ملخص
الحنين إلى الوطن ليس مجرد شعور عابر، بل حالة نفسية وجسدية قد تتحول إلى مرض حقيقي ينهش الروح ويثقل الجسد. هو اشتياق لما هو مألوف، للناس، للأمكنة، للروائح، للكلمات الأولى التي صنعتنا. وتجربة الغربة تكشف هشاشتنا ومكامن قوتنا في آن، وتدفعنا إلى البحث عن توازن جديد، وبين الألم والتكيف نعيش أعراض الحنين، فكيف نعالجها؟
عندما تشدك الغربة من أذنك كناظر المدرسة اللئيم إلى غرفة العزل، كما كان ينفذ العقاب بالطلاب قديماً في المدارس، يبدأ الحزن المختبئ تحت قشور العمل والانشغال بالانكشاف، كأن مطراً غزيراً انهمر عليه فجأة، وترافق هذا الحزن العميق أوجاع في أنحاء الجسد، وأحياناً ترتفع درجة حرارة الجسم، وقد يصاب المغترب بنوبات ذعر غير مبررة، فيدخل في طور الحنين، ذلك الجلاد الذي تترك سياطه أثراً في الروح والجسد معاً لدرجة أنه يسمى مرضاً، مرض الحنين أو Homesickness.
جوع جسدي يعكس الجوع النفسي لوطن ما، لمناخه وطعامه وروائحه ولغته ولهجته وطرائفه وجماله وقباحته، هذا ما يشعر به المغترب أو المهاجر، فيأتي رد فعله أحياناً باستحضار طعام كثير تعويضاً عن فراغ الوطن، إنه الجوع العاطفي الذي يقرأه الدماغ على أنه جوع حقيقي، فماذا يحدث لأجسادنا وأرواحنا؟ وكيف يتغير سلوكنا عندما يضربنا الحنين؟
الصدمة الثقافية
الغربة صعبة بالفعل، بخاصة إذا نظرنا إلى البعد الجغرافي واختلاف البيئة والثقافة، ذلك الحيز المكاني الذي يشعرنا بالأمان لأننا ألفناه، وتمددنا في حناياه، وعرفنا زواريبه، وحيث قمنا بأفعالنا ربما للمرة الأولى، الحب الأول والنجاح الأول والخطأ الأول، وسلسلة من الأمور الأولى على رغم أهميتها أو تفاهتها.
تظهر الدراسات أن نسبة كبيرة من المغتربين يعانون أعراض القلق والاكتئاب، وقد تصل النسبة إلى 20 في المئة، ويحتاج البعض إلى تدخل طبي أو نفسي، إذ عندما يكون الدماغ في بيئة غير مألوفة، يعمل باستمرار وبشكل نشط لمعالجة معلومات جديدة وحل مشكلات بصورة يومية، مما يسبب إرهاقاً معرفياً وضغطاً نفسياً بسبب العبء المعرفي والذهني بحسب علم النفس المعرفي. هذا الضغط يتزايد أكثر عندما يصعب اتخاذ القرارات أو التأقلم مع ثقافة جديدة، وفهم إشارات اجتماعية جديدة، والتكيف مع لغة غير مألوفة. ويظهر تراكم هذه التحديات على شكل صدمة ثقافية، فيصعب التواصل أو الاندماج مع المجتمع الجديد، لذا تظهر مشاعر العزلة والحنين إلى الوطن، بخاصة بحال التعرض للتمييز والعنصرية وعدم الاحتواء، وقد يتأثر مفهوم الشخص لذاته وهويته، مما يخلق لديه حالاً من عدم التوازن النفسي.
في دراسة نشرت في مجلة الكلية الأميركية للصحة بعنوان "الحنين إلى الوطن والتكيف في طلاب الجامعات" خلص الدكتور كريستوفر ثاربر وإدوارد والتون إلى أن الانتقال إلى الكلية أو الجامعة تجربة جديدة مثيرة لكثير من الشباب، ولكن بالنسبة إلى بعضهم يمكن للحنين الشديد إلى الوطن أن يجعل هذه الخطوة صعبة، بل وغير مستدامة، وبالنسبة إلى طلاب الجامعات المحليين والدوليين، يمثل الحنين الشديد إلى الوطن مشكلة خاصة، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم اضطرابات المزاج والقلق الموجودة مسبقاً، ويعجل بمشكلات صحية عقلية وجسدية جديدة، ويؤدي أحياناً إلى الانسحاب من المدرسة.
