Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السجون الإسرائيلية "جحيم" الفلسطينيين الدائم

غلب عليها التعذيب والتجويع والإهمال الطبي وسط دعوات متطرفة إلى إعدامهم بالرصاص بدلاً من تزويدهم بالطعام

بلغ عدد الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ عام 1967 وحتى 2006 استناداً إلى معطيات أممية نحو 800 ألف شخص (أ ف ب)

ملخص

بحسب شهادات من أفرج عنهم، "الجراحات تجرى من دون تخدير، مع احتجاز المعتقلين لأيام في أوضاع قاسية، وتكبيل أطرافهم بصورة أدت إلى بتر الأعضاء".

بحسب شهادات من أفرج عنهم، تطلق الكلاب البوليسية على المعتقلين في كثير من الأحيان، ويرشون بالغاز المسيل للدموع وهم داخل غرفهم.

في معسكر "سدي تيمان" الإسرائيلي سيئ السمعة الواقع في صحراء النقب بعيداً من أعين العالم وبعزلة تامة، لا يعلم المعتقلون الفلسطينيون هناك أن العام الجديد بدأ، كيف لا وهم بحسب وصف بعض المعتقلين الذين أفرج عنهم وبعض الحقوقيين والمحامين ينامون ويصحون ويقضون حاجاتهم وعيونهم معصوبة وأياديهم مكبلة في أوضاع هي الأسوأ على الإطلاق منذ عقود، غلب عليها التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، وصلت إلى حد الإعدام وبتر الأطراف والاغتصاب داخل هذا المعتقل. وعلى رغم أن المعسكر بات يعتبر إحدى المحطات المؤلمة لعمليات التعذيب الوحشية والجنسية والتجويع والجرائم الطبية في حق الفلسطينيين، إلا أن بقية السجون الإسرائيلية وفق حقوقيين لا تقل خطورة عنه، وكلها تعمل بتعليمات مباشرة من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي شن منذ توليه منصبه حملة موسعة للتضييق على المعتقلين واتخاذ قرارات تقضي بحرمانهم من أدنى الحقوق التي كانوا يحصلون عليها سابقاً. وفرضت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 تحولات كبيرة وجذرية على قضية المعتقلين الفلسطينيين، إذ عاش المعتقلون على مدى العام الماضي بأكمله حياة كارثية على الصعد كافة.

بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي كما حددته اللجنة الدولية للصليب الأحمر يعتبر التعذيب جريمة حرب، وبموجب نظام روما الأساسي، الوثيقة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، يحاكم كبار المسؤولين المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب. وعلى رغم توقيع إسرائيل على معاهدات حقوق الإنسان التي تحظر التعذيب، ومنها الاتفاق الدولي لمناهضة التعذيب، فإن القانون الإسرائيلي لا يحظر التعذيب فضلاً عن تجريمه. كما أنه على رغم المطالبات الدولية، لا يضع تعريفاً محدداً لجريمة التعذيب. وعلى رغم إصدار محكمة العدل العليا الإسرائيلية عام 1999 حكماً قضائياً يقضي بحظر "استخدام أساليب وحشية" بصورة مطلقة، فإنها أبقت على بعض الاستثناءات تتيح استخدامها مع الذين يشتبه بمعرفتهم بعمليات "إرهابية" محتملة.

