ملخص
شهدت الأسواق الجمعة الماضي علامة تحذير، مع تراجع الأسهم، إذ فقد مؤشر (أس أند بي 500) 2 في المئة من قيمته
أفادت جامعة "ميشيغان" أن مؤشر ثقة المستهلكين الذي يقيس وجهة نظر الناس حول الاقتصاد، انخفض إلى 57 نقطة هذا الشهر من 64.7 نقطة في فبراير (شباط) الماضي، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2022. وكانت مشاعر المشاركين حول الاقتصاد الحالي متشائمة لكنها مستقرة نسبياً، في حين تدهورت آراؤهم حول مستقبل الاقتصاد بشكل كبير.
ولا يعني الشعور السيئ دائماً أخباراً سيئة للاقتصاد، إذ تعد المسوح التي تجرى للمستهلكين والشركات من البيانات "الناعمة"، التي تعتمد إلى حد ما على ما يقوله الناس بدلاً مما يعايشونه بشكل فعلي.
ومع ذلك عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فإن المشاعر تهم، فقد تؤجل الأسر التي تشعر بالقلق في شأن المستقبل عطلاتها أو قد تؤجل شركات توسيع أعمالها، وفي حال قرر عدد كاف من الناس التوقف عن الإنفاق، فقد يتأثر الاقتصاد بشكل سلبي. هذه المشاعر تعمل كنظام إنذار مبكر، تعكس الحقائق التي يراها الناس في الواقع والتي لم تظهر بعد في بيانات الاقتصاد الأخرى.
ويأتي تقرير جامعة "ميشيغان" بعد سلسلة من الاستطلاعات الأخرى التي أظهرت تدهوراً ملحوظاً في مزاج كل من المستهلكين والشركات الأميركية خلال الربع الأول من عام 2025، إذ أفادت مجموعة "كونفرنس بورد"، وهي مجموعة بحثية متخصصة في الأعمال، أن مؤشر ثقة المستهلكين العام قد انخفض بشكل حاد هذا الشهر، وانخفض مقياس توقعات المستقبل إلى أدنى مستوى له في 12 عاماً.
البيانات "الناعمة" واتجاه الاقتصاد
وأظهرت استطلاعات الأعمال الإقليمية الأخيرة من بنوك "الاحتياطي الفيدرالي" في نيويورك وفيلادلفيا وريتشموند أن الشركات في مجالي التصنيع والخدمات أصبحت أكثر تشاؤماً.
وقال أحد المشاركين في استطلاع ربع سنوي لصناعة الطاقة، الذي أطلقه "الاحتياطي الفيدرالي" في دالاس الأربعاء الماضي، "سياسة التعريفات الجمركية من المستحيل التنبؤ بها ولا يوجد لها هدف واضح. نحن نريد مزيداً من الاستقرار".
شهدت الأسواق، الجمعة الماضي، علامة تحذير، مع تراجع الأسهم، إذ فقد مؤشر (أس أند بي 500) اثنين في المئة من قيمته، وكانت جميع مؤشرات الأسهم الأميركية الثلاثة الرئيسة أقل من مستوياتها يوم انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
وتشير البيانات الصلبة، بما في ذلك تقارير المبيعات، والإنتاج الصناعي، وبيانات الوظائف، إلى أنه رغم تراجع الاقتصاد، فإنه على الأرجح لا يشهد انكماشاً، لكن هذه البيانات قد تستغرق وقتاً لتواكب الواقع على الأرض، وبعض المقاييس، مثل الوظائف، عادة ما تتأخر حتى يصبح الاقتصاد في ورطة، لذا، يولي الاقتصاديون اهتماماً كبيراً للبيانات "الناعمة" للبحث عن دلائل حول الاتجاه الذي يسلكه الاقتصاد.
وقال بعض المستهلكين، إنهم يحدون من إنفاقهم، وبدأت المبيعات في التراجع بالنسبة إلى شركات الطيران ومحلات البيع بالتجزئة، ومع ذلك قد لا يكون هذا كافياً للتأثير في الاقتصاد العام، جزئياً لأن الناس لا يغيرون سلوكهم دائماً بناء على مشاعرهم.
