Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

عيد اللاجئين في مصر... فرحة مغموسة بحنين العودة

يقضون العيد بعيداً من أسرهم وأقاربهم والبعض يعزز أحلام الرجوع بأداء ما تيسر من الطقوس والعادات

طفلتان سودانيتان تلعبان بأحد الشوارع الجانبية في محافظة الجيزة بمنطقة فيصل (رويترز)

ملخص

تحكي نازك التي أجبرتها ظروف الحرب الدائرة في السودان على الفرار من بلدتها بالخرطوم لمصر رفقة زوجها وأبنائها الخمسة قبل عام، أنها حرصت على استمرار العادات والطقوس التي اكتسبتها من أجدادها والتمسك بإقامتها في مصر، إذ فضلت شراء لوازم العيد منذ منتصف شهر رمضان لإقامة تلك الطقوس بالمنزل وتجهيز كمية كبيرة من المخبوزات تكفي لتوزيعها طوال أيام العيد، وكذلك من أجل توفير النفقات، لا سيما في ظل الكلفة الباهظة نظير شراء العلب الجاهزة في غالب المحال التجارية التي وصلت إلى أسعار مبالغ فيها

بمشاعر مختلطة بين حنين العودة إلى أرض الوطن والشعور بألم الفقد وقسوة الغربة، يقضي الشاب العشريني خالد ماهر، الذي اضطر إلى الفرار من بلدته بحي الشيخ رضوان في غزة قبل سبعة أشهر عقب اندلاع حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عيده الأول في مصر، وحيداً من دون أسرته وأقاربه وأحبابه.

بصوت يملأه الحزن، يقول الشاب الفلسطيني الذي يعول أسرة مكونة من زوجة وسبعة أبناء، ويقطن بحي مدينة نصر (شرقي القاهرة)، "أشعر بغصة في قلبي، لقضاء عيد الفطر بعيداً من أسرتي، كنا نحتفل به معاً، ونتشارك الطقوس المعتادة وأجواء العيد المبهجة، لكن حالياً أعيش وحيداً بين أربعة جدران، لا يوجد طعم لفرحة العيد". متسائلاً "أنا خال وعم لـ14 طفلاً، فلمن سأهدي العيديات؟ ولمن أصل الرحم؟".

يعود خالد بذاكرته إلى الوراء متذكراً أجواء وطقوس عيد الفطر بغزة قبل اندلاع الحرب، "استعدادات استقبال العيد في غزة كانت مبهجة، تجتمع الأسر في أواخر أيام رمضان لبدء عمل كعك العيد والمعمول بالتمر، ويتشارك فيه الكبير والصغير بالعائلة وسط أجواء مبهجة، كنا نشتري الملابس وكسوة الأطفال والكبار قبل العيد، وفي يوم العيد فجراً تبدأ تكبيرات العيد حتى شروق الشمس وتبدأ ربات المنازل بتحضير الإفطار المكون من الفسيخ والجبن البيضاء بالطماطم والدقة والزعتر الفلسطيني وزيت الزيتون الأيقوني ويبدأ الأطفال بتكبيرات العيد في ميكروفون المسجد وبعد انتهاء الصلاة يبدأ الجيران بتهنئة بعضهم وتوزيع الهدايا على الأطفال في المسجد".

وعن طقوسه في مصر يقول خالد، "تقتصر على شراء لوازم العيد مثل الكعك والحلوى، والذهاب لأداء شعائر صلاة العيد، ثم الخروج للتنزه أو الذهاب لأحد المطاعم لتناول إحدى الوجبات المفضلة، من دون الحاجة إلى شراء ملابس جديدة لعدم وجود زيارات عائلية أو صلة رحم".

وتقدر بيانات حكومية رسمية أعداد الأجانب الموجودين في مصر بأكثر من 9 ملايين من 133 دولة، ما بين لاجئ وطالب لجوء ومهاجر ومقيم، يمثلون 8.7 في المئة من تعداد السكان الذي تجاوز 107 ملايين نسمة.

