ملخص
في حادثة صادمة، تعرض فلسطيني في قاعدة سديه تيمان العسكرية بجنوب إسرائيل لاعتداء وحشي من خمسة جنود إسرائيليين، بينهم الضرب بالصواعق الكهربائية والأدوات الحادة، مما أسفر عن إصاباته بجروح بالغة. هذه الواقعة جزء من سلسلة مزاعم تعذيب واعتداء جنسي ضد المعتقلين الفلسطينيين، التي استنكرتها المنظمات الدولية، في وقت تتزايد فيه التقارير عن استخدام العنف والقسوة بحق الفلسطينيين في السجون والمراكز الإسرائيلية.
تحذير: محتوى صادم، قد يجد بعض القراء هذا التقرير مؤلماً جداً
مقيد اليدين ومتكور على أرضية زنزانة داخل قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل، وجد فلسطيني نفسه محاطاً بخمسة جنود.
مصحوبين بكلاب، يزعم أن الجنود الاحتياطين الخمسة قاموا بركله ولكمه والدوس عليه بينما كان ممدداً على الأرض.
وهم متهمون بمواصلة اعتدائهم عليه والهجوم عليه بالصاعق الكهربائي وأدوات حادة والاعتداء الجنسي عليه بواسطة هذه الأدوات.
وفي إحدى اللحظات، يزعم أن الجنود طعنوه بقوة لدرجة أنهم ثقبوا أردافه وشرجه. وبعد الاعتداء الوحشي المزعوم، أدخل الرجل المستشفى لعلاجه من ثقب في الرئة وكسور في الأضلاع وتمزق في المستقيم تطلب جراحة لتركيب فغر القولون.
لم يكن قد وجهت للرجل أي تهمة.
ولم تأت هذه الرواية الصادمة من الضحية المزعومة، بل من لائحة الاتهامات التي وجهها الجيش الإسرائيلي نفسه إلى جنوده، واطلعت عليها "اندبندنت".
وهذه قصة واحدة من بين قصص كثيرة تتعلق بمزاعم التعذيب الممارس في حق المحتجزين الفلسطينيين في إسرائيل. في وقت سابق من الشهر الجاري، اتهمت الأمم المتحدة القوات الإسرائيلية باستخدام العنف الجنسي كـ"وسيلة حرب".
وزعم التقرير أن "أشكالاً من العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي، بما فيه الاغتصاب والعنف الموجه ضد الأعضاء التناسلية، ارتكبت إما بأوامر صريحة أو بتشجيع ضمني من القيادة المدنية والعسكرية العليا في إسرائيل". رفضت إسرائيل من جهتها التعاون مع الأمم المتحدة واتهمت كتاب التقرير بالانحياز ضدها.
تفاقمت مزاعم التنكيل والتعامل الوحشي هذا منذ شن مسلحي "حماس" هجمات مريعة يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ذهب ضحيتها 1200 إسرائيلي فيما أسر 250 آخرين. ورغم تعليق القتال موقتاً، لم يفرج بعد عن آخر الأسرى الإسرائيليين.
ورداً على السابع من أكتوبر، دمرت إسرائيل قطاع غزة مخلفة نحو 50 ألف قتيل، بحسب التقديرات فيما اعتقلت الآلاف وفقاً للمسؤولين الفلسطينيين.
لوائح اتهام وتشريح وشهادات تحت القسم
مع انهيار وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل، برزت قضية الاعتقالات الجماعية والمعاملة التي يتلقاها الفلسطينيون داخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب من 18 شهراً. وتظهر التقديرات بأن عدد المحتجزين الفلسطينيين قد تضاعف ليبلغ نحو 10 آلاف معتقل تقريباً. وكثر من بين هؤلاء إما أن يكونوا معتقلين ومحرومين من أي اتصال بالعالم الخارجي، من دون توجيه أي اتهامات إليهم، أو أطلق سراحهم ليعاد اعتقالهم في بعض الأحيان.
جمعت "اندبندنت" لوائح اتهام وتقارير تشريح جثث وشهادات تحت القسم من أولئك الذين تعرضوا للاعتقال.
يصف المعتقلون وحشية المعاملة ويزعمون تعرضهم لأساليب تعذيب مختلفة، تشمل الاعتداء العنيف، والحرمان من النوم، والعنف الجنسي، والحرمان من الرعاية الطبية.
وأظهر تقرير تشريح جثة أحد المعتقلين الذين توفوا في الحجز استخداماً مفرطاً للقيود وأدلة على تعرضه لاعتداء عنيف، مما أدى في النهاية إلى نزف في الدماغ.
