ملخص
توقعات بظهور ما بين 20 و50 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030 بحسب تقرير صادر عن شركة "ماكينزي أند كومباني"
تتسع دائرة النقاش بين المتخصصين حول ما إذا كان بمقدور الذكاء الاصطناعي إزاحة الأيدي العاملة البشرية من سوق العمل وسلب الملايين وظائفهم في القريب المنظور، أم ستكون تلك التكنولوجيا مولدة لملايين من الوظائف ومحفزة لتطوير المهارات الوظيفية وداعمة لإنتاجية أكبر، وسط سيل من التقارير التي تستشرف زمناً يفقد فيه ملايين الأشخاص وظائفهم لمصلحة الآلة.
المخاوف من فقدان البشر وظائفهم قوبلت بوجهات نظر تتبنى إسهام الذكاء الاصطناعي ذاته في استحداث ملايين الوظائف الجديدة، ليبقى تحدي التكيف مع التغيرات الجديدة التي تشهدها سوق العمل قائماً لمن أراد البقاء وعدم خسارة وظيفته.
ظهور ما بين 20 و50 مليون وظيفة جديدة
ويغير الذكاء الاصطناعي سوق العمل ويخلق أنواعاً جديدة من الوظائف مع أتمتة المهمات الروتينية، وسط توقعات بظهور ما بين 20 و50 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030، بحسب تقرير صادر عن شركة "ماكينزي أند كومباني"، وهي وجهة النظر التي يدعمها تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، مشيراً إلى أنه بحلول نهاية عام 2025، سيحل الذكاء الاصطناعي محل 75 مليون وظيفة على مستوى العالم، لكنه سيخلق في المقابل 133 مليون وظيفة جديدة، وهذا يعني أنه سيكون هناك مكسب صافٍ مقداره 58 مليون وظيفة على مستوى العالم.
متخصصون تكنولوجيون تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، أقرّوا بأن سوق العمل بوظائفها الحالية أمام ثورة تغيير واسعة، بفعل أدوات الذكاء الاصطناعي، سواء تلك المهددة بفقدان ملايين من الوظائف أو تلك المولدة لملايين أخرى في المقابل، لكنهم يتفقون على ضرورة مواكبة التغيرات التكنولوجية والرقمية الحالية، والسعي إلى تطوير المهارات والمعارف والخبرات في قطاعات الاقتصاد كافة، وتسخير أدوات الذكاء الاصطناعي في زيادة الإنتاجية.
40 في المئة من الوظائف معرضة للذكاء الاصطناعي
وفي تحليل جديد، خلص محللو صندوق النقد الدولي في دراستهم للتأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي في سوق العمل العالمية، إلى أن ما يقارب 40 في المئة من فرص العمل العالمية معرضة للذكاء الاصطناعي.
وقال تقرير الصندوق المعنون "الذكاء الاصطناعي سيغير الاقتصاد العالمي فلنحرص على أن يعود بالنفع على البشرية"، "كانت الأتمتة وتكنولوجيا المعلومات تميل إلى التأثير في المهمات الروتينية، لكن أحد الأشياء التي تميز الذكاء الاصطناعي، قدرته على التأثير في الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، ونتيجة لهذا تواجه الاقتصادات المتقدمة أخطاراً أكبر من الذكاء الاصطناعي، لكن ستلقى أيضاً فرصاً أكبر للاستفادة من فوائده مقارنة باقتصادات الأسواق الناشئة والنامية".
ويلفت التقرير إلى أنه في الاقتصادات المتقدمة، قد تتأثر نحو 60 في المئة من الوظائف بالذكاء الاصطناعي، وقد يستفيد ما يقارب نصف الوظائف المعرضة للخطر من دمج الذكاء الاصطناعي مما يعزز الإنتاجية، وبالنسبة إلى النصف الآخر قد تنفذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي المهمات الرئيسة التي يؤديها البشر حالياً، مما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على العمالة، ويقود إلى انخفاض الأجور وتقليص التوظيف، وفي الحالات الأكثر تطرفاً قد تختفي بعض هذه الوظائف.
ثلاثة اتجاهات متباينة لتأثير الذكاء الاصطناعي
وعلى النقيض من ذلك، يتوقع تقرير صندوق النقد أن يبلغ التعرض للذكاء الاصطناعي في الأسواق الناشئة والبلدان ذات الدخل المنخفض 40 و26 في المئة على التوالي، وتشير هذه النتائج إلى أن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تواجه اضطرابات فورية أقل بسبب الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه، لا يمتلك عدد من هذه البلدان البنية الأساسية أو القوى العاملة الماهرة لتسخير فوائد الذكاء الاصطناعي، مما يزيد خطر تفاقم التفاوت بين الدول بمرور الوقت بسبب التكنولوجيا.