روتين يومي

خلال العقود الماضية دأبت السلطات الإسرائيلية على اتباع سياسة الاعتقال بصورة منهجية وواسعة النطاق في حق الفلسطينيين، واستناداً إلى معطيات أممية، بلغ عدد الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ عام 1967 وحتى 2006 نحو 800 ألف شخص، في حين أكدت جهات رسمية فلسطينية أن العدد بلغ أكثر من مليون حالة اعتقال، شملت نساء وأطفالاً وكباراً بالسن وأكاديميين ومثقفين وصحافيين، ونشطاء في العمل السياسي والاجتماعي. وبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية عشية الحرب 5 آلاف و192، فيما بدأت الأعداد بالارتفاع بصورة كبيرة جداً منذ ذلك الحين. ووفقاً لهيئة الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني، فإن حصيلة الاعتقالات في الضفة الغربية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، بلغت أكثر من 12 ألف حالة اعتقال، بينهم أكثر من 1000 معتقل إداري من دون محاكمة و420 امرأة في الأقل، ونحو 1000 طفل دون 18 سنة. وبعد تاريخ السابع من أكتوبر من عام 2023 شنت إدارة مصلحة السجون حرباً موازية، داخل السجون والمعتقلات تمثلت باقتحام الأقسام والغرف من خلال وحدات خاصة تابعة لإدارة السجون، ومصادرة الممتلكات الشخصية والعامة للمعتقلين والمعتقلات كافة، إضافة إلى الأجهزة الكهربائية والكتب والمصاحف والملابس والأغطية، إذ لم يتبق لكل منهم إلا فراش رقيق وغطاء خفيف والملابس التي يرتديها فقط. وأغلقت الكانتينا (متجر داخل السجن) بالكامل وألغيت الفورة (الخروج إلى باحة السجن). ورافق عمليات القمع والاقتحامات تعرض المعتقلين لعمليات ضرب مبرح غير مسبوقة بمستواها، خصوصاً في الأشهر الأولى لبدء الحرب، التي أدت إلى التسبب بكسور وتهتك في أطراف بعض المعتقلين. وإلى جانب التجويع وحرمان المرضى منهم من تلقي أي علاج وأدوية، ألغت إدارة مصلحة السجون زيارات الأهل بالكامل، وقلصت زيارات المحامين بصورة كبيرة ومنعت الصليب الأحمر كلياً من الدخول إلى المعتقلات. علاوة على الاكتظاظ جراء الاعتقالات اليومية العالية، وصل الأمر بإدارة مصلحة السجون إلى التحكم بمدة توفير الماء لهم وكذلك الكهرباء، إذ أدى حرمان المعتقلين من وسائل النظافة الشخصية إلى تفاقم الأمراض الجلدية بسبب عدم قدرتهم على تبديل ملابسهم، وخلال عام 2024 أصيب نحو 80 في المئة من المعتقلين بمرض الجرب "سكابيوس" الجلدي الناجم عن انعدام المياه والتنظيف، فالمياه داخل السجون تتوفر ساعة واحدة فقط في اليوم، وعلى المعتقلين أن يتدبروا حاجاتهم من شرب واغتسال وقضاء الحاجة وغيرها. ولا تتحكم إدارة مصلحة السجون في وقت الاستحمام ومدته فحسب، بل تتحكم أيضاً بدرجة حرارة الماء، وتستخدمها بحسب شهادات لمعتقلين أفرج عنهم كوسيلة تعذيب إضافية، إذ يعاني المعتقلون في فصل الشتاء برودة المياه، وفي الصيف سخونتها الشديدة، وهو ما أدى إلى إصابة بعضهم بحروق. ووفقاً لما نشرته صحيفة "حدشوت بر شفع" عن بن غفير قوله، إنه "قلل الامتيازات الممنوحة للمعتقلين الفلسطينيين وشدد ظروف احتجازهم، وأصر على إعطائهم أدنى حد من الراحة بموجب القانون".

فحص أمني

بحسب شهادات من أفرج عنهم، تطلق الكلاب البوليسية على المعتقلين في كثير من الأحيان، ويرشون بالغاز المسيل للدموع وهم داخل غرفهم. وتعد عمليات الفحص الأمني اليومية إحدى أبرز محطات تعذيب المعتقلين وإهانتهم، إذ يجبرون على الجثو وطأطأة رؤوسهم ووضع أيديهم إلى الخلف بهدف إذلالهم والتنكيل بهم. وأكد محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين بعد زيارته معتقل "عوفر" الاسرائيلي في يوليو (تموز) الماضي "هناك سبع محاولات انتحار لمعتقلين، بسبب سوء الظروف ووحشية السجانين واستهدافهم بسلاح التجويع والإهمال الطبي". في حين أشار بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية (حكومية) ونادي الأسير الفلسطيني (أهلي)، إلى أن هناك 49 معتقلاً فلسطينياً قتلوا داخل السجون ومراكز التحقيق الإسرائيلية منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، منهم 43 في العام الماضي. وأجمع معتقلون أفرج عنهم أخيراً وفقدوا عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم وأصيبوا بأمراض معوية، أن ما يقدم للمعتقلين من طعام وشراب داخل المعتقلات "رديء للغاية ولا يسد الرمق". إذ لم تتجاوز الوجبة الواحدة بعض ملاعق من الرز غير الناضج، وأنواع محددة من الشوربة وشرائح الخبز والبيض، بينما منعت إدارة السجون تقديم اللحوم والخضراوات والفواكه وغيرها من الأساسيات، وذلك بعد أن صادرت من المعتقلين كل أدوات الطعام من ملاعق وأطباق وأوان وغيرها، واستبدلتها بأدوات بلاستيكية لا تصلح للاستخدام سوى مرة واحدة فقط، إلا أنهم تحت وطأة الحاجة أجبروا على استخدامها مدة أسبوع كامل. وبحسب ما نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن كمية الطعام التي تقدمها مصلحة السجون للمعتقلين الفلسطينيين "أقل من الحد الأدنى الذي يلزم به القانون الدولي إسرائيل". كما نقلت عن بن غفير قوله إن "هدف هذه الإجراءات هو الردع، بعد منعه المعتقلين من تلقي طعامهم بأنفسهم، وتقليص الفرصة الممنوحة للاستحمام".

