ملخص
أكد الرئيس اللبناني جوزاف عون خلال زيارة إلى فرنسا، أن بلاده عازمة على بناء جيشها وبسط سيطرته على كامل البلاد، مديناً الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار. بدوره، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت "غير مقبول"، وأعلن أنه سيبحث التطورات مع ترمب ونتنياهو.
خيّمت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم الجمعة على زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى فرنسا، وهي أول زيارة له إلى دولة غربية منذ انتخابه في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وفيما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستضيف اجتماعاً خماسياً شارك فيه الرئيس اللبناني ونظيره السوري أحمد الشرع والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، تبلغ عون بأن إسرائيل وجهت إنذاراً لإخلاء مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت، رداً على إطلاق صاروخين من لبنان باتجاه أراضيها فجر اليوم. وبعد التحذير بنحو ساعتين، أغار الطيران الإسرائيلي على المبنى في الضاحية ودمره بالكامل، وأعلن أنه استهدف "بنية تحتية لتخزين طائرات مسيرة تابعة لحزب الله".
عون: عازمون على بناء الجيش وبسط سيطرته على كل لبنان
وخلال اجتماع في قصر الإليزيه لمناقشة الإصلاحات الاقتصادية وجهود تحقيق الاستقرار في لبنان، أبلغ عون نظيره الفرنسي أن الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت هو استمرار للانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار مع "حزب الله"، وفق ما أفاد مكتب الرئيس اللبناني في منشور على "إكس". وأضاف عون أنه "على المجتمع الدولي أن يضع حداً لهذه الاعتداءات وإرغام إسرائيل على التزام الاتفاق كما لبنان ملتزم به".
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع ماكرون، دان عون "أي اعتداء على لبنان وأي محاولة مشبوهة لإعادة لبنان إلى دوامة العنف"، وناشد "أصدقاء لبنان للتحرك سريعاً لوقف التدهور ومساعدة لبنان على تطبيق القرارات الدولية"، قائلاً "نريد بناء دولتنا وبسط سيطرتها وهذا ما نريد المساعدة بشأنه".
وأكد الرئيس اللبناني أن بلاده عازمة على بناء الجيش "وبسط سيطرته على كل لبنان"، مضيفاً "نريد استعادة أراضينا المحتلة وتطبيق القرارات ذات الصلة والعودة لاتفاقية الهدنة عام 1949".
وبعدما نفى "حزب الله" مسؤوليته عن إطلاق صواريخ على إسرائيل، قال عون في باريس إن "كل شيء يشير" إلى أن "حزب الله ليس مسؤولاً" عن ذلك، مضيفاً "سيكون هناك تحقيق في مصدر عمليات إطلاق الصواريخ".
وقال عون إن لبنان يحتاج إلى محيط مستقر ومنطقة تنعم بالسلام، مضيفاً أن بلاده تستضيف أعلى نسبة نازحين ولاجئين مع وجود "نحو 400 ألف نازح سوري يحتاجون لخطة تمويل دولية للعودة إلى بلادهم".
وفي الشق الاقتصادي، قال عون، "انطلقنا في مسار الخروج من أزمتنا النقدية والمالية ونحتاج إلى دعم لاستكمال ذلك".
ماكرون: الغارات الإسرائيلية على الضاحية "غير مقبولة"
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إن الغارات الإسرائيلية على بيروت صباح اليوم "غير مقبولة" وتمثل انتهاكاً لوقف إطلاق النار. وقال إن هذه "الضربات هي إجراءات من جانب واحد، تنتهك تعهداً معيناً وتأتي لمصلحة حزب الله".
وقال ماكرون، "إسرائيل لم تحترم اليوم، ومن جانب واحد، الإطار المتفق عليه بين لبنان وإسرائيل، ومن دون أن تكون لدينا معلومات أو دليل على مبرر لذلك".
وأعلن الرئيس الفرنسي أنه سيجري اتصالات بكل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الضربات على لبنان.
وقال إن بلاده ستعمل مع أميركا والأمم المتحدة لضمان تنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان، مشيراً إلى أن أميركا باستطاعتها ممارسة الضغط على تل أبيب لتنفيذ الاتفاق.
ورأى ماكرون أنه ينبغي على إسرائيل الانسحاب من نقاط المراقبة الخمس التي لا تزال قواتها موجودة فيها داخل الأراضي اللبنانية، مؤكداً دعم باريس للبنان للحفاظ على سيادته، مشيراً إلى "إحراز تقدم بخصوص نزع سلاح حزب الله".