الغربة وضحايا الحنين
"تهت حرفياً في الصحراء" تقول سناء التي تعيش في دولة خليجية، "اختفت لدي الفطرة الطبيعية، كنت معتادة في لبنان على فكرة البحر من جهة والجبل من الجهة المقابلة، أما هناك فضاعت الملامح الطبيعية كلياً وكنت أقود في كثير من الأحيان إلى الجهة المعاكسة، مما سبب ضياعاً حقيقياً على كل الصعد، الحل اليوم مع خرائط ’غوغل‘، وعلى رغم الحنين العميق فإنني تكيفت بعد 15 عاماً".
"بالطعام كنت أملأ الفراغ العاطفي، وثلاجتي شاهدة بما عجت من صنوف من المأكولات والحلويات الجديدة علها تمرر الوقت" يقول علاء الذي ذهب للعمل في دولة عربية، ويضيف "ما يريحني قليلاً هو العائلات اللبنانية الموجودة هنا، أرتاح فعلاً عندما أسمع لهجتي، وأبتسم، بخاصة أن عملي الأساس مع الأجانب".
تقول فاطمة إنها بعد أشهر من سفرها إلى المملكة المتحدة "في إحدى الليالي ذهبت إلى الطوارئ، كنت أختنق حرفياً، بعد استخدام طساسة الربو، قال طبيب الطوارئ بعد الفحوصات اللازمة إنني أعاني homesickness. لم أكن قد سمعت به سابقاً واعتبرته ضرباً من الوهم، لكني لاحظت بعد فترة أن نوبات الحنين هذه تجتاحني فأشعر بالاختناق، ولم أستطع الاستمرار فعدت إلى بلدي بعد عام، على رغم أنني أندم أحياناً بسبب الوضع الاقتصادي في لبنان لأنني أضعت فرصة عمل رائعة، لكنني بصراحة لم أقوَ على الغربة".
من جهته يقول أسعد زريق الذي هاجر منذ أعوام إلى كندا إنه كان على دراية بما قد يحصل له بسبب الحنين، "في بلد بعيد وبارد يملأه الثلج يتضاعف الحنين، بخاصة أنني بعيد من مجتمعات الجاليات العربية، وعلى رغم أن هذا البلد قدم لي ولعائلتي كل شيء، فإننا نشتاق دوماً، لكن وسائل التواصل خففت عبء الشوق، فزوجتي تفتح دائماً الفيديو مع عائلتها لدرجة أننا لا نشعر بالخصوصية إلا عندما ينامون (بسبب فارق الوقت)، الشيء الجيد هو تماسك العائلة، إذ نشعر بأنه ليس لدينا إلا بعضنا بعضاً في نهاية المطاف، وقد تجاوزنا اليوم اختبارات حياتية عدة وأصبحنا متأقلمين مع البيئة الجديدة، كان الأمر أسهل على الأولاد بخاصة أننا تركنا البلد وكلهم تحت سن العاشرة".
بين الاستجابة الطبيعية والاضطراب النفسي
تقول اختصاصية علم النفس جهان زهاوي لـ"اندبندنت عربية" إن الحنين إلى الوطن يوصف عادة على أنه الاستجابة العاطفية أو الشعور أو الإحساس بالشوق أو الضيق الذي يحدث عندما يجد المرء نفسه بعيداً من منزله أو بيئته الأصلية. ويشمل مشاعر الحزن والوحدة والحاجة أو الرغبة في العودة إلى المنزل حيث يشعر المرء بالأمان. وفي حين يعتبر الحنين إلى الوطن رد فعل عاطفي شائع، إلا أنه في الظروف القصوى قد يشكل اضطراباً نفسياً قابلاً للتشخيص. وقد يدرج ضمن حالات اضطراب التكيف أو اضطرابات القلق، ولكن بالنسبة إلى الشخص العادي، فإن الحنين إلى الوطن يخف مع تكيف المرء مع البيئات الجديدة، إذ يعتبر استجابة عاطفية طبيعية للتغيير وليس بالضرورة اضطراباً نفسياً.