إهمال طبي

وأفادت تقارير دولية عدة صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية محلية ودولية بأن السلطات الإسرائيلية تستخدم التعذيب الجسدي والنفسي في حق المعتقلين، التي تشمل احتجازهم في غرف مكتظة وغير صحية، وإجبارهم على الوقوف لساعات طويلة مع تغطية الرأس وتعصيب العينين، وحرمانهم من النوم والعقاب بالحبس الانفرادي، فضلاً عن ربطهم في كرسي بأوضاع مؤلمة، وغيرها من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة، واتهمت منظمة الصحة العالمية إلى جانب جهات حقوقية إسرائيل باستخدام سياسة الإهمال الطبي كأداة تعذيب عبر حرمان المعتقلين من الفحوص والعلاجات الطبية. وأشارت في تقرير لها نشر في مايو (أيار) 2023 إلى أن "السياسات التي تتبعها إسرائيل في حق المعتقلين الفلسطينيين تبدأ من غياب البروتوكولات المتعلقة بالتحقيقات الطبية والعلاج في مرافق السجون، وصولاً إلى سياسة الإهمال الطبي، خصوصاً مرضى السرطان وأصحاب الأمراض المزمنة الذين لا يحصلون على العلاجات والأدوية اللازمة". وأشارت أيضاً إلى ما وصفته بـ"ممارسات غير أخلاقية"، بما فيها تكبيل المعتقلين المرضى في أسرة المستشفيات، وعدم وجود متابعة طبية مناسبة عند خروجهم، إضافة إلى عدم حصول المضربين منهم عن الطعام على الرعاية المناسبة.

مناهضة التعذيب

وأجمعت شهادات المعتقلين على أن التعذيب والعقاب كان وما زال من أبرز التغيرات التي طرأت على واقع حياتهم داخل السجون خلال عام 2024، التي تبدأ منذ لحظة الاعتقال من المنزل، مروراً بالتحقيقات، وصولاً إلى المعتقلات، التي طاولتهم، كذلك خلال النقل من قسم أو سجن إلى آخر وخلال المحاكمات وزيارات المحامي، وحتى عند الإفراج. وعبرت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء إمكان استخدام محققي الأمن الداخلي (الشاباك) حجة "الإرهاب المحتمل" لتبرير عمليات التعذيب في حق المعتقلين الفلسطينيين، خصوصاً أن قانون هذا الجهاز يمنح الحصانة لعناصره عن أي عمل يقومون به في حدود عملهم، فيما حذرت المقررة الخاصة "المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة"، التي رصدت تحقيقات في ممارسات الاحتجاز الإسرائيلية في عام 2023، من أن "الانتهاكات المنهجية والمتفشية على نطاق واسع، التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين أثناء الاحتجاز وممارسات الاعتقال التعسفي على مدى عقود، إلى جانب غياب أي قيود من الدولة الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023، ترسم صورة مروعة يتيحها الإفلات المطلق من العقاب". في حين حذر عدد من الخبراء المستقلين في مجال حقوق الإنسان من أن "ممارسات التعذيب غير القانونية بصورة لا يمكن إصلاحها تشكل جرائم دولية، وهي جزء لا يتجزأ من طريقة عمل نظام الاعتقال والتعذيب الشهير في إسرائيل". وأضافت "تهدف هذه الممارسات إلى معاقبة الفلسطينيين على مقاومتهم الاحتلال، وتسعى إلى تدميرهم والقضاء عليهم فردياً وجماعياً". وبحسب ما هو معلن، تلقت وزارة العدل الإسرائيلية منذ عام 2001 حتى نهاية 2023 أكثر من 1400 شكوى في شأن التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين الفلسطينيين من جهاز "الشاباك"، ولم تسفر إلا عن فتح ثلاثة تحقيقات وعدم توجيه أي اتهام.

