Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الحرب تفرغ الخرطوم من معدن النحاس وتحطم مرافق الكهرباء والمياه

قررت السلطات إيقاف الأنشطة التجارية العشوائية في الشوارع الرئيسة وضرورة التزام القوانين

قال المهندس عزالدين الإمام إن أطناناً من النحاس الخاص بشبكات الكهرباء في السودان تمت سرقتها بصورة ممنهجة (اندبندنت عربية – حسن حامد)

ملخص

سرقة النحاس آفة مزمنة في البلاد ويمتلك السودان أكثر من 10 مناجم للنحاس، وسبق أن أعلنت الحكومة السودانية وجود أكثر من 30 نوعاً من المعادن بكميات كبيرة في مناطق مختلفة من البلاد.

وتقدر مصادر حكومية احتواء منجم "أوتيب" في شرق السودان على أكبر احتياط من النحاس في العالم، ويقدر بنحو 5 ملايين طن، إلى جانب معدني الذهب والزنك.

أفرغت الحرب العاصمة السودانية الخرطوم، بنسبة كبيرة، من أي أثر لمعدن النحاس، وشكل هوس سرقته ظاهرة كأنها حرب أخرى داخل الحرب نفسها، مما حول الخرطوم إلى منجم كبير لتعدينه في ظاهرة أتت على كل مادة تحتويه، وانتزع هذا المعدن من كابلات توصيل الكهرباء النحاسية فضلاً عن تدمير كثير من محولات محطات الكهرباء، مما أرخى بتداعياته على قطاعي الكهرباء والمياه في العاصمة.

هوس النحاس

في السياق قال المهندس عزالدين الإمام إن أطناناً من النحاس الخاص بشبكات الكهرباء في السودان سُرقت بصورة ممنهجة "مما يفسر مدى الخراب الهائل الذي لحق بشبكات نقل الكهرباء ومحولاتها بخاصة المحطات الرئيسة، إذ حُطم كل جزء يدخل النحاس ضمن مكوناته"، وأضاف الإمام "الحرب أدت إلى عمليات سرقة كابلات الكهرباء واستخراج معدن النحاس من داخلها وتجميعه وبيعه لتجار الخردة، وكذلك حفر الأرض لاستخراج الكابلات النحاسية من محطات المياه بما فيها المحولات وكوابل الكهرباء"، ووفق الإمام "فإن النحاس المسروق يُصهر في أفران مخصصة لذلك أو أحياناً بطرق تقليدية قبل أن يُباع لتجار الخردة، ومن ثم يجد طريقه إلى مدينة بورتسودان حيث يباع بأسعار زهيدة لا تتجاوز 500 دولار للطن الواحد، ليُصدر لاحقاً إلى الخارج حيث يصل سعر الطن هناك إلى 6 آلاف دولار".

وقال شاهد عيان إنه بحكم وجوده في الخرطوم، فإن سرقة الكابلات بدأت من خلال بعض العصابات المحلية "لكن عندما اكتشف قوات ’الدعم السريع‘ الدخل الذي تدره أصبحت تفرض إتاوات مقابل اجتذاب مزيد من لصوص النحاس".

 

شبكات متخصصة

وكانت قوات العمل الخاص بسلاح المهندسين في أم درمان قد تمكنت من ضبط عصابة تخصصت في سرقة كابلات النحاس من محولات ومحطات الكهرباء. ودعا والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية المتخصصة لضبط ضعاف النفوس من أجل الحفاظ على الممتلكات العامة "بخاصة تلك التي تعنى بتوفير الخدمات"، وأشار إلى الأضرار الناتجة من التخريب المتعمد للاقتصاد القومي، لافتاً إلى أن "محولات الكهرباء تكلف خزانة الدولة مبالغ طائلة لتوريدها من الخارج"، وتعهد بدعم قدرات الأجهزة الأمنية وتوفير الإمكانات التي تعينها للحفاظ على الأمن وسلامة المواطن.

وقالت شعبة الاستخبارات التابعة للجيش بأم درمان إن المتهمين يعملون على سرقة أسلاك النحاس من محطات الكهرباء، وإن الكمية محل البلاغ تقدر بـ4 أطنان إضافة إلى ضبط عدد من الأسلحة والذخائر إلى جانب حواسيب آلية.

التجارة العشوائية

وتمكنت الأجهزة الأمنية بولاية نهر النيل من ضبط كميات من النحاس بغرض تهريبها، مبينة أن النحاس المضبوط مستخلص من معدات كهربائية وكوابل صناعية، مما يعتبر عملاً تخريبياً ممنهجاً يستهدف تخريب البنية التحتية للدولة.

وفي إطار تنظيم المدن وتطبيق اللوائح، قررت سلطات ولاية الخرطوم إيقاف الأنشطة التجارية العشوائية كافة في الشوارع الرئيسة وضرورة التزام القوانين المنظمة للأسواق. ووجهت لجنة أمن ولاية الخرطوم باستكمال تكوين الخلية الأمنية المشتركة بمحلية الخرطوم، وتفعيل عمل لجان الأمن في المحليات لتعزيز الأمن والاستقرار في الولاية.

وقررت لجنة أمن الولاية السماح للمواطنين بالمرور عبر جسر النيل الأبيض وفق ضوابط أمنية صارمة لتعزيز الانضباط، وأشادت بمستوى تنفيذ الخطط الأمنية خلال عطلة عيد الفطر، وجهود الخلية الأمنية بشرق النيل بعد تمكنها من ضبط ماكينات طباعة العملة وعد النقود.