والأسبوع الماضي فحسب، قال الفائز بجائزة الأوسكار، الفلسطيني حمدان بلال إنه تعرض للضرب بكعب البندقية على يد جندي إسرائيلي واعتقل لمدة 24 ساعة في الضفة الغربية.
يصر الجيش الإسرائيلي وهيئة السجون أن كل الجنود يراعون القانون في تصرفاتهم وأن أي حالات انتهاك هي "استثنائية".
وفقاً للائحة الاتهام الموجهة للجنود الخمسة، فقد تسببوا بإصابات بالغة واعتداءات في ظل ظروف مشددة.
وفي بيان رسمي، أقر الجيش الإسرائيلي بأن هذه الحادثة وغيرها من مزاعم الإساءة قيد التحقيق، قائلاً: "لا تزال التحقيقات الأخرى في مزاعم إساءة معاملة المعتقلين جارية. أي سوء معاملة للمعتقلين، سواء أثناء الاحتجاز أو الاستجواب، محظور تماماً ويعد انتهاكاً للقانون الإسرائيلي والدولي ولوائح الجيش الإسرائيلي".
الاستخدام المفرط للقوة والأضلاع المكسورة ونزف الدماغ
اطلعت "اندبندنت" على تقارير عدة تشريح لجثث كتبها أطباء إسرائيليون بغية إرسالها إلى عائلات الفلسطينيين الذين قضوا في الأسر.
وينص القانون الإسرائيلي على أن عائلات المتوفين تملك الحق في طلب حضور طبيب مستقل عملية التشريح للتأكد من نتائجها.
أخذت جثامين بعض الفلسطينيين إلى معهد أبوكبير للطب الشرعي في تل أبيب لتشريحها هناك.
وتتضمن التقارير تفاصيل عن الإصابات التي تعرضت إليها هذه الجثامين.
وجاء في أحد هذه التقارير عن فلسطيني احتجز في سجن مجدو في شمال إسرائيل وتوفي في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 "ظهرت كدمات على الجهة اليسرى من الصدر أسفلها كسور في الأضلاع وعظام الصدر. كما ظهرت كدمات خارجية على الظهر والأرداف والذراع الأيسر والفخذ الأيسر والجهة اليمنى من الرأس والعنق".
وأفاد تقرير آخر عن رجل توفي في ديسمبر (كانون الأول) 2024 أثناء أسره في سجن كيشون في شمال إسرائيل عن وجود "عدة إشارات على الاعتداءات الجسدية والاستخدام المفرط للقيود، الذي يرجح أنه تسبب بنزف دماغي".
ووجد التقرير أن رجله اليمنى كانت متورمة وتظهر على معصميه وكاحليه آثار التقييد الشديد.
وقال أحد الأطباء الإسرائيليين، الذي أشرف على عدة عمليات تشريح للمعتقلين نيابة عن عائلاتهم: "مجرد رؤية آثار للاعتداء يعني أن هذا على الأرجح غيض من فيض".
وتكتم الرجل عن اسمه لدواع أمنية لكنه تكلم عن حضور تشريح جثة رجل في الثلاثينيات من عمره توفي أثناء اعتقاله في الضفة الغربية في أكتوبر 2023.
كانت أضلاعه مكسورة وطحاله ممزقاً، وهو "مؤشر إلى تعرضه لضربة شديدة".
في أواخر نوفمبر، أشرف الطبيب نفسه على تشريح جثة شاب آخر من طولكرم في الضفة الغربية توفي بعد ستة أيام من الاستجواب. وهذه المرة أيضاً، ظهرت على جسده آثار تعرض للعنف وإصابات متعددة، وفقاً للتقرير.
ينفي الجيش الإسرائيلي بصورة قطعية قيامه بأي انتهاكات مؤكداً: "يرفض الجيش الإسرائيلي تماماً الادعاءات بوجود انتهاكات ممنهجة في حق المعتقلين في منشآته. يعمل الجيش وفقاً للقانون الإسرائيلي والدولي، مع ضمان حقوق المعتقلين المحتجزين في مراكزه".
المعاملة على يد السجانين الإسرائيليين
تتركز معظم ادعاءات الاعتداءات في مركزي اعتقال هما: منشأة عسكرية جديدة استحدثت ضمن سجن عوفر في الضفة الغربية، وقاعدة سديه تيمان العسكرية جنوب إسرائيل.
أدلى أحد الحراس الإسرائيليين في سجن سديه تيمان بشهادة من دون الكشف عن هويته، سربت إلى "اندبندنت"، تتعلق بمزاعم الضغوط الممارسة من أجل التعامل بعنف مع الفلسطينيين.