"سدي تيمان"

مع أن هذه الأوضاع المأسوية شملت كل المعتقلين في معظم السجون الإسرائيلية فإن معتقلي قطاع غزة، الذين اعتقلوا منذ السابع من أكتوبر، وخلال التوغل البري في القطاع، تعرضوا لظروف أسوأ وأقسى مما تعرض له بقية المعتقلين الفلسطينيين، ولا سيما في معسكر "سدي تيمان" التابع للجيش، لعل أكثرها شهرة ما كشفت عنه هيئة البث الإسرائيلية الرسمية في يوليو الماضي، من أن 10 جنود اعتدوا بالضرب المبرح على أسير من غزة لم تذكر اسمه في داخل المعسكر، إذ تعرض لإساءة جسدية وجنسية شديدة، أدت إلى نقله للمستشفى في حالة خطرة جداً، بينما احتجزت الشرطة العسكرية الإسرائيلية تسعة جنود شاركوا في هذه الإساءة، مما أثار غضباً كبيراً واحتجاجات بين الأحزاب اليمينية المتطرفة. ويحظر قانون القضاء العسكري الإسرائيلي لعام 1955 على الجنود الاعتداء على الأفراد الخاضعين لسيطرتهم، ويتعرض من تثبت إدانتهم بانتهاك القانون لعقوبة السجن لمدة ثلاثة أعوام في الظروف العادية، وسبعة أعوام إذا ارتكبت الانتهاكات في "ظروف مشددة".

ووفقاً للمدير التنفيذي للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل تال شتاينر، فإن الجيش يحتجز المعتقلين من غزة في ثلاثة مواقع اعتقال رئيسة، هي: عناتوت وعوفر في الضفة الغربية، إضافة إلى "سدي تيمان" الذي كشفت في شأنه تقارير صحافية مختلفة عن وقائع صادمة لعمليات التعذيب وإساءة المعاملة للمعتقلين داخله، شملت حرمانهم من حقوقهم القانونية في العرض على القاضي لمدد تصل إلى 75 يوماً، علاوة على منعهم من الوصول إلى محاميهم لمدة تصل إلى 90 يوماً. ووفقاً لجهات رسمية فلسطينية اعترفت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية أن عدد معتقلي غزة المصنفين بـ"المقاتلين غير الشرعيين" بلغ 1618 معتقلاً، مؤكدة أن "هذه المعطيات غير دقيقة ولا تشمل معتقلي غزة كافة، وتحديداً من هم في المعسكرات التابعة للجيش". وتحدثت جمعية "حقوق المواطن في إسرائيل"، وهي من بين خمس جمعيات حقوقية قدمت في مايو الماضي التماساً إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لإغلاق هذا السجن فوراً، وذلك بعد تحقيقات أفضت إلى أن ظروف الاعتقال في "سدي تيمان" متردية للغاية. وقالت الجمعيات في التماسها حينها إن "الكثافة رهيبة للمعتقلين داخل المعتقل، ينامون ويقضون حاجاتهم وعيونهم معصوبة وأياديهم مكبلة وينامون على فرشة رقيقة تفصلهم عن الأرض، ولا يوجد مكان للاستحمام، وفي بعض الأحيان يمنعون من الوصول إلى المراحيض ويستخدم بعضهم الحفاضات". وأشارت إلى "الجراحات التي تجرى من دون تخدير، مع احتجاز المعتقلين لأيام في أوضاع قاسية، وتكبيل أطرافهم بصورة أدت إلى بتر الأعضاء"، وأكدت أن المستشفى الميداني بجانب المعسكر "لا يقدم الحد الأدنى من الاحتياجات الطبية للمحتجزين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مضاعفات صحية