أعراض الحنين النفسية
يحدث الحنين إلى الوطن حلقة مفرغة من الضغوط الجسدية والنفسية التي تؤثر في صحة الفرد ورفاهيته، وتؤثر في حياته اليومية، بحسب جهان. وتتجلى الأعراض النفسية الأكثر شيوعاً المصاحبة للحنين إلى الوطن في الحزن والوحدة، إذ الشعور بالحنين إلى الوطن يميل إلى العزلة والانطواء العاطفي، وكذلك القلق والتوتر والخوف من الابتعاد عن العائلة والأصدقاء أو الخوف من عدم القدرة على التكيف مع البيئة الجديدة. وقد ينتج الإحباط وسرعة الغضب عن صعوبة التأقلم مع البيئات أو الروتين الجديد، كذلك قد يترافق بأعراض تشبه أعراض الاكتئاب، كاليأس وفقدان الدافع وفقدان الشعور بالراحة. والانشغال الدائم بالوطن والتفكير المستمر في العودة إليه أو مقارنة البيئة الحالية بالوطن بصورة سلبية يقوي الشعور بحنين أكبر، ومن الأعراض أيضاً صعوبة التركيز، إذ تتداخل الأفكار المستمرة التي تركز على الوطن مع الأداء اليومي وتجعل التركيز على الحياة الجديدة صعباً.
وإذا لم يُسيطر على هذه الأعراض على المدى الطويل، فقد تؤثر بصورة كبيرة في الصحة النفسية، فيسبب الحنين المطول إلى الوطن اضطرابات القلق والاكتئاب وزيادة التوتر، وقد يؤثر في عادات النوم والشهية والصحة النفسية، وفي الحالات الأكثر حدة قد تؤدي صعوبة التكيف مع البيئة الجديدة إلى الانعزال تماماً عن الآخرين.
الأعراض الجسدية
وتضيف جهان أنه يمكن أن يؤدي الحنين إلى الوطن إلى ظهور أعراض جسدية، لأن التوتر والضغط النفسي المرتبطين بالابتعاد عن الوطن قد يسببانها، فقد يؤدي إلى انخفاض الطاقة أو التعب أو النعاس، وغالباً ما يظهر القلق والتوتر المرتبطان بالحنين إلى الوطن على شكل صداع توتري أو صداع نصفي، وقد يعاني المغترب آلاماً في المعدة أو غثياناً أو إسهالاً أو إمساكاً، إذ يؤثر الضغط النفسي على جهازه الهضمي، إضافة إلى اضطرابات النوم إذ تعد صعوبة النوم أو البقاء نائماً أو الكوابيس المتعلقة بالابتعاد عن الوطن من الاستجابات الجسدية الشائعة. كذلك يمكن أن يزداد توتر عضلات الرقبة والكتفين والظهر نتيجة للتوتر، ويمكن أن يعطل التوتر العاطفي أيضاً نمط الأكل، فيؤدي إلى فقدان الشهية، أو الإفراط في تناول الطعام كوسيلة للتكيف. وقد يعاني المصاب بالحنين أمراضاً متكررة، إذ يضعف التوتر المزمن جهاز المناعة، ويجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد أو العدوى الفيروسية، وترتبط هذه الأعراض عادة بالاستجابة الجسدية للقلق والتوتر، ولكن غالباً ما تخفف إدارة الحنين إلى الوطن من حدتها.
وكما ذكرنا سابقاً، يؤثر الحنين إلى الوطن في عادات كثيرة، منها نمط النوم، فيجد الفرد صعوبة في النوم أو البقاء نائماً، مما يؤدي إلى الأرق أو النوم المفرط، كذلك فإن الانشغال الذهني بالبقاء بعيداً من الوطن يسبب الكوابيس، أيضاً يعاني الأفراد البعيدون عن الوطن تغيرات في الشهية، ويفقد بعضهم شهيته ويأكل أقل، بينما يأكل آخرون أكثر كآلية للتكيف، ويتسبب الضيق العاطفي المصاحب للحنين بتغيير إشارات الجوع في الجسم، مما يؤدي إلى عدم انتظام الوجبات.