أجواء متشابهة ولكن

في منزل تفوح منه روائح البخور والعطور السودانية الممزوجة بروائح البن الأفريقي وعلى أصوات الأغاني السودانية بمنطقة المهندسين بالجيزة، تجلس السيدة الأربعينية نازك توفيق رفقة شقيقتها "فريدة" وبعض أقرانها من السودانيات المقيمين معها لتجهيز وتحضير حلوى عيد الفطر من كعك وبسكوت ومخبوزات لتوزيعها على أبناء الجالية السودانية بالمنطقة كأحد الطقوس المعتادة ابتهاجاً بقدوم عيد الفطر.

تحكي نازك التي أجبرتها ظروف الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" على الفرار من بلدتها بالخرطوم لمصر رفقة زوجها وأبنائها الخمسة قبل عام، أنها حرصت على استمرار العادات والطقوس التي اكتسبتها من أجدادها في السودان والتمسك بإقامتها في مصر، إذ فضلت شراء لوازم العيد منذ منتصف شهر رمضان لإقامة تلك الطقوس بالمنزل وتجهيز كمية كبيرة من المخبوزات تكفي لتوزيعها طوال أيام العيد، وكذلك من أجل توفير النفقات، لا سيما في ظل الكلفة الباهظة نظير شراء العلب الجاهزة في غالب المحال التجارية التي وصلت إلى أسعار مبالغ فيها.

 

تمضى نازك، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "أجواء عيد الفطر في مصر والسودان متشابهة نوعاً ما، وإن كانت أفضل نسبياً في الخرطوم، بسبب لمة الأقارب والزيارات العائلية وتبادل الهدايا ومنح الأطفال العيديات والخروج للمتنزهات وشراء الملابس الجديدة والخروج للأماكن الفسيحة لشي اللحوم وإقامة جلسات القهوة التي نعدها موروثاً ثقافياً وشعبياً، ونتبادل خلاله السمر والأحاديث والنقاشات، وأشعر بالضيق كلما راودتني ذكريات العيد في بلدي وأنتظر الفرصة السانحة للعودة للوطن مجدداً".

وفي مارس (آذار) الماضي، أعلن مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، في تقريره الشهري حول الاستجابة للأزمة السودانية، أن أعداد السودانيين الذين سجلوا لطلب اللجوء إلى جانب السودانيين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية في مصر وصل إلى 656 ألف لاجئ وطالب لجوء سوداني حتى 22 فبراير (شباط) الماضي بنسبة وصلت إلى 71 في المئة من أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء المقيمين في مصر.

وفي أبريل (نيسان) من عام 2024، أعلن رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي أن مصر تستضيف 9 ملايين وافد من المنطقة العربية والدول الأفريقية، بسبب الحال الأمنية في تلك البلدان. موضحاً أن كلفة استضافتهم تصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، وتتحمل هذه الكلفة الحكومة رغم الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر.

اقرأ المزيد

ذكريات عالقة

أيضاً لم يتخلَ عدي لطيف الجبوري (41 سنة)، عراقي الجنسية، الذي فر من بلدته بغداد في أعقاب اندلاع الأحداث الطائفية عام 2006 بصحبة زوجته فحسب، عن طقوسه وعاداته التي ورثها عن آبائه وأجداده بالعراق ويحرص دائماً على إقامتها في مصر.

يقول عدي الذي يملك شركة خدمات برمجة ويقطن مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة)، "حاولت منذ مجيئي إلى القاهرة إضافة جزء من الطقوس العراقية لأجواء العيد المبهجة في القاهرة". موضحاً أن طقوس العيد في القاهرة أصبحت تقتصر على الزيارات العائلية المحدودة للأقارب المقيمين في مناطق مجاورة وإهداء الأطفال العيديات والهدايا والسفر للاستمتاع بإحدى المدن الساحلية، علاوة على تحضير الأكلات العراقية الشهيرة مثل "المعلاك "الكبدة" و"كليجه" الحلوى العراقية بالتمر، وسمك المسكوف، ومشاوي "تكا" العراقية.

رغم استمتاع عدي بأجواء العيد بالقاهرة، فإن حلم العودة إلى الوطن لا يزال يراوده، وينتظر اللحظة التي تستقر فيها الأوضاع ببغداد ليعود مجدداً لقضاء العيد وسط أسرته وأقاربه وأصدقائه.