وكشف تقرير لشبكة "CNN" الأميركية عن وجود حالات أقدم فيها الأطباء على بتر أطراف بعض المعتقلين بسبب الإصابات الناجمة عن التقييد المستمر بالأصفاد، وهو ما أكدته أيضاً صحيفة "هآرتس" حين نشرت رسالة لطبيب إسرائيلي يعمل في المستشفى الميداني التابع لمعتقل "سدي تيمان"، وصف فيها الظروف التي تحيط بالمرضى بـ"المزرية"، مشيراً إلى عمليات "بتر روتينية" بسبب الإصابات التي خلفتها الأصفاد، إضافة إلى غياب الرعاية الملائمة في مرافق الاحتجاز التي أدت إلى مضاعفات صحية بين المرضى، وصولاً إلى الموت في بعض الأحيان. وكشف الطبيب في شهادته عن أن "جميع المرضى يكبلون بالأصفاد من أطرافهم الأربعة طوال اليوم مع تغطية أعينهم، بغض النظر عن خطورة حالتهم الصحية". وعلى وقع ضغوط المنظمات الحقوقية اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الاعتراف بقتل 36 فلسطينياً من غزة في معتقل "سدي تيمان" من بين 53 معتقلاً قتلوا جراء التعذيب منذ السابع من أكتوبر وإعلان إسرائيل الحرب على القطاع، في وقت تقول فيه بيانات الأمم المتحدة إن الرقم أعلى مما تكشف عنه وثائق الجيش الإسرائيلي. وأكدت منظمات أممية وحقوقية أن إعلان المكان كموقع الاحتجاز، وفقاً لقانون "المقاتلين غير النظاميين"، مشروط بإمكان ضمان ظروف احتجاز لا تمس بكرامة وصحة المعتقلين، وعلى تل أبيب أن تفي بالتزاماتها وفقاً للقانون الإسرائيلي والدولي. وبحسب ما ذكرته "هآرتس" في يوليو الماضي، فإن الحكومة الإسرائيلية أبلغت المحكمة العليا بأمر وجهه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنقل غالبية السجناء من "سدي تيمان" إلى سجون أخرى، وعندما تكتمل هذه العملية سيعود المعتقل لدوره قبل اندلاع حرب غزة كمنشأة للفحص الأولي للسجناء. وتنص لوائح قانون "المقاتلين غير الشرعيين" لعام 2002 بوضوح على تزويد السجناء بالطعام، واحتجازهم في ظروف صحية، وتلقي العلاج الطبي المناسب، وحصولهم على ترتيبات نوم كافية. وينص القانون أيضاً على السماح بزيارات الصليب الأحمر للمحتجزين في غضون ثلاثة أشهر، وإمكان الاتصال بمحام بعد 21 يوماً كحد أقصى.

"إرهابيون"

وعلى رغم كل التقارير الحقوقية والتحقيقات الصحافية وشهادات المعتقلين المفرج عنهم، التي تحدثت عن ظروف مأسوية يعانيها الفلسطينيون منذ بدء هذه الحرب في "سدي تيمان"، قالت صحيفة أخبار "بئر السبع والنقب" التي تصدر بالعبرية، نقلاً عن بن غفير الذي تسيطر وزارته على الشرطة ومصلحة السجون الإسرائيلية "إنه يعارض إغلاقه بشدة ويؤكد ضرورة بقاء الأسرى من مقاتلي ’حماس‘ فيه". ووصف التحقيق مع الجنود الإسرائيليين في سدي تيمان "بالمعيب"، وفي وقت سابق دعا بن غفير إلى إعدام السجناء الفلسطينيين بإطلاق الرصاص عليهم بدلاً من تزويدهم بالطعام.

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إنه منذ السابع من أكتوبر اعتقل أكثر من 4 آلاف شخص يشتبه في أنهم "إرهابيون"، وبينما اعتقل بعض منهم في إسرائيل في الأيام التي تلت الهجوم، اعتقل الغالبية العظمى منهم في غزة أثناء التوغل البري. ونفى الجيش الإسرائيلي، في بيان مطول أرسله إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حدوث "إساءة معاملة ممنهجة" في السجون والمعتقلات، واصفاً ما يتردد بهذا الشأن بأنها ادعاءات فردية "غير دقيقة أو لا أساس لها من الصحة على الإطلاق"، وربما "اختلقت تحت ضغط من حركة ’حماس‘".

المزيد من تقارير