في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، يرى المتخصص التكنولوجي الأردني، استشاري التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي بلال خالد الحفناوي، ثلاثة اتجاهات متباينة لتأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، الأول أن الذكاء الاصطناعي سيهدد بعض الوظائف من سوق العمل ويزيلها عبر أتمتة عدد من مهمات البشر الوظيفية، وخصوصاً مهمات إدخال بيانات خدمة العملاء، وتدقيق الحسابات.
الذكاء الاصطناعي سيغير طبيعة العمل
أما عن الاتجاه الثاني، فيضيف الحفناوي أن الذكاء الاصطناعي سيخلق فرص عمل جديدة مثل تطوير مهمة تحليل البيانات، وسيعمل على زيادة الإنتاجية وتحسين كفاءة العمل إذ سيمكن من خلاله زيادة معدلات إنتاج المصانع وتكثيف ساعات العمل، والتركيز على المهمات الإبداعية، بينما الاتجاه الثالث فيتبنى وجهة نظر مفادها أن الذكاء الاصطناعي سيغير طبيعة العمل وسيغير من المهارات المطلوبة مما يضمن استمرار التطوير والتعليم والتدريب، وهذا في حد ذاته تحدٍ يتمثل في ضرورة تطور المهارات لتواكب استخدامات الذكاء الاصطناعي.
ويتحدث الحفناوي، أن الذكاء الاصطناعي سيدخل في القطاعات كافة سواء الطبية والهندسية والصناعية والزراعية والتجارية والصحية والتعليمية، مما يعني ضرورة تطوير مهارات العاملين في تلك القطاعات، مضيفاً "يجب التنويه لنقطة مهمة هي أنه لا يجب أن يكون كل الناس متخصصي ذكاء اصطناعي حتى يستخدموه، ويكفي أن يكون لدى الطبيب أو المهندس أو الصيدلاني أو المعلم، أو أي شخص ما يكفي من المهارة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في عمله، كأن يستخدم الصيدلي أدوات الذكاء الاصطناعي في صناعات الأدوية أو البحث والتطوير على منتجات الأدوية الجديدة عبر الاستعانة به عبر تقديم البيانات والتحليل والأبحاث المخبرية السابقة، ليتولى الذكاء الاصطناعي تحليلها وإعطاء آراء ونصائح خادمة لبحثه".
تعاون كبير بين الإنسان والذكاء الاصطناعي
ويتابع المتخصص التكنولوجي، "لكن يجب على الطبيب أو الصيدلاني أو أي شخص يتعامل مع الذكاء الاصطناعي فهم حاجات النظام والتعامل معه، وهناك أيضاً نقطة مهمة، إذ سيكون هناك تعاون كبير بين الإنسان والذكاء الاصطناعي وهناك مسمى اسمه الـCo-Bots وهم الـCollaboration Robots، مما يعني تعاون البشر والذكاء الاصطناعي في عدد من الأعمال المختلفة".
ويدعو المتحدث إلى ضرورة أن يتولى كل قطاع تزويد عامليه بما يحتاجون إليه من المهارات اللازمة، والاستعداد لما هو قادم، من مستقبل يعظم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه في تحوير أو تغيير المهارات وتطويرها للانتقال إلى وظيفة أخرى، وعدم انتظار مستقبل يستبدل فيه الشخص بالآلة ويصبح من دون عمل".
الذكاء الاصطناعي وخطر توسيع فجوة الثروة
وسيختلف تأثير الذكاء الاصطناعي في معدلات البطالة بحسب المنطقة والصناعة، فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يشهد التصنيع نزوحاً كبيراً للوظائف نتيجة للذكاء الاصطناعي، في حين من المتوقع أن تشهد صناعات الرعاية الصحية والتعليم نمواً كبيراً في الوظائف.
وإضافة إلى تأثيره في التوظيف، فإن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على التأثير في الاقتصاد ككل، ويمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الإنتاجية والإنتاج، مما قد يحفز النمو الاقتصادي، ومع ذلك، هناك مخاوف في شأن إمكانية أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى توسيع فجوة الثروة، إذ قد يحصل أولئك الذين لديهم المهارات والمعرفة للعمل مع الذكاء الاصطناعي على رواتب أعلى من أولئك الذين لا يمتلكون هذه المهارات.