واعتبر الرئيس الفرنسي أن عدم الالتزام بوقف إطلاق النار يضر بأمن إسرائيل، مضيفاً أن "إسرائيل صديقة لفرنسا وأمنها يهمنا لذا يمكننا التعبير عما نختلف بشأنه".
الحدود اللبنانية – السورية والأمن البحري
إضافة إلى اللقاءات الثنائية لعون مع ماكرون، عقد الرئيسان أيضاً اجتماعاً عبر الفيديو مع الرئيس السوري أحمد الشرع بحثوا خلاله "قضية الأمن على الحدود السورية – اللبنانية" حيث أدت "توترات إلى وقوع مواجهات" قبل أسابيع.
كذلك شملت الزيارة اجتماعاً خماسياً "مخصصاً لشرق المتوسط"، ضمّ إلى الرؤساء الثلاثة الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني، ناقشوا خلاله "التحديات" المرتبطة بـ "الأمن البحري" و"التأثير البيئي الإقليمي على الأمن"، بحسب الإليزيه.
وأبلغ الرئيس اللبناني المسؤولين المشاركين في الاجتماع الخماسي أن "الاعتداءات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية والتهديدات هي استمرار لانتهاك إسرائيل الاتفاق الذي ترعاه فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وعلى المجتمع الدولي أن يضع حداً لهذه الاعتداءات وإرغام إسرائيل على التزام الاتفاق كما لبنان ملتزم به"، وفق ما أفاد مكتبه.
كما أكد عون للشرع خلال الاتصال معه في حضور ماكرون، "على ضرورة التنسيق بين البلدين من أجل معالجة المسائل العالقة ولا سيما موضوع الحدود المشتركة"، وعلى "ضرورة الاستفادة من المساعدة الفرنسية لإيجاد حل سريع لقضية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم كي يعيشوا بكرامة"، مضيفاً أن "أي عقبات وصعوبات يمكن إيجاد حل لها بالتعاون".
التحديات أمام الدولة اللبنانية
تقع على عاتق الرئيس اللبناني ورئيس الحكومة نواف سلام مهمة صعبة تتمثل في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي من أجل الإفراج عن التمويل اللازم لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات. وأمامهما أيضاً تحدّي نزع سلاح "حزب الله" بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حرباً دامية بين الحزب وإسرائيل، خرج منها لبنان منهكاً و"حزب الله" ضعيفاً.
واعتبر الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس كريم بيطار أن زيارة عون إلى فرنسا "ذات رمزية كبيرة، لأن فرنسا كانت، إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية، من بين الدول الثلاث التي دفعت بقوة نحو انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية".
وأكد الرئيس اللبناني أول من أمس الأربعاء خلال استقباله المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، أنه "مصمم مع الحكومة على تجاوز الصعوبات التي يمكن أن تواجه مسيرة الإصلاح في البلاد في المجالات الاقتصادية والمصرفية والمالية والقضائية".
وفي هذا السياق، شرح كريم بيطار أن لبنان شهد "موجة من التفاؤل خلال الشهرين الماضيين، لكن لا تزال ثمة أسباب تدعو للخشية من أن مهمة القادة الجدد لن تكون بهذه السهولة".
ويعيش لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ عام 2019، نتيجة سوء الإدارة والفساد والإهمال وتقاعس الطبقة السياسية الحاكمة منذ عقود.
تفكيك ترسانة "حزب الله"
في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" بمناسبة زيارته لباريس، أكد عون أن "لبنان لا يتحمل أن يكون جزءاً من أي محور ولا يجوز أن يكون منصة إساءة إلى أي دولة"، مضيفاً أن "أهميته تكمن في تنوعه وفي التضامن والوحدة الداخلية لشعبه التي ستحميه من كل خطر".
وقال إن الجيش اللبناني "قام بتفكيك عدة مخيمات فلسطينية موالية لحزب الله أو لإيران" ونفذ "أكثر من 250 عملية مصادرة أسلحة أو ضد مخابئ أسلحة في أنفاق جنوب نهر الليطاني". وأوضح أنه "يتم تدمير جزء من الترسانة المضبوطة لكن إذا كانت صالحة للاستخدام فالأسلحة المستردة تعود إلى الجيش".
وأكد عون التزام لبنان "بشكل كامل تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1701"، وتأسف للانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق. وأضاف، "ليس أمامنا خيار سوى مواصلة العمل على الصعيد الدبلوماسي للتوصل إلى حل يضمن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وإعادة الأسرى وترسيم الحدود البرية".
وقال الرئيس اللبناني إن بيروت ستعمل "على إقرار القوانين اللازمة لدعم الإصلاحات وستركز على ثلاث جبهات: مكافحة الفساد، ورفع السرية المصرفية، وإعادة هيكلة المصارف".