على سبيل المثال، انخفض مؤشر معنويات ميشيغان بشكل حاد من منتصف عام 2021 إلى منتصف عام 2022 مع ارتفاع التضخم، ورغم شعور الأميركيين بالسوء تجاه الاقتصاد، استمروا في إنفاق المال.
وبالنسبة إلى عديد من الأميركيين، فإن الحصول على وظيفة ووجود المال في جيوبهم يهمهم أكثر من شعورهم تجاه الاقتصاد. وقالت مديرة الاستطلاع جوان هسو، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "عندما انخفض مؤشر ميشيغان للمعنويات في 2022، رأينا الناس غير راضين جداً عن الاقتصاد، لكن الإنفاق ظل قوياً". في ذلك الوقت، كان الناس واثقين من أنهم سيحتفظون بوظائفهم، وكانوا قد جمعوا مدخرات خلال جائحة كورونا، بحسب ما أضافت هسو.
ما يختلف الآن هو أن التوظيف تباطأ، بينما استنفدت مدخرات الجائحة، وقالت هسو، "تلك الدعامات بدأت تضعف أو تختفي تماماً".
المعنويات لها تأثير
ويظهر التاريخ أن المعنويات لها تأثير، فقد انخفضت معنويات الأميركيين بشكل حاد، وفقاً لمؤشر ميشيغان، بعد غزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت في أغسطس (آب) 1990، وبدأ الركود الاقتصادي في الوقت نفسه تقريباً.
ساعد الحدث في تحفيز ورقة بحثية عام 1994 من قبل كريستوفر كارول وجيفري فيور وديفيد ويلكوكس، الذين كانوا في ذلك الوقت اقتصاديين في "الاحتياطي الفيدرالي"، ووجدت أبحاثهم أن مكون التوقعات في مسح ميشيغان، بشكل خاص، كان له قيمة تنبؤية عندما يتعلق الأمر بإنفاق المستهلكين.
وتبين الأعمال اللاحقة لكارول أن ردود الفعل على سؤال حول ما سيفعله معدل البطالة خلال العام المقبل كانت مرتبطة ارتباطاً قوياً بإنفاق المستهلكين على السلع الكبيرة، مثل السيارات والأجهزة المنزلية، على وجه الخصوص.
وأظهر تقرير "ميشيغان" أن نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين يتوقعون زيادة في البطالة خلال العام المقبل ارتفعت إلى 66 في المئة في مارس (آذار) الجاري، مقارنة بـ51 في المئة في فبراير الماضي، مما يجعلها تصل إلى أعلى مستوى لها منذ الأزمة المالية 2008-2009.
في حين لا تبدو درجة توافق التصورات حول سوق العمل مع الواقع على الأرض واضحة، فقد سرحت إدارة ترمب آلافاً من الموظفين الفيدراليين، وفي المقابل، ارتفعت مؤشرات تسريحات الموظفين في القطاع الخاص وخطط التسريح. ومع ذلك يظل معدل البطالة منخفضاً عند 4.1 في المئة، علاوة على أن طلبات إعانة البطالة الأولية، التي تعد تاريخياً واحدة من أفضل مؤشرات الإنذار المبكر للأزمات في سوق العمل، ظلت منخفضة.
ليس مجرد مشاعر المستهلكين التي تهم، فعندما تشعر الشركات بالقلق، قد تؤجل خطط التوسع وتجمد التوظيف، وهذه الإجراءات يمكن أن تتسارع تأثيراتها عبر الاقتصاد.
وأظهر استطلاع من جامعة "ديوك" بالتعاون مع "الاحتياطي الفيدرالي" في ريتشموند وأتلانتا نشر، الأربعاء الماضي، أن التفاؤل بين المديرين الماليين التنفيذيين تراجع في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالربع الرابع من عام 2024، رغم أنه كان لا يزال أعلى بشكل ملحوظ مقارنة بعامي 2022 و2023. وأظهر الاستطلاع أنه كلما كانت شركات المديرين الماليين أكثر تعرضاً للتعريفات الجمركية، كانت مخاوفهم في شأن الاقتصاد أكبر.