ملخص
تسببت التطورات الدبلوماسية الأخيرة، بخاصة جهود كير ستارمر في ملف أوكرانيا، بارتفاع شعبيته عالمياً، لكن مدى تأثير ذلك في فوزه في الانتخابات يظل مرهوناً بقدرته على تحويل نجاحاته الخارجية إلى مكاسب داخلية
السير كير ستارمر ليس الزعيم الوحيد في العالم الذي لا يحظى بشعبية في بلاده في وقت يتمتع باحترام كبير في الخارج. يتبادر إلى الذهن مثلاً رئيس وزراء المملكة المتحدة السابق توني بلير. وقد أقدم بعض رؤساء الوزراء بالفعل بالهرب من مشكلاتهم المحلية بذهابهم لحضور قمم دولية، أو تلقي دعوة لزيارة البيت الأبيض أو الإليزيه، أو حتى زيارة كييف التي تتعرض للقصف، أو رعاية مبادرة سلام في الشرق الأوسط محكوم عليها بالفشل.
والأكثر حظاً بينهم هم أولئك الذين استطاعوا الاستفادة من نجاحاتهم ومكانتهم الخارجية لتحسين صورتهم كسياسيين، وأبرز مثال على ذلك ربما رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر. فالنجاح على صعيد العلاقات الخارجية يضفي بريقاً على الزعامة السياسية، فالجميع يريد أن يحظى زعيم بلاده بالاحترام في العالم. ولكن في هذا الوقت المبكر من عمر الحكومة البريطانية، هل سيستطيع كير ستارمر تحويل انتصاراته الخارجية المرتقبة إلى انتصار محلي؟
ما وضع ستارمر الحالي؟
من الصعب المعرفة بدقة في ظل الوقت القصير منذ الأحداث الأخيرة، ولكن من الواضح أن الأسبوعين الماضيين كانا جيدين بالنسبة لستارمر، حتى أن أكثر الصحف معاداة لسياساته الداخلية امتدحت أداءه. على سبيل المثال، حظي بزيارة جيدة إلى البيت الأبيض، يمكن مقارنتها فقط بزيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن. وكانت "الصورة الإعلامية" لزيارته إلى ترمب ممتازة، بخاصة مع تقديمه رسالة من الملك تدعو ترمب إلى زيارة دولة "تاريخية" ثانية، وهي خطوة تم تنسيقها بعناية. كذلك أربك ستارمر منتقديه عبر نجاحه في الحصول على موافقة ترمب على معاهدة جزر تشاغوس، والتعريفات الجمركية، وحتى احتمال الوصول إلى اتفاقية تجارة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهي أحد أهداف مؤيدي خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وبالطبع، عزز دوره البارز في السعي لتحقيق السلام في أوكرانيا من الإشادة به.
هل ستارمر الزعيم الجديد للعالم الحر؟
مبدئياً، يبدو الأمر كذلك، إذ يمكننا القول إن ترمب قد تخلى عن الدور التقليدي للولايات المتحدة لمصلحة شراكة مع روسيا، بينما جميع منافسي ستارمر يعيشون لحظة حرجة. فشعبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المحلية تقل حتى عن شعبية ستارمر نفسه، وبعد الانتخابات الفاشلة لا يستطيع تعيين حكومة مستقرة. من جهة أخرى، رئيس الوزراء الكندي ترودو في طريقه لمغادرة منصبه، بينما تمر ألمانيا بمرحلة انتقالية، ولا تزال، لأسباب تاريخية، تتعاطى بحذر حول إلقاء ثقلها ضد روسيا. رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قريبة أيديولوجياً من ترمب، ولكن هذا هو السبب وراء شعور عدم الارتياح نحوها في الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مسؤولة عن تجمع اقتصادي كبير غير أنه منقسم ولا يملك جيشاً. وبالتالي تقع المهمة على عاتق ستارمر، وهو ما يشابه الطريقة التي أصبح بها زعيماً لحزبه، نوعاً ما عن طريق الصدفة.
هل ستحسن أنشطته الأخيرة من النتائج التي يحققها في استطلاعات الرأي؟
نعم، ذلك مرجح جداً، ولكن يجب أن نتذكر دائماً أن تقييمات ستارمر الشخصية في استطلاعات الرأي، على عكس التقييمات التي يحصل عليها حزبه، لم تكن مرتفعة من قبل، وحتى أنها مدعومة بحقيقة أن خصومه من حزب المحافظين لا يتمتعون بشعبية بين العامة، وأفضل مثال على ذلك رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس. ولذلك في الوقت الحالي، وبحسب استطلاع الرأي الأخير الذي أجرته "يوغوف"، اعتبر 19 في المئة فقط من المستطلعة آراؤهم ستارمر على أنه أفضل رئيس وزراء، بفارق ضئيل خلف نايجل فاراج الذي عاد للصعود من جديد وحقق نسبة 20 في المئة. ولكن ستارمر لا يزال متقدماً بفارق كبير على زعيمة حزب المحافظين، كيمي بادينوك، التي حصلت على نسبة تسعة في المئة فقط، متقدمةً قليلاً على زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين إد ديفي الذي حصل على نسبة ثمانية في المئة. وقال نحو 44 في المئة من المشاركين بإنهم ليست لديهم إجابة.
كيف يمكن أن يستفيد ستارمر من الموضوع؟
العلاقات الخارجية ليست ذات أهمية كبيرة في الانتخابات العامة البريطانية، وكذلك الأمر بالنسبة لاستطلاعات الرأي. بريطانيا ليست قوة عالمية عظمى في الوقت الحاضر، بينما الاقتصاد والخدمات العامة والهجرة تعد الشواغل الأكثر أهمية. ولكن طبول الحرب في أوروبا وقرب أوكرانيا النسبي زاد من أهميتها في بريطانيا وتعاطف الناس مع محنتها. فولوديمير زيلينسكي يحظى بشعبية كبيرة، إذ إن ثلثي العامة لديهم وجهة نظر إيجابية حوله، في حين لا يكنون الاحترام لنظيره الروسي بوتين (89 في المئة غير معجبين به)، وترمب كذلك شبيه بنظيره الروسي، حيث 73 في المئة من المشاركين لديهم نظرة سلبية للرئيس الأميركي. لذلك فإن دعم زيلينسكي، والعداء نحو بوتين ومحاولة أن يكون "جسراً" لترمب والسلام جميعها كانت مواقف مثالية لستارمر. ومن المؤكد أنها ستبدد بعضاً من القلق العام حول الوقت الذي يقضيه رئيس الوزراء خارج البلاد.
هل سيضمن له ذلك الفوز في الانتخابات المقبلة؟
لا، لكن مدى فائدته يعتمد على الظروف. إذا نجح ستارمر وظهر كالزعيم الجديد للعالم الحر، فسيحسب له ذلك، مما يعزز صورته كرجل جاد ويضعه في مستوى مختلف عن فاراج أو بادينوك أو ديفي. في المقابل، من الممكن أن تفشل خطة ستارمر للسلام بشكل ذريع. لكن بالطبع، ستظل قوائم الانتظار في هيئة الصحة الوطنية والضرائب على الدخل ستحمل دوماً أهمية أكبر بالنسبة للناخبين.
© The Independent