبداً لإله الشمس، وأنشأ أمامه ابنه سنوسرت الأول مسلتين من الجرانيت لا تزال إحداهما قائمة حتى الآن وهي منحوتة من كتلة واحدة من حجر الجرانيت الأحمر القادم من محاجر أسوان، ولا تزال في مكانها الأصلي أمام بوابة المعبد المهدم الآن والمدفون تحت الأرض".
ويستكمل شاكر "في عصر الدولة الحديثة وبخاصة فترات حكم تحتمس الثالث وأمنحتب الثالث ورعمسيس الثاني ورعمسيس التاسع، شُيد عدد من المقاصير والمعابد، وخلال العصور المتأخرة أقام الملك بسماتيك الأول مسلات وتماثيل لأبي الهول". موضحاً "كان يوجد بالمدينة أقدم جامعة مصرية وهي واحدة من أقدم جامعات العالم، وقد جذبت شهرتها عدداً من الدارسين للالتحاق، إذ كان يدرس بها الأمراء والنبلاء وأبناء الملوك مثل أمنحوتب الرابع (إخناتون) ابن الملك أمنحوتب الثالث، وقد استقى المؤرخ المصري القديم مانيتون الذي عاش خلال القرن الثالث قبل الميلاد معظم معلوماته من السجلات وأوراق البردي التي كانت محفوظة بأرشيف معابد مدينة أون في كتابه عن تاريخ مصر، وخلال العصور المتأخرة والعصر اليوناني الروماني زارها كثير من الفلاسفة والكتاب من أمثال هيرودوت وأفلاطون وأسينس، واسترابون الجغرافي الشهير".
شجرة مريم ومسجد المطراوي
أمضت العائلة المقدسة في مصر نحو ثلاثة أعوام مرت فيها على أكثر من 25 بقعة من سيناء شرقاً إلى دلتا النيل حتى وصلت إلى أقصى صعيد مصر، وواحد من أهم المواقع التي تمثل قيمة كبيرة للمطرية أنها كانت واحدة من محطات رحلة العائلة المقدسة في مصر، وتضم واحداً من المواقع التي ارتبطت بمسار العائلة المقدسة، وهي شجرة مريم. وخلال الأعوام الأخيرة جرى إحياء هذه المنطقة وتطويرها مع اهتمام مصر بإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة في جميع أنحاء البلاد، ونجاح مصر في تسجيلها على قائمة التراث العالمي لليونيسكو.
وعلى مقربة من موقع شجرة مريم يقع مسجد شهير بالمنطقة للعارف بالله أحمد المطراوي أحد أقطاب الصوفية الذي عاش داخل مصر ودفن فيها، وأقيم هذا المسجد على قبره وأصبح له مكانة بين أهل المنطقة والمصريين عموماً، الذين عرف عنهم دائماً حب أولياء الله ومساجد آل البيت.
في شارع واحد بمنطقة المطرية وهو شارع المطراوي دلائل على عمق وتاريخ الحي، إذ توجد مسلة سنوسرت وشجرة مريم ومسجد المطراوي. ويقول شاكر "يوجد بالمطرية بستان شجرة البيلسان والبئر وشجرة العذراء مريم، والشجرة هي شجرة الجميز المعروفة في مصر التي استظلت بها العائلة المقدسة عند إقامتها في هذا الموقع، ويوجد ثلاثة أجيال من الشجرة إذ جرت زراعة بعض أفرع من الشجرة في مراحل متعاقبة لتنمو وتستمر قائمة، وبستان البيلسان يرجع أصله إلى قيام المسيح الطفل بكسر عصا وتوزيعها في الأرض، ثم حفر بيديه بئراً فاندفع الماء وسقي العصا لتنبت شجر البيلسان التي كان يأخذ منها المسيحيون لاحقاً زيت العماد".
ويضيف "يوجد بالمطرية أيضاً مسجد وضريح العارف بالله أحمد المطراوي، وهو من نسل الجواد بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الإمام الحسين رضا الله عنه، فهو من نسل السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول، وهو خال السيد البدوي صاحب المقام الشهير في مدينة طنطا وكلاهما من أقطاب الصوفية، ويرجح بعض المؤرخين أن المطرية اشتقت اسمها الحالي من العارف بالله أحمد المطراوي حين إقامته ووفاته ودفنه بالمنطقة".
اكتشافات أثرية متوالية
لما للمنطقة من أهمية تاريخية كبيرة فإن الاكتشافات الأثرية فيها متوالية، فقد عثر خلال الأعوام الأخيرة على جبانة تابعة للمدينة تعود إلى الأسرة الـ26 ضمت بعض المقابر، منها مقبرة لشخص يدعى "با نحسي" كان حامل أختام الوجه البحري، وعثر على بقايا مقابر تعود إلى نفس الأسرة.
وفي عام 2017 عثر على تمثال ضخم للملك بسماتيك، وعام 2021 على أجزاء من واجهة معبد الملك نختنبو الأول وعام 2022 عثر على كتل حجرية من عهد الملك خوفو بمعبد الشمس، وقطع من الجرانيت عليها نقش للصقر حورس تعود لعصر بيبي الأول، وعام 2023 عثر على بقايا لمعبد الشمس وأجزاء من تماثيل لرمسيس الثاني.
يذكر أن المطرية عاش بها كثير من المثقفين منهم أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أمضى فترة من حياته في المطرية تحديداً داخل شارع منية مطر، وأقام أحمد شوقي في هذا الموقع حتى يكون قريباً من قصر القبة، إذ كانت تربطه علاقة وثيقة بالخديوي عباس حلمي الثاني.وفي مسكنه بالمطرية ألف شوقي مجموعة من الروائع من بينها نهج البردة وكتب عدة قصائد عن المطرية من بينها قصيدة بعنوان "المطرية تتكلم"، كان يطالب فيها وزير المعارف وقتها سعد باشا زغلول بإنشاء مدرسة مثل المدارس التي كانت تزخر بها المطرية في العصور القديمة.