ويضاف إلى ذلك ما يثيره الحنين إلى الوطن من مشاعر قوية مثل الحزن والقلق والانزعاج والإحباط، وقد يؤدي عدم القدرة على إدارة هذه المشاعر إلى تقلبات مزاجية والشعور بعدم الاستقرار العاطفي، ويؤثر في قدرة الشخص على التعامل بفاعلية مع ضغوط البيئة الجديدة، فيجد صعوبة في ضبط مشاعره.
الحلقة الأضعف في الحنين
عن الأشخاص الأكثر تأثراً بموضوع الحنين تقول جهان "إن مجموعة من العوامل تؤثر في قابلية الشخص للمعاناة من حنين شديد إلى الوطن، إذ قد يشعر الأطفال والمراهقون بذلك بصورة أكثر حدة بسبب اعتمادهم الكبير على البيئة المألوفة وعلى مقدمي الرعاية، والبالغون الذين يمرون بتغيرات كبيرة في حياتهم مثل الانتقال إلى الخارج للعمل أو الدراسة.
وتلعب سمات الشخصية دوراً مهماً، فالأشخاص الذين يتميزون بالقلق العالي أو الانطوائية أو الميل للتعلق العاطفي قد يجدون صعوبة أكبر في الابتعاد عن المنزل، في حين قد لا يعاني المستقلون والمرنون من هذه المشاعر بالشدة نفسها. وتعد الخلفية الثقافية عاملاً مؤثراً، فالأشخاص الذين نشأوا في ثقافات تركز على الروابط الأسرية القوية أو نمط الحياة الجماعي يشعرون بحنين أكبر عند الانفصال عن هذه الأنماط المعيشية، مما يجعل ثقافات الفردية الشائعة في بعض البيئات الجديدة تبدو لهم غريبة أو منفرة، كذلك فإن الخبرات السابقة تؤدي دوراً مهماً، فالذين لم يقضوا قبل غربتهم فترات طويلة بعيداً من منازلهم أو لم يختبروا العيش بعيداً من أصدقائهم وعائلاتهم سيجدون صعوبة أكبر في التكيف، بخاصة إذا ترافق ذلك مع تجارب سلبية في بيئات جديدة مثل الشعور بالعزلة أو الرفض.
ويؤثر الدعم الاجتماعي المتاح في المكان الجديد، إذ يصبح الأشخاص الذين يفتقرون إلى شبكة اجتماعية في البيئة الجديدة أو يشعرون بالوحدة أكثر عرضة للحنين، في حين يمكن لوجود أصدقاء أو أفراد من العائلة، أو حتى روتين اجتماعي مألوف أن يخفف من هذه المشاعر. كذلك تسهم العوامل البيئية في زيادة أو تخفيف الحنين، فمدى الراحة والتكيف مع البيئة الجديدة يؤديان دوراً مهماً، كذلك فإن قساوة ظروف المعيشة أو وجود اختلافات ثقافية أو لغوية كبيرة قد تعزز من مشاعر الحنين الذي يكون نتيجة لاستجابة عاطفية معقدة ناتجة من تفاعل هذه العوامل مجتمعة، وليس بسبب سمة واحدة فقط.
علاج نفسي ودواء وأحبة
في علاج المرضى الذين يعانون حنيناً شديداً إلى الوطن، تعتبر جهان، أن أكثر العلاجات فاعلية عادة ما تكون مزيجاً من العلاج النفسي وفي بعض الحالات استخدام الأدوية، فالعلاج المعرفي السلوكي (CBT) يعد من أنجح الأساليب في معالجة الحنين، إذ يساعد المرضى على التعرف إلى أنماط التفكير السلبية المرتبطة بالوحدة أو الشعور بالعجز، والعمل على استبدالها بإستراتيجيات تأقلم صحية وفعالة، ويمكن للعلاج التفاعلي (IPT) أن يساعد المرضى على تجاوز الصعوبات الاجتماعية أو مشكلات التأقلم في البيئات الجديدة، وهي من الأسباب الكامنة أحياناً كثيرة وراء مشاعر الحنين، وقد تبين أن تقنيات اليقظة الذهنية ومهارات الاسترخاء تساعد في تقليل القلق الناتج من الانفصال وتحسين التنظيم العاطفي، ويمكن للعلاج السردي أن يعيد صياغة تجربة الحنين باعتبارها جزءاً من مسيرة النمو الشخصي والتكيف.