 

اتهامات بالتواطؤ

في الأثناء اتهم وزير الصناعة السابق مبارك الفاضل جهات رفيعة المستوى في البلاد، من دون تسميتها، "بمنح استثناءات لبعض مصدري خام النحاس الذي سُرق من كوابل الكهرباء بواسطة قوات ’الدعم السريع‘"، على رغم أن هناك قراراً سابقاً من مجلس الوزراء المكلف وقف تصدير النحاس بعد تدخل الأمن الاقتصادي.

وطالب الفاضل بضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد التجار الذين صدروا النحاس المسروق، مع محاكمتهم بتهمة تسلم المال المسروق، في مقابل استعادة كل العائدات التي حصلوا عليها جراء عمليات التصدير وإعادتها إلى خزانة شركة الكهرباء لاستخدامها في شراء كابلات بديلة، واعتبر أن معالجة هذه المسألة تتطلب التعاون والتنسيق بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني لضمان عدم تكرار مثل هذه السرقات في المستقبل.

ورأى الفاضل أن الأمر يتطلب إلقاء القبض على مصدري النحاس عبر ميناء أو مطار بورتسودان "والكشف عن العصابة التي تتولى هذه الجريمة الشنيعة، لأن كمية الكابلات المسروقة كبيرة جداً، وفي مناطق واسعة تكاد تشمل كل محطات الكهرباء والمياه، وحتى الكوابل في المنازل، إذ حُفرت الشوارع التي توصل الكهرباء للمناطق والأحياء السكنية".

اقرأ المزيد

بلاغات ومناشدة

إلى ذلك كشف رئيس اتحاد أصحاب العمل السوداني ياسر الجميعابي عن عزم الاتحاد "فتح بلاغات ضد عصابة آل دقلو (في إشارة إلى الدعم السريع) بنهب القطاع الصناعي والتجاري والزراعي وتخريب البنية التحتية للبلاد"، مبيناً أن سعر طن النحاس المنهوب يبلغ مليار جنيه سوداني (الدولار يعادل 2600 جنيه سوداني في السوق الموازية) في ولاية الخرطوم، و10 مليارات جنيه في مدينة عطبرة، و50 مليار جنيه عند الحدود المصرية. وأوضح الجميعابي، خلال ورشة عمل نظمها الاتحاد في شأن التهرب الجمركي أن القطاع الصناعي في البلاد نُهب وحُطمت البنية التحتية له من خلال سرقة النحاس والألمنيوم من كابلات الكهرباء الحكومية والمصانع، إلى جانب نهب آلات ومعدات الإنتاج في مناطق سيطرة "الدعم السريع" في المناطق الصناعية جنوب الخرطوم والخرطوم بحري وكذلك في أم درمان. وناشد رئيس اتحاد أصحاب العمل السوداني مجلس السيادة الانتقالي تكثيف جهود مكافحة تهريب النحاس وشن حملات شاملة لمداهمة وضبط المتورطين ومحاكمتهم، لافتاً إلى انتشار كميات كبيرة من النحاس والألمنيوم والحديد والزنك في أسواق مدن عطبرة وشندي وأم درمان بغرض التصدير، نتيجة استمرار نهب المصانع وسرقة النحاس من كابلات وأسلاك الكهرباء.

آثار وتعقيدات

وطالب مصدر هندسي بضرورة إجراء تحقيق عاجل لكشف المتورطين ووقف استنزاف البنية التحتية للبلاد، لافتاً إلى أن عمليات سرقة وتهريب النحاس في الخرطوم ومناطق أخرى كانت تتم بصورة منظمة، وحذر، في الوقت عينه، من أن التداعيات الاقتصادية لاستمرار تخريب مقدرات مرافق الخدمات والمصانع بغرض سرقة وتهريب النحاس لا تقف عند خسارة فقدان معدن النحاس وحسب، لكنها ستقود إلى انهيار كبير في منظومة المؤسسات والشركات الخدمية بصورة يصعب التعافي منها في وقت قريب، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً لمواجهتها والتعامل معها بالجدية اللازمة من قبل السلطات.

ظاهرة سرقة المصانع

ومنذ بداية الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منتصف أبريل (نيسان) 2023، انتشرت ظاهرة سرقة المصانع ومحولات وكابلات الكهرباء بغرض الحصول منها على النحاس، وتمكنت الأجهزة الأمنية المتخصصة من ضبط آلاف الأطنان من النحاس المسروق وهي معدة ومجهزة بغرض تهريبها إلى خارج البلاد، ويعتبر تهريب النحاس من الأنشطة الشائعة عالمياً وفي أفريقيا على وجه التحديد، ولا سيما في النزاعات.

منجم "أوتيب"

ويمتلك السودان أكثر من 10 مناجم للنحاس أشهرها منجم حفرة النحاس في ولاية جنوب دارفور، إلى جانب ولايتي غرب وشمال دارفور وإقليم النيل الأزرق، كذلك يوجد النحاس في مناطق عدة بجبال البحر الأحمر وغرب السودان.

وسبق أن أعلنت الحكومة السودانية وجود أكثر من 30 نوعاً من المعادن بكميات كبيرة في مناطق مختلفة من البلاد.

وتقدر مصادر حكومية احتواء منجم "أوتيب" في شرق السودان على أكبر احتياط من النحاس في العالم، ويقدر بنحو 5 ملايين طن، إلى جانب معدني الذهب والزنك.

المزيد من متابعات