ملخص
يشكو الإسلاميون في الأردن من الإقصاء ومراقبون يتهمونهم بمحاولة إعادة رسم المشهد السياسي وإطلاق تصريحات تتجاوز الخطوط الحمراء.
أثارت مواقف وتصريحات نواب حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في البرلمان الأردني موجة واسعة من الجدل والاستياء في الأوساط السياسية والشعبية.
وبينما يرى منتقدوهم أن خطابهم التصعيدي ومواقفهم الحادة تفاقم التوتر مع الحكومة وتعطل العمل البرلماني، يعتبر آخرون أن ما يتعرضون له هو جزء من حملة منظمة تستهدفهم منذ نجاحهم في الفوز بعدد وازن من مقاعد المجلس خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة في صيف 2024، في محاولة لتحجيم دورهم السياسي والتأثير على حضورهم تحت قبة البرلمان.
وتعكس هذه المواقف المتباينة تزايد الاستقطاب السياسي في الأردن، مما يزيد من تعقيد المشهد الداخلي، إذ ترى الحكومة أن "الإخوان" تستغل البرلمان لأجندات خارجية، بينما تعتبر الجماعة أن الحكومات الأردنية تعمل على تقليص دورها السياسي وحرمانها من التمثيل العادل.
اجتماع مهم
عقد نواب حزب جبهة العمل الإسلامي لقاءً مهماً مع رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، شهد طرح العديد من القضايا الساخنة والمطالب الجوهرية، كان أبرزها الدعوة إلى تخفيف القبضة الأمنية على الجماعة والإفراج عن العشرات من أنصارها المعتقلين، إلى جانب المطالبة بوقف العمل بمعاهدة وادي عربة للسلام بين الأردن وإسرائيل.
وفي مواجهة هذه المطالب، شدد رئيس الحكومة على أهمية المعاهدة، مؤكداً أنها تخدم الفلسطينيين عبر تسهيل تقديم الدعم الأردني لهم، مضيفاً أن إلغاءها من شأنه أن يحد من قدرة الأردن على مساعدة الفلسطينيين في ظل الأوضاع الراهنة.
وفي هذا السياق، أكد رئيس كتلة الإخوان البرلمانية، صالح العرموطي، أن اللقاء تميز بالصراحة وتناول العديد من المحاور المهمة، من بينها ملف المعتقلين السياسيين، والعفو العام، والتهديدات الإسرائيلية للأردن، إضافة إلى ملفات اقتصادية حساسة تمس معيشة المواطنين، ما جعل الاجتماع يعكس طبيعة العلاقة المتوترة بين الجماعة والحكومة، في ظل تصاعد الخلافات السياسية بين الطرفين.
صراع سياسي
شهدت الساحة السياسية الأردنية توترات بين الحكومة ونواب حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، خلال الأشهر الماضية، بخاصة بعد تصريحات بعض النواب التي انتقدت جهاز الاستخبارات العامة، مما زاد من حدة التوتر باعتبارها تجاوزاً للخطوط الحمراء في العلاقة بين الطرفين بخاصة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات الأمنية الحساسة، إذ يرى مراقبون أن الأجهزة الأمنية قد تنظر إلى الأمر بوصفه تهديداً لهيبة الدولة، مما يستدعي رد فعل حازماً من قبلها.
وتأتي هذه التوترات في سياق تاريخي معقد للعلاقة بين الدولة والجماعة، حيث شهدت مراحل من التحالف والصدام. ففي سبتمبر (أيلول) 2024، وبعد تشكيل حكومة جعفر حسان، استُبعد ممثلو الإخوان من التشكيلة الوزارية، مما أثار استياءهم. واعتبر حزب جبهة العمل الإسلامي هذا الإقصاء تهميشاً متعمداً لهم، بخاصة أنهم حصلوا على غالبية المقاعد الحزبية في البرلمان، ورداً على ذلك، لوح الحزب بحجب الثقة عن الحكومة والتصعيد في الشارع.
وفي الأشهر الأخيرة، واجه نواب حزب جبهة العمل الإسلامي، عدة انتقادات تتعلق بأدائهم ومواقفهم في البرلمان. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2024، فشل نواب الحزب في الحصول على رئاسة أي من اللجان البرلمانية العشرين خلال الانتخابات الداخلية. في إشارة الى التحديات التي يواجهها نواب الإخوان المسلمين في البرلمان الأردني، سواء في بناء تحالفات داخل المجلس أو في الحفاظ على صورة إيجابية أمام الرأي العام.
ووجه نواب الجماعة انتقادات لاذعة للحكومة الأردنية بسبب سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً ارتفاع الأسعار وارتفاع الدين العام مما دفع مراقبين للقول إن نواب الإخوان لا يسهمون بشكل إيجابي في الحلول بل يركزون على الانتقاد فقط مما يؤثر في الاستقرار السياسي ويزيد من حدة الاستقطاب داخل البرلمان.
