ملخص
منذ بسط قوات "الدعم السريع" سيطرتها على الخرطوم قبل نحو عامين، شهدت العاصمة قتالاً عنيفاً خلف ضحايا وإصابات وسط المدنيين، وكذلك سلسلة طويلة من الأزمات الإنسانية والأمنية والاقتصادية خصوصاً توقف محطات المياه وشبكات الكهرباء والاتصالات، إضافة إلى شح السلع الغذائية مع ارتفاع أسعارها والنقص الحاد في الأدوية، مما شكل عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين.
بعد سيطرة الجيش السوداني على أحياء ومناطق عدة بولاية الخرطوم، تنفس السكان العالقون الذين لم يتمكنوا من مغادرة العاصمة الصعداء عقب تحريرها من قبضة قوات "الدعم السريع" وإنهاء مخاوفهم من اتساع القتال وتزايد الضائقة المعيشية ومعدلات الانتهاكات، وخرجت مسيرات وتظاهرات عفوية في مناطق الكلاكلة وبري وجبرة احتفالاً بنجاح القوات المسلحة في استعادة العاصمة.
وبث ناشطون مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت خلو عدد من أحياء الخرطوم من عناصر "الدعم السريع"، وسط دعوات للجيش والأجهزة النظامية الأخرى بالوصول إلى المناطق الخالية من الوجود العسكري لحفظ الأمن ومحاربة الفلتان الأمني الذي ظهر بصورة كبيرة.
فوضى ونفور
منذ بسط قوات "الدعم السريع" سيطرتها على الخرطوم قبل نحو عامين، شهدت العاصمة قتالاً عنيفاً خلف ضحايا وإصابات وسط المدنيين، وكذلك سلسلة طويلة من الأزمات الإنسانية والأمنية والاقتصادية خصوصاً توقف محطات المياه وشبكات الكهرباء والاتصالات، إضافة إلى شح السلع الغذائية مع ارتفاع أسعارها والنقص الحاد في الأدوية، مما شكل عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين.
يقول المواطن مكي الطاهر الذي يسكن منطقة الكلاكلة اللفة، إن "قوات (الدعم) ومنذ دخولها إلى الخرطوم زرعت الذعر والخوف في نفوس المواطنين من أجل تنفيذ عمليات النهب والسلب والاغتصاب، وهي جرائم حرب وضد الإنسانية، وأسهم نقص التعليم والمعرفة لدى جنود كثر من هذه القوات، فضلاً عن فقدان القيادة والسيطرة في تزايد الانتهاكات بصورة غير مسبوقة، وبخاصة في منطقة جنوب الخرطوم".
وأضاف أن "'الدعم السريع' تسببت في تدهور مريع للأوضاع بغالبية أحياء العاصمة، فترة امتدت ما يقارب العامين، إذ عاشت جميعها من دون أية خدمات مياه وكهرباء أو دواء أو تعليم، إلى جانب شح المواد الغذائية وعدم توفر الرعاية الصحية وتوقف الأعمال اليومية".
وأوضح الطاهر أن "الحملات الانتقامية لتلك القوات كشفت عن صعوبات كبيرة في إمكان تعايش المواطنين معها وعدم قبولها وسط المجتمعات بدليل الفرار الجماعي لمئات آلاف السكان من الخرطوم".
انتهاكات وأزمات
من جانبه، أشار صابر معتصم الذي يسكن داخل منطقة الجريف غرب إلى أن قوات "الدعم السريع" ارتكبت انتهاكات واسعة في أحياء العاصمة من خلال تنفيذ عمليات النهب والسلب والاغتصاب والتنكيل بالمدنيين، لافتاً إلى أن "هذه القوات عجزت عن توفير مقتضيات الاستتباب الأمني والحد الأدنى من الخدمات بسبب نفور السكان العالقين في الخرطوم وعدم تفاعلهم مع الجنود".
واعتبر معتصم أن وجود "الدعم" في مناطق وأحياء العاصمة أسهم في تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية، فضلاً عن توقف الأعمال اليومية بسبب الأخطار الأمنية وعدم التنقل.
بحسب الناشط المجتمعي سعد فضل، الموجود داخل العاصمة، فإن قوات "الدعم السريع" ولقرابة العامين استهدفت محطات المياه وشبكات الكهرباء والاتصالات، وقامت بعمليات تخريب ونهب واسعة للمعدات والكوابل، مما أدى إلى توقف الخدمات الضرورية وشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين.
ونبه فضل إلى أن العالقين في الخرطوم أصبحوا مكشوفين أمام موجات الجوع المستشري بصورة مخيفة، خصوصاً في عدد من محليات ومناطق العاصمة التي تسيطر عليها "الدعم السريع" وتتحكم من خلال نقاط الارتكاز التي تنصبها في دخول وخروج المواطنين والسلع الغذائية.
وأردف الناشط المجتمعي "نتيجة لهذه الأوضاع الكارثية وجد السكان أنفسهم في مواجهة أخرى أشد ضراوة مع الأوبئة الفتاكة، ونتج عن ذلك وفيات عدة، بسبب سوء التغذية والحميات وضعف المناعة التي حصدت أرواح الأطفال وكبار السن على وجه الخصوص".
نهب وترويع
على الصعيد نفسه، أوضح المواطن محمود كباشي الذي يسكن داخل منطقة الصحافة أن "الدعم السريع" عمدت إلى الاحتماء بالمرافق، وتموضعت ونصبت أسلحتها الثقيلة داخل منازل المواطنين، واعتدت على النساء، وقتلت الأطفال وكبار السن أمام ذويهم، واتخذت دور العبادة المساجد والكنائس نقاط ارتكاز لتوجيه نيران المدافع نحو المرافق المدنية خارج سيطرتها، خصوصاً المستشفيات ومراكز الخدمات، وكذلك احتمت بمحطات مياه الشرب وحولتها لمواقع للمناورة.
وأضاف "نتيجة لهذا الاستهداف انقطعت الخدمات الأساس عن مئات الآلاف من المدنيين في أنحاء العاصمة السودانية، مما أدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية".
وأشار كباشي إلى أن "هذه القوات قامت بعمليات عنف مفرط ونهب وسرقة في غالبية مناطق وأحياء الخرطوم، علاوة على الاختطاف والاختفاء القسري واستهدافها عمداً النساء والفتيات بالاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي الوحشي".
واندلعت المواجهات العسكرية في العاصمة السودانية منذ أبريل (نيسان) 2023، واستولت قوات "الدعم السريع" على القصر الجمهوري ومنشآت حيوية أخرى، وعلى أجزاء كبيرة من الخرطوم.
ومنذ أسابيع تتراجع قوات "الدعم" أمام هجمات الجيش في ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم، أم درمان، والخرطوم بحري) مع اقتراب الجيش من بسط سيطرته على كامل الولاية من خلال المعارك الجارية الآن في مدينة الخرطوم بعد تحرير القصر الرئاسي ومنطقة الوزارات السيادية والمرافق الحيوية وسط العاصمة وعدد كبير من الأحياء والمناطق.
وسيطرت القوات المسلحة على مطار الخرطوم في سياق معركتها لاستعادة كامل العاصمة من قوات "الدعم السريع" التي تقول مصادر عسكرية إن آخر معاقلها في الولاية باتت محاصرة من ثلاث جهات.