من جانبه، يعتقد مدير الصناديق الاستثمارية منذر الشحومي، أن الذكاء الاصطناعي سيعمل على أتمتة المهمات وتبسيط العمليات، وفي بعض الأحيان استبدال الوظائف، لكن القضية الحقيقية ليست مجرد فقدان الوظائف، كما يشير، بل كيف تتغير طبيعة العمل نفسه، إذ لم نصل بعد إلى عصر الذكاء الاصطناعي الكامل.
ليس حلاً سحرياً ولكن
يتحدث المتخصص الليبي، أن الذكاء الاصطناعي اليوم قوي لكنه ليس مستقلاً بذاته، إذ لا يفكر ولا يستنتج ولا يبتكر كما يفعل الإنسان، إنما هو مجرد تحليل متقدم للأنماط وليس ذكاء واعياً، ومن خلال تجربة شخصية كان شاهداً عليها، يقول إن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي عززت الإنتاجية بصورة كبيرة لكنه لم يستبدل البشر، فهو يبقى وسيلة مساعدة في التعامل مع المهمات الروتينية ذات القيمة المنخفضة، مما يسمح بالتركيز على المهمات الإستراتيجية التي تتطلب الفهم والإبداع والخبرة.
ويشير الشحومي إلى أن الذكاء الاصطناعي، ليس حلاً سحرياً، وأنه في الأيدي الخطأ يمكن أن يؤدي إلى الاعتماد المفرط، وبخاصة لأولئك الذين يفتقرون إلى المعرفة الأساسية إذا لم يكن لدى الأشخاص الخبرة الكافية لتقييم مخرجات الذكاء الاصطناعي بصورة نقدية، وحينها قد تتخذ قرارات بناء على معلومات غير دقيقة ومضللة، وهذا سيخلق فجوة معرفية نتيجة اعتماد البعض على الذكاء الاصطناعي بصورة عمياء من دون امتلاك القدرة على التحقق من صحة نتائجه.
ويتحدث الشحومي عن المستقبل، ويقول إن هناك عدة سيناريوهات، أولها أن يظل الذكاء الاصطناعي ضمن حدوده الحالية، باعتباره أداة متقدمة تجعل العمل أكثر كفاءة لكنها لا تزال في حاجة إلى إشراف بشري، بينما السيناريو الثاني أن يتطور الذكاء الاصطناعي إلى مستوى أقرب للذكاء الحقيقي، ويصبح قادراً على التفكير المستقل والتعلم الذاتي واتخاذ القرارات من دون تدخل بشري، مضيفاً "إذا وصلنا إلى هذه المرحلة فإن تأثيره في سوق العمل والمجتمع سيكون عميقاً".
ويلفت المتخصص إلى أن الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي لا يستبدل البشر بل يغير طبيعة العمل، والسؤال الحقيقي ليس ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيسلبنا وظائفنا، بل كيف سيتكيف معه أولئك الذين يتعلمون كيفية الاستفادة منه بذكاء ويطورون مهارتهم الخاصة وهؤلاء سيزدهرون، أما الذين يعتمدون عليه من دون فهم حدوده فسيواجهون صعوبات المستقبل.
خسائر ومكاسب سوق العمل
أما المتخصص التكنولوجي المصري حاتم القاضي، فيشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يؤثر بصورة مباشرة في الوظائف، في وقت تعبر المصانع الذكية والروبوتات عن هذه التقنية الحديثة المتطورة، مشيراً إلى أن التقارير الدولية تلفت إلى أن سوق العمل العالمية ستخسر 85 مليون وظيفة بنهاية العام الحالي، مقابل استحداث حوالى 97 مليون وظيفة أخرى، وهو أمر تكرر في الثورة الصناعية حين اختفت وظائف زراعية كثيرة وانتقلت إلى حقل الصناعة.
ويلفت القاضي إلى مجالات ستشهد تفوق الذكاء الاصطناعي مثل قطاع التأمين، إذ سيكون تقييم الأخطار وحساب كلفة التأمين أكثر دقة عبر الاعتماد على وسائل وأدوات الذكاء الاصطناعي، وهو ما سيتكرر في التعليم والهندسة والتحليل، مشيراً إلى أنه بحلول عام 2030، ستكون 30 في المئة من الوظائف أكثر عرضة للذكاء الاصطناعي.