وقبل سنوات أثار هؤلاء النواب الجدل أيضاً بانتقادهم التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في البرلمان، والتي تهدف إلى تعديل بعض صلاحيات الحكومة وتوسيع دور الملك في العديد من المجالات.
ملفات مثيرة للجدل
يقول مراقبون إن النواب الإسلاميين يتعمدون فتح ملفات مثيرة للجدل وشعبوية بعضها مبالغ فيه أو مغلوط، ومن شأنه التشويش على المواقف الدبلوماسية والسياسية للحكومة. ويضيف هؤلاء أن النواب الإسلاميين أثاروا الجدل بمداخلات من شأنها توتير العلاقة مع الحكومة كملف نقابة المعلمين التي أغلقت بقرار قضائي قبل سنوات لكن الإسلاميين يطالبون بإنهاء هذا الملف وإعادة فتح النقابة التي تقول الحكومة إنها تحولت إلى منبر للجماعة في ما مضى، إضافة إلى الحديث عن بيع البنك المركزي الأردني أطناناً من احتياطي الذهب.
واتهم أحد النواب الإسلاميين وزارة المياه الأردنية باستمرار العمل على ضخ المياه لإسرائيل من أراضٍ أردنية تمت استعادتها قبل أعوام، على رغم استخدام تل أبيب ملف المياه كأداة للضغط السياسي على الأردن.
إلا أن أكثر ما فجر الغضب من المداخلات التي يتحدث بها نواب الجماعة في البرلمان ما قالته النائبة راكين أبو هنية من وجود معتقلين أردنيين داخل سجن الاستخبارات الأردنية في إطار حديثها عن الاعتقالات السياسية في المملكة وهو ما أثر الجلبة تحت قبة البرلمان، وتحول لاحقاً إلى سجال على منصات التواصل الاجتماعي ومطالبات باتخاذ إجراءات ضد نواب الجماعة.
تشويش أم دعم؟
في مقابل هذه الاتهامات أكد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين مراد العضايلة أن الجماعة لا تغرد خارج السرب وتدعو لنسيج وطني أردني موحد ولا يقبل القسمة لمواجهة التهديدات الخارجية وعلى رأسها المشروع الإسرائيلي.
العضايلة طالب الحكومة الأردنية ببناء سياسة جديدة قائمة على الاعتماد على النفس اقتصادياً وعسكرياً ووقف الاعتماد على أميركا التي باتت تتخلى عن حلفائها، مع أهمية وجود برنامج اقتصادي قائم على الذات وأن يكون الشعب شريكاً في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، مشيراً إلى أن مخطط التهجير في الضفة الغربية لا يزال ماثلاً ويشكل تهديداً وجودياً للأردن.
صدامات وتوترات
الجماعة التي تأسست في الأردن عام 1945، ولعبت دوراً سياسياً بارزاً لعقود، شهدت في عام 2015، أول انقسام داخلي باركته السلطات ودعمته، إذ تم تشكيل جناح جديد وحصل على ترخيص رسمي من الحكومة، مما زاد من تعقيد المشهد الداخلي للجماعة منذ ذلك الوقت.
وعلى رغم أنها تمتعت لعقود بعلاقة متوازنة مع النظام، شهدت هذه العلاقة العديد من الصدامات والتوترات، بخاصة في ظل التحولات الإقليمية والمحلية.
كانت بداية التوترات والاحتكاك السياسي بين الطرفين في المرحلة من (1990-2010) حيث شاركت الجماعة في الحكومة عبر وزيرين، لكن الخلافات ظهرت لاحقاً بسبب الموقف من معاهدة السلام مع إسرائيل التي وقعت في 1994.
وفي 1997 قاطعت الجماعة الانتخابات البرلمانية بسبب تعديلات على قانون الانتخاب اعتبرتها غير عادلة، ما أدى إلى غيابها عن المشهد النيابي لعدة أعوام.
أما في عام 2007 شهدت الانتخابات البرلمانية انتكاسة كبيرة للإخوان، إذ حصلوا على ستة مقاعد فقط بسبب ما وصفوه بالتزوير والتدخل الحكومي. وفي 2009 حظرت الحكومة جمعية المركز الإسلامي، الذراع المالية للإخوان، متهمة الجماعة بإساءة إدارة أموال الجمعية.
ثم خلال الأعوام من 2011 إلى 2020 اعتبرت بحق مرحلة الصدام المفتوح وتقليص الدور السياسي للجماعة، خصوصاً بعد أن قادت احتجاجات واسعة للمطالبة بالإصلاح السياسي في خضم ما سمي "الربيع العربي".
وفي 2016 ومع تغير القانون الانتخابي، عادت الجماعة للمشاركة في الانتخابات، وفازت بـ 15 مقعداً في البرلمان. لكن في 2019 تصاعد التوتر بين الحكومة والجماعة بسبب مواقفها المعارضة لسياسات الدولة، بخاصة في ما يتعلق باتفاقية الغاز مع إسرائيل وإلغاء وادي عربة، ليتم حل الجماعة قانونياً واعتبارها غير مرخصة في 2020.