ملخص
إصرار كير ستارمر على زيادة الإنفاق الدفاعي من دون تحديد مصادر التمويل يضعه في مأزق سياسي. رغم دعم الرأي العام البريطاني المبدئي، فإن المعارضة تتزايد عند المساس بالخدمات العامة أو فرض ضرائب إضافية.
من الغريب أن يعلن رئيس الوزراء كير ستارمر أن "هذه اللحظة عصيبة من أمننا القومي لا تتكرر كثيراً"، في حين أنه يرفض تحديد موعد لزيادة الإنفاق الدفاعي.
خلال اجتماع الزعماء الأوروبيين في باريس، الإثنين الماضي، قال رئيس الوزراء البريطاني، "يجب على أوروبا أن تكثف جهودها لتلبية متطلبات أمنها. لقد تحدثنا عن هذا الموضوع لوقت طويل جداً".
لكننا سنستمر بالحديث عن الموضوع لمدة أطول، إذ على الرغم من أن الرأي العام البريطاني يدعم مزيداً من الإنفاق على الدفاع من حيث المبدأ، فإنه يحجم عن ذلك عملياً. والسياسة متشابهة إلى حد كبير في جميع أنحاء أوروبا، وهو القيد الذي يواجه بشكل خاص المستشار الألماني أولاف شولتز، حيث ستجري انتخابات في ألمانيا الأحد المقبل.
وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" YouGov، فإن 58 في المئة من البريطانيين يؤيدون إرسال المملكة المتحدة قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا إذا تم التوصل إلى اتفاق، في حين يؤيد 60 في المئة زيادة الإنفاق الدفاعي إلى معدل ثلاثة في المئة من مجمل الدخل القومي. لكن هذه النسبة الأخيرة تنخفض إلى 30 في المئة في حال كانت زيادة الإنفاق الدفاعي تؤدي إلى "أموال أقل للإنفاق على الخدمات العامة".
أما بالنسبة لـ"زيادة الضرائب على أشخاص مثلك" [أي فرضها على الأشخاص من نفس فئة الدخل للشخص المُستطلَع] لدفع تكاليف زيادة الإنفاق الدفاعي، فحصلت أيضاً على تأييد بنسبة 30 في المئة فقط.
وينعكس هذا التوتر في الحكومة، فمن جهة، يحرص ستارمر على تحديد موعد محدد لتحقيق وعد زيادة الإنفاق الدفاعي من 2.3 في المئة من إجمالي الدخل القومي إلى 2.5 في المئة. ومن جهة أخرى، تحرص راشيل ريفز مستشارة الخزانة، على تجنب القيام بذلك.
هذه هي السياسة عبر العصور، رؤساء الوزراء يريدون القيام بمبادرات كبيرة على الساحة الدولية لإبهار زملائهم من زعماء العالم، في حين يتعين على مستشاري الخزائن محاولة أخذ الوضع المالي في عين الاعتبار، وهو أمر صعب للغاية الآن بالنسبة لريفز، إذ تشير المسودات الأولى لتوقعات مكتب مسؤولية الميزانية في مارس (آذار) إلى أن ريفز ستضطر لخفض الإنفاق أو زيادة الضرائب.
إذن من أين ستأتي الأموال إذا أصر ستارمر على أن التعامل مع "التهديد الذي نواجهه من روسيا" يجب أن يكون جدياً؟
وآخر ما ينقص ستارمر هو نصائح المحافظين. على سبيل المثال قال جاكوب ريس موغ، مقدم أخبار على قناة "جي بي" GB، [والنائب السابق عن حزب المحافظين]، "لا أريد أن أكون واحداً من الأشخاص الذين يطالبون بمزيد من الأموال لميزانية الدفاع من دون معرفة كيفية تمويل ذلك، فذلك أصلاً يعد خداعاً لعموم البريطانيين".
هذا جيد، لكن الحل الذي قدمه هو: خفض المساعدات الخارجية، وخفض عدد العاملين في الخدمة المدنية بمقدار الخمس، وخفض إعانات الرعاية الاجتماعية، وإنهاء الإعانات الخضراء [وهي تسهيلات مالية تقدم لتحفيز التحول نحو مصادر طاقة صديقة للبيئة]. إن كانت هذه الاقتراحات سهلة للغاية، لماذا إذاً لم تقم حكومة حزب المحافظين بهذه الخطوات عندما كان ريس موغ عضواً فيها.
وقدم ويليام هيغ الزعيم السابق لحزب المحافظين، نسخة أقل لباقة لمقترحاته في عموده في صحيفة "تايمز" Times، الثلاثاء الماضي، إذ كتب، "يتطلب الأمر إصلاحات في إعانات المرض وإنتاجية هيئة الخدمات الصحية الوطنية لكي ينجح، وسنحتاج لكبح قطار الإنفاق الجامح على الرواتب التقاعدية".
في المقابل، تصريحات حزب العمال والديمقراطيين الليبراليين أقل وضوحاً حول المصدر المحتمل للأموال. وعلى الرغم من أن زعيم الديمقراطيين الليبراليين إد ديفي قد عبّر بشكل مفاجئ عن دعمه الكامل "لنشر القوات البريطانية في أوكرانيا لدعم أي اتفاق سلام وردع بوتين"، فإنه وأعضاء حزب العمال حاولوا تحييد أنفسهم عبر المطالبة بطرح مسألة نشر القوات في أوكرانيا للتصويت في مجلس العموم. حتى إن الديمقراطيين الليبراليين طالبوا بانعقاد البرلمان هذا الأسبوع من أجل هذا الموضوع، ولكن ليس لغرض مناقشة كيفية تمويل مثل هذا النشر.
في الواقع، ريس موغ وهيغ على الأقل صادقين كفاية لقول ما يريدان خفضه، على الرغم من أن تلميح هيغ إلى ضرورة خفض الإنفاق على الخدمات الصحية الوطنية لدفع تكاليف الوقوف في وجه فلاديمير بوتين، ليس بالأمر الذي أستطيع أن أتخيل أي سياسي حالي يعبّر عنه بصراحة.
أما كير ستارمر فلم يقل من أين ستجري الاقتطاعات أو أي ضرائب سترتفع. ذلك لأن الخيارات ليست سهلة. فرفع الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المئة يعني إيجاد "فقط" 5 مليارات جنيه استرليني سنوياً، وهو المبلغ الذي يمكن جمعه من خلال عكس خفض التأمين الوطني للموظفين الذي أعلن عنه في العام الماضي. أي عضو في البرلمان سيتجرأ على التصويت لمصلحة ذلك؟ كم عدد أعضاء البرلمان من حزب العمال الذين سيصوتون لمصلحة خفض ميزانية المساعدات الخارجية، أو إنهاء الضمان بأن رواتب التقاعد الحكومية سيستمر في الارتفاع بوتيرة أسرع من ارتفاع الأسعار؟
وستارمر دبلوماسي محنك، إذ إنه لا يشير إلى أن إسبانيا وكندا وإيطاليا وهولندا وفرنسا وتركيا وألمانيا، وجميعها دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، تنفق أقل على الدفاع، نسبة إلى حجم اقتصاداتها، مقارنة بما تنفقه بريطانيا حالياً.
ولكن حتى يعلن رئيس الوزراء عن كيفية تمويل هذه الجهود، فإن تصريحاته حول ضرورة تكثيف أوروبا جهودها "لتلبية متطلبات أمنها" لا تعني الكثير.
© The Independent