وقال واصفاً المرة الأولى التي التقى فيها وكثير من الجنود الآخرين، شخصاً من غزة إن ما ظهر آنذاك هو "سلوك يقول 'نعم يجب ضربهم، يجب فعل ذلك'".
وأضاف "بدأنا بالبحث عن فرص لفعل ذلك".
وتابع الحارس بقوله إنه عندما اعترض على ضرب سجين فلسطيني أثناء التحقيق معه، قرعه أحد زملائه الجنود قائلاً "اخرس أيها اليساري، فهؤلاء غزيون، هؤلاء إرهابيون. ما مشكلتك؟".
ويشرح قائلاً: "كنا نقيد أيديهم إلى السياج فوق رؤوسهم بحيث لا يمكنهم إنزالها بأنفسهم. بدا من الواضح أن الجنود كانوا متحمسين جداً إلى القيام بهذه الأمور. نعم، عاقبناهم. وصرخنا في وجوههم أيضاً".
في قاعدة سديه تيمان، يصف المحتجزون الفلسطينيون كيف كان الجنود الإسرائيليون يشغلون موسيقى حفلات صاخبة جداً في غرفة اعتقال خاصة سميت بـالـ"ديسكو".
ويشرح محمد ر. البالغ من العمر 38 سنة، الذي اعتقل على حاجز تفتيش في شمال غزة أثناء فرار عائلته جنوباً في أكتوبر واقتيد إلى سديه تيمان قبل أن يقضي 40 يوماً في عوفر "إن الهدف من الموسيقى الصاخبة هو أن تضعفك نفسياً قبل التحقيق".
ويزعم المهندس أحمد أ. وعمره 59 سنة، وقد اعتقل من خان يونس في فبراير (شباط) وأودع سجن سديه تيمان قبل أن يطلق سراحه بعد شهر أنه وضع داخل غرفة صدحت فيها الموسيقى طوال ليلتين ونصف.
ويقول، "كنت مضطراً أن أستلقي أرضاً. لم يكن مسموحاً أن نقف أو ندخل المرحاض وقد تبول بعض الأشخاص في ثيابهم".
أما مصطفى ه، وعمره 41 سنة، الذي اعتقل عند نقطة تفتيش في أكتوبر أثناء فراره جنوباً "كلما تحركت متراً، يضربونك ويهينونك ويستخدمون الكلاب والغاز المسيل للدموع والصعقات الكهربائية".
أطلق سراحه في النهاية من دون أن يعرف أي شيء عن مصير شقيقه المحتجز، كذلك "فقد البعض سمعهم لأنهم نزفوا من أذنيهم نتيجة الصعقات الكهربائية".
مرة جديدة، تنفي هيئة السجون الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي كل الاتهامات فيما أضاف الناطق باسم الهيئة أنها "ليست على علم بالادعاءات المذكورة" وأن الهيئة "تعمل وفقاً لأحكام القانون".
الرعاية الطبية
أحد أبرز مزاعم الإساءة تتعلق بالحرمان المزعوم من الرعاية الطبية للمعتقلين.
يشرح تقرير الوفاة الذي أرسل إلى عائلة محمد الصبار، بعد وفاته في سجن عوفر في فبراير العام الماضي، أن أمعاءه كادت تنفجر.
عانى الشاب البالغ من العمر 20 سنة من داء هيرشسبرونغ، وهو خلل يصيب وظيفة الأمعاء الغليظة بسبب نقص الخلايا العصبية. ويتطلب هذا المرض اتباع نظام غذائي محدد، وحقناً شرجية، وأدوية.
وأفاد التقرير أن الأسير حرم من هذه الرعاية فتضخمت أمعاؤه في النهاية إلى درجة أنها ضغطت على باقي أعضاء البطن، وأسفر ذلك عن فشل في وظائف الكلى والرئتين وتوقف تدفق الدم.
وجاء في التقرير أن "صورة الأشعة المقطعية للبطن أظهرت بوضوح تضخماً كبيراً في الأمعاء الغليظة (15 سم) المليئة بالبراز... وتظهر مؤشرات إلى موت الأنسجة".
وخلص التقرير إلى أنه كان من الممكن "تجنب (وفاته) لو أولي انتباه خاص لحاجاته الطبية ولو قدمت له رعاية طبية فورية عند ظهور أولى العوارض".
من جهته، ينفي الجيش الإسرائيلي هذه المزاعم ويقول، "يتلقى المحتجزون الذين يحتاجون إلى علاج طبي الرعاية من طاقم طبي مؤهل وينقلون إن تطلب الأمر إلى المستشفيات لمتابعة علاجهم".