 

من مدينة 6 أكتوبر إلى حي المعادي (جنوبي العاصمة المصرية القاهرة)، حيث تقطن السيدة الستينية رنا موصللي، سورية الجنسية، التي تقضي عيدها الخامس بالقاهرة، رفقة زوجها ونجليها وعدد من أفراد أسرتها القاطنين معها في محيط الحي.

رغم استقرار السيدة الستينية في مصر قبيل أعوام عدة، فإن أجواء وطقوس عيد الفطر في سوريا لا تزال عالقة في أذهانها، تقول "فارق كبير بين أجواء العيد في مصر وسوريا، لدي شوق وحنين لقضاء تلك الأجواء في بلدي، وأتذكر حينما كان الأب يصطحب أبناءه للذهاب للحمام البلدي للاستحمام، وارتداء الملابس الجديدة، بينما تقوم السيدات بتحضير إفطار العيد، الذي يشمل أشهى الأكلات السورية، مثل وجبة المنسف السوري (لحوم وأرز وفريك)، إضافة إلى حلوى العيد (المعمول وأقراص بعجوة وكعك وكرابيج)، يعقب ذلك زيارة المقابر لقراءة الفاتحة على المتوفين من أبناء العائلة ثم التجمع في منزل الأجداد لإهداء الأطفال العيديات وتستمر تلك الطقوس المبهجة طوال أيام العيد".

وفق رنا، فإن طقوس الاحتفال بعيد الفطر في مصر أصبحت تنحصر في يوم الوقفة وأول أيام العيد من خلال زيارات الأشقاء والأقارب وشراء علب حلوى الكعك الجاهزة لإهدائها للزائرين، ومنح أطفال العائلة العيديات من الأموال الفكة الجديدة التي نقوم بشرائها من البنوك وتنتهي تلك الطقوس مع نهاية اليوم الأول فقط.

التكيف مع الأجواء

في السياق ذاته، عبر الرجل الأربعيني أسامة اللبيب، ليبي الجنسية، عن سعادته بقضاء احتفالات عيد الفطر بالقاهرة. يقول اللبيب، الذي يملك أحد مراكز التجميل ويعمل في مجال العقارات ويقطن منطقة التجمع الخامس (شرقي العاصمة المصرية)، إنه اضطر إلى الفرار من بلدته بطرابلس في ليبيا عقب اندلاع الاشتباكات بين ائتلاف المجموعات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق الوطني، وقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر عام 2019، برفقة زوجته وبناته الثلاث تاركاً باقي أفراد عائلته وممتلكاته.

 

يوضح الرجل الأربعيني أنه لم يشعر بالغربة في مصر نظراً إلى كون والدته مصرية الجنسية، وكان يأتي للقاهرة كل صيف لقضاء الإجازة والاستمتاع بأجوائها الجذابة قبل أن يستقر فيها بعد تدهور الأوضاع السياسية في ليبيا، مردفاً "تراودني ذكريات الحنين للعودة إلى بلدي وتجمع الأهل والأقارب في الأعياد والمناسبات، لكن أفضل شخصياً أجواء العيد حالياً في القاهرة بسبب تنوع أماكن التنزه والسفر والزيارات أكثر منها في ليبيا".

وعن طقوسه في عيد الفطر بمصر، يقول الليبب إنه يعشق السفر رفقة أسرته كل عيد فطر، مفضلاً زيارة إحدى المدن الساحلية مثل شرم الشيخ أو الغردقة أو دهب. موضحاً أنه رغم كلفة الأسعار العالية مقارنة بالأعوام الماضية فإنه يحاول التكيف معها لعدم التخلي عن الطقوس التي اعتادها.

وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019 ضمن فاعليات النسخة الثالثة من منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، أن مصر تعد اللاجئين الموجودين على أراضيها ضيوفاً أياً كان عددهم، قائلاً "إنه لا توجد معسكرات لإيواء اللاجئين على أراضي مصر، لأنهم يعاملون أفضل معاملة وغير مقبول أو مسموح بالتعامل معهم بشكل سلبي، فهم يمتلكون شركات وتجارة وأعمالاً في مصر على أفضل ما يكون".

المزيد من تحقيقات ومطولات