أما من الناحية الدوائية فقد ينصح أحياناً بتناول الأدوية إذا تسبب الحنين في حالات شديدة من القلق أو الاكتئاب أو الأرق، وقد تكون مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق مناسبة في حالات وجود أعراض مصاحبة، ويكتشف معظم المرضى أن العلاج الأمثل يكون من خلال الجمع بين الأدوية والعلاج النفسي، بخاصة في الحالات الطويلة الأمد التي تؤثر بشدة في الحياة اليومية. إذ يتولى العلاج النفسي الجوانب العاطفية والمعرفية للحنين، بينما تساعد الأدوية في استقرار المزاج وتخفيف أعراض القلق أو الاكتئاب، ويجب أن يكون هذا العلاج حسب حاجات كل مريض، بناءً على شدة الأعراض، ووجود اضطرابات نفسية مرافقة من عدمها، ومدى تأقلم المريض في بيئته الجديدة، على أن يترافق مع دعم الأنظمة الاجتماعية للمريض وتعزيز مهارات التأقلم لديه، كالحفاظ على التواصل مع الأحبة، باعتبارها من مكونات العلاج المهمة أيضاً.
مرونة الحنين
تطوير المرونة النفسية للتعامل مع البقاء بعيداً من الوطن فترات طويلة، لا سيما في الظروف المليئة بالتوتر مثل الحياة الجامعية أو الهجرة أو العمل، يتطلب إستراتيجيات عاطفية ومعرفية واجتماعية. وتشير جهان إلى إمكان تعزيز هذه المرونة من خلال بناء نظام دعم اجتماعي قوي، فالحفاظ على التواصل مع العائلة والأصدقاء عبر المكالمات أو الرسائل أو وسائل التواصل الاجتماعي يخفف من الشعور بالوحدة، كذلك فإن الانتظام في النوادي أو التجمعات الاجتماعية في مكان العمل أو الدراسة أو أثناء الهجرة، ولقاء أشخاص يتشاركون الاهتمامات أو الخلفيات نفسها يعزز الإحساس بالانتماء. ويمنح تأسيس روتين يومي مألوف شعوراً بالاستقرار وسط بيئة متغيرة، كذلك فإن تقسيم المهام إلى أهداف صغيرة واقعية يساعد في تقليل التوتر والشعور بالإنجاز. ولا تقل العناية الذاتية أهمية، إذ إن التغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم والنوم الكافي أمور ضرورية للصحة النفسية، إضافة إلى ممارسة التأمل أو تمارين التنفس أو اليوغا التي تساعد في تهدئة الجسد والعقل. تضيف جهان أنه من المهم تعزيز الذهنية الإيجابية من خلال إعادة تعريف التحديات، بحيث ينظر إلى الابتعاد عن الوطن كفرصة للنمو والتعلم، مع تبني المرونة كنهج في التعامل مع الضغوط، وكتابة يوميات امتنان أو التركيز على الجوانب الإيجابية في التجربة يساعد على تعزيز القوة العاطفية.
وتسهم المشاركة في مجموعات الدعم التي تجمع أشخاصاً في ظروف مماثلة، مثل الطلاب الدوليين أو زملاء العمل، في تخفيف الشعور بالعزلة، كذلك فإن تقبل التغييرات والتكيف معها بمرونة يشكلان جوهر المرونة النفسية ويمنحان القدرة على التعافي من الإخفاقات والتحديات. ومن المفيد أيضاً العودة إلى الجذور الثقافية، فالتمسك بالعادات والتقاليد، سواء من خلال الطعام أو الموسيقى أو الطقوس الثقافية والدينية، يقوي الإحساس بالراحة والاستمرارية.
في النهاية، الحنين إلى الوطن ليس ضعفاً، هو حالة إنسانية متجذرة في الروح، هو صوت داخلي يبحث عن أمانه الأول، عن مكان لم يعد فقط جغرافياً، بل عاطفياً أيضاً. والتحدي ليس في كتم هذا الصوت، إنما في الإنصات له ومحاولة التعايش معه، ومعالجة أوجاعه بما يلزم من وعي وإدراك وإيجابية.