تشير إحدى الوثائق التي كشف عنها الأرشيف الوطني الأميركي من بين آلاف الوثائق التي أمر الرئيس دونالد ترمب بالكشف عنها حول اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي في الـ 22 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1963 إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) اعترفت بأنها تسترت على بعض المعلومات خلال التحقيقات التي أجرتها "لجنة وارن" التي أنشأها الرئيس ليندون جونسون، على رغم أن هذه المعلومات ربما كانت على صلة باغتيال كينيدي.
تحكم في المعلومات
ووفقاً لتقييم وكالة الاستخبارات الأميركية فإن الوكالة تعاملت مع التحقيقات التي جرت عقب الاغتيال ضمن عملية مصممة للتحكم في المعلومات أكثر من الحصول عليها وكشفها، ومن بينها أن رجال الاستخبارات المركزية الأميركية حاولوا قتل الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، وأن هذا التستر جاء خشية تأجيج فكرة المؤامرة التي كانت تسيطر على عقول الأميركيين الذين اعتقد 70 في المئة منهم في نظرية المؤامرة وقتها، وأيضاً لأنه قبل شهرين فقط من اغتيال كينيدي حذر كاسترو من أنه إذا حاولت الولايات المتحدة قتل القادة الكوبيين فلن يكون القادة الأميركيون أنفسهم آمنين.
وعلى هذا الأساس تعاملت "سي آي أيه" مع أي تورط محتمل من قبل كاسترو على أنه إشاعة لا أساس لها من الصحة، لأنها يمكن أن تؤدي إلى صراع مباشر مع الاتحاد السوفياتي.
ورأت الوكالة أن وظيفتها الأساس هي الابتعاد من أية معلومات من شأنها أن تغذي هذا التصور، وبدلاً من ذلك عليها أن تقدم فقط المعلومات التي تؤدي إلى أفضل حقيقة بأن لي هارفي أوزوالد، وهو المتهم الوحيد، قتل كينيدي لأسباب غير واضحة.
رد الفعل الفوري
وكان رد الفعل الفوري في لانغلي، مقر "سي آي أيه" شمال ولاية فيرجينيا، كما هي الحال في أماكن أخرى في الحكومة الأميركية، هو الشك في وجود محاولة أجنبية بتوجيه شيوعي لزعزعة استقرار الولايات المتحدة، واستمر هذا بعض الوقت بعد الاغتيال وبخاصة بعد اغتيال أوزوالد في مقر شرطة دالاس في الـ 24 من نوفمبر عام 1963 برصاص جاك روبي، وهو مالك ملهى ليلي أُطلق النار على أوزوالد انتقاماً لمقتل كينيدي، إذ لم يستبعد قادة الوكالة وجود مؤامرة محلية أو أجنبية، بينما كانوا يحاولون تحديد ما إذا كانت هناك أزمة دولية وشيكة.
تعاون سلبي وتفاعلي وانتقائي
وبتوجيه من جون ماكون مدير "سي آي أيه" بين عامي 1961 و 1965، دعمت وكالة الاستخبارات المركزية "لجنة وارن" بطريقة يمكن وصفها بأنها سلبية وتفاعلية وانتقائية، إذ أبلغ ماكون في أوائل عام 1965 وزارة العدل أنه أصدر تعليماته لمسؤولي الوكالة بالتعاون الكامل مع "لجنة وارن" وعدم حجب أي شيء عن تحقيقاتها"، وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 1964 زودتها وكالة الاستخبارات المركزية بنحو 77 وثيقة، وأعدت 38 تقريراً متفاوتة الطول استجابة لمهماتها.
ومع ذلك كان هذا التعاون أضيق مما قد توحي به هذه الأرقام، إذ أنتجت الاستخبارات المركزية معلومات فقط استجابة لطلبات اللجنة التي كان معظمها يتعلق بالاتحاد السوفياتي أو أنشطة أوزوالد أثناء وجوده خارج الولايات المتحدة، ولم تتطوع "سي آي أيه" بتقديم أي مواد حتى لو كانت ذات صلة.
وعند درس الاغتيال في مناخ سياسي مختلف، خلصت "لجنة تشيرش" التابعة لمجلس الشيوخ عام 1976 إلى أن تحقيق الوكالة كان محدوداً في فحص اتصالات أوزوالد مع الجماعات المؤيدة لكاسترو والمناهضة له قبل الاغتيال، وأن كبار مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية كان ينبغي أن يدركوا أن عمليات الوكالة في كوبا بحاجة إلى درس من قبل اللجنة.
ووفقاً للأرشيف الوطني الأميركي فلم يعترف أوزوالد بأنه أطلق النار على كينيدي أبداً خلال وجوده مع الشرطة ليومين قبل وفاته في مقر شرطة دالاس، ولا توجد أية سجلات لمقابلات أوزوالد مع الشرطة.
وكانت "لجنة وارن" التي أنشأها الرئيس جونسون للتحقيق في اغتيال كينيدي أثناء مروره في موكب سيارات مكشوفة عبر دالاس قد خلصت إلى أن أوزوالد تصرف بمفرده، لكن على مدى عقود ظل المهتمون بحادثة الاغتيال غير راضين، مما غذى نظريات مفادها بأن قوى أخرى كانت ضالعة في عملية القتل.