العاملون في القطاع الصحي
من بين المعتقلين عدد كبير من العاملين في قطاع الصحة في غزة، بمن فيهم أطباء وممرضون ومسعفون.
تتحدث جمعية أطباء لأجل حقوق الإنسان في إسرائيل عن اعتقال 250 عاملاً في القطاع الصحي، يقبع أكثر من 180 منهم وراء القضبان حتى الآن.
ومن أبرز هؤلاء الدكتور عدنان البرش، البالغ من العمر 50 سنة وهو جراح فلسطيني ذائع الصيت توفي في سجن عوفر في أبريل (نيسان) الماضي.
ومنهم أيضاً الدكتور إياد الرنتيسي، رئيس قسم الولادة بمستشفى كمال عدوان شمالي غزة، الذي توفي في نوفمبر 2023 والذي لم يعلن عن وفاته إلا في يونيو (حزيران) 2024 عندما نقلت صحيفة إسرائيلية الخبر.
يقدر عدد المعتقلين الذين توفوا في الأسر منذ السابع من أكتوبر بـ70 شخصاً وفقاً لناجي عباس، مدير قسم السجناء بمنظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" في إسرائيل.
ويقول "منذ عام 1967، ربما بلغ عدد الأشخاص الذين توفوا في الاعتقال 200 شخص. لكن في غضون عام واحد، نتحدث عن أكثر من 70 شخصاً نعرف عنهم". من بين هؤلاء مراهق عمره 17 سنة توفي في سجن مجدو هذا الأسبوع في ظروف غامضة، وفقاً للمجموعة الحقوقية الفلسطينية.
خلافاً لعادتها، أكدت السلطات الإسرائيلية وفاة الدكتور البرش قائلة إنه اعتقل في سجن عوفر لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وإن تحقيقاً جار في شأن ملابسات وفاته.
وتقول أرملته ياسمين، إنها جمعت معلومات عن زوجها من المعتقلين المحررين الذين تشاركوا معه الزنزانة "قبل اعتقال (عدنان) كان وزنه 90 كيلو، لكن يبدو أنه فقد كثيراً من وزنه الذي أصبح نحو 55 كيلو".
وأضافت "قدم له طعام شحيح لإبقائه على قيد الحياة ليس إلا. وقيل إنه كان مكبل اليدين يجلس في وضعية القرفصاء ويضم رأسه إلى ركبتيه".
وفي ردها على هذه الادعاءات، قالت القوات الإسرائيلية "يعمل الجيش الإسرائيلي وفقاً للقانون الدولي، ولا يعتقل العاملين في المجال الطبي لمجرد كونهم أطباء".
وأضافت "يجب التوضيح أن احتجاز الأشخاص المشتبه في تورطهم بأنشطة إرهابية أثناء عملهم في المجال الطبي يتم مع ضمان استمرار الخدمات الطبية لسكان المنطقة إلى أقصى حد ممكن".
وتقول جسيكا مونتيل، من المنظمة الخيرية الإسرائيلية، مركز الدفاع عن الفرد (هموكيد)، التي تقدم مساعدة قانونية مجانية للفلسطينيين إن 5 آلاف فلسطيني في الأقل رهن الاعتقال الإداري أو معتقلون بموجب "قانون المقاتلين غير الشرعيين".
وهو ما يعني أنه يمكن اعتقالهم إلى أجل غير مسمى، من دون توجيه اتهامات إليهم أو محاكمتهم أو حتى السماح باطلاعهم على الاتهامات أو الإثباتات الموجودة ضدهم.
وقالت جنى أبوحسنة من مؤسسة "الضمير" الحقوقية الفلسطينية التي ترصد طريقة معاملة المحتجزين، إن بعض المعتقلين يعرضون أمام المحكمة مكالمات فيديو، حيث يكون القاضي حاضراً لكن دون تمثيل قانوني لهم.
وأضافت "أطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ15 وصفوا مثولهم أمام المحكمة من خلال هذه الاتصالات – من دون وجود محام للدفاع عنهم"، وتضاف هذه الشهادة إلى شهادات أخرى جمعتها "اندبندنت" لثلاثة معتقلين في سديه تيمان وسجن عوفر، تكلموا عن إخضاعهم للمحاكمة عبر اتصال "زوم".
اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت قد ذكرت أنه لم يسمح لها بالتواصل مع المعتقلين الفلسطينيين منذ بداية الحرب، في خطوة غير مسبوقة.
وأضاف ناطق باسم اللجنة "هذه أطول مدة نمنع فيها من دخول مراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ عقود".
أسهم في التقرير نضال حمدونة في غزة
© The Independent