خالفت الدوحة مجددا الموقف العربي السائد على المستويين الرسمي والشعبي، بإعلانها تأييد الهجوم العسكري التركي على شمال وشرق سوريا، وذلك في تكرار لاصطفافها بجانب القوى الإقليمية غير العربية، والذي بات أكثر وضوحا منذ أزمة مقاطعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين ودول أخرى لقطر في يونيو (حزيران) 2017، وحتى اليوم. ووصفت بعض الدول العربية العملية العسكرية التركية بـ "الغزو" إلى جانب دول ومنظمات غربية مما دفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تهديد أوروبا بورقة اللاجئين مجددا.
وخلال مكالمة هاتفية مع نظيره التركي خلوصي أكار، أعلن وزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية، الذي تستضيف بلاده قاعدة عسكرية تركية ، دعم بلاده للعملية العسكرية التي تقوم بها أنقرة في سوريا، التي لاقت تنديداً عربيا دولياً واسعاً.
ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية عن وزارة الدفاع التركية، أن الوزير خلوصي أكار مدّ نظيره القطري بمعلومات عن العملية التي انطلقت الأربعاء، في مناطق شرق الفرات السورية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، وذكر الوزير التركي أن "العملية تأتي في إطار حقوق تركيا النابعة من القانون الدولي"، و"الحق المشروع في الدفاع عن النفس".
وامتنعت الدوحة عن شجب العملية العسكرية التركية، أو حتى الدعوة إلى "ضبط النفس"، حيث أجرى أمير قطر تميم بن حمد اتصالا هاتفيا بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد ساعات من انطلاق العملية، "تم خلاله استعراض العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين وسبل دعمها وتعزيزها"، إضافة إلى مناقشة آخر التطورات الإقليمية والدولية "لا سيما مستجدات الأحداث في سوريا"، حسبما ذكرت وكالة الأنباء القطرية نقلا عن الديوان الأميري.
الدوحة تؤيد الاعتداءات التركية منذ سنوات
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تدعم فيها الدوحة التدخلات العسكرية التركية في المنطقة العربية، حيث تكرّر نفس الموقف من دعم الميليشيات المسلحة المسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، فيما سبق أن تحفظت الدوحة في عام 2015 على البيان الصادر من الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك، نبيل العربي، بشأن استنكار جامعة الدول العربية للقصف التركي على مناطق في شمال العراق، مؤكدة دعمها للإجراءات التركية.
واعتبرت أن ذلك يأتي في إطار "حق تركيا في الدفاع عن نفسها والقضاء على مصادر التهديد"، في إشارة لاستهداف أنقرة لما تصفه بالعناصر الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، مشددة على "تضامن دولة قطر الكامل مع الجمهورية التركية الشقيقة فيما تتخذه من إجراءات وتدابير لحماية حدودها وحفظ أمنها واستقرارها"، بحسب بيان كان الأول من نوعه في الاصطفاف بجانب أنقرة ضد مواقف وثوابت جامعة الدول العربية من العدوان على أي من الدول الأعضاء، بحسب مصدر دبلوماسي مسؤول بالجامعة العربية تحدث لـ"اندبندنت عربية"، وطلب عدم ذكر اسمه، موضحا أن منذ ذلك التوقيت "دأبت قطر على تسجيل تحفظاتها على قرارات الجامعة العربية التي تدين التدخلات العسكرية التركية في سوريا والعراق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدوره، قال السفير محمد المنيسي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وسفير مصر لدى قطر سابقا، أن الموقف القطري غير مستغرب في ضوء التحالف القائم مع تركيا بهدف حماية النظام القطري، مضيفا "موقف الدوحة يتفق مع وضع القوات التركية الموجودة في الأراضي القطرية، والتي تعد ضمانة أمنية لأمير قطر لعدم إطاحته، وهو جزء من سياسة استقواء قطر بالخارج وتحالف النظام القطري بقيادة تميم مع أردوغان في مختلف الملفات الإقليمية التي تخالف إجماع الدول العربية الرئيسة التي تقاطع الدوحة بطبيعة الحال".
وشدد على أن هذا الموقف يخالف الإجماع الدولي والعربي الشامل للعملية العسكرية التركية، حيث أعربت الدول الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا وحتى إيران عن معارضة العملية العسكرية، "فما بالنا بمخالفة الدوحة للموقف العربي أيضا، وعندما تشذ دولة عربية عن هذا الإجماع العربي والدولي وتعلن دعمها لاحتلال تركيا لشمال سوريا، فإن ذلك يعني أنها دولة تستقوي بالخارج على حساب الأمن القومي العربي".
وتابع "يمثل الدعم القطري لتركيا دعما للإرهاب، لأن ما تقوم به القوات التركية في شمال سوريا ليس فقط غزوا عسكريا لقوات عسكرية نظامية، ولكنه يتم أيضا عبر عناصر وميليشيات متطرفة مدعومة من أنقرة بغرض إحداث هندسة ديموغرافية وتطهير عرقي، وهو عمل من أعمال الإرهاب اعتمادا على عناصر مسلحة متطرفة لا يختلفون كثيرا عن الإرهابيين التابعين لداعش وجبهة النصرة وتنظيم القاعدة الموجودين في هذه المنطقة، وهذا سر إطلاق الرئيس التركي وصف (الجيش المحمدي) على تلك القوات".
وأصدرت مصر والسعودية والإمارات والبحرين والعراق والجزائر ولبنان، بالإضافة إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة، بيانات رسمية رافضة للعملية العسكرية التركية.
فيما عقد مجلس الأمن اجتماعا طارئا اليوم، أكد رفض تلك "التحركات الأحادية"، ويعقد مجلس جامعة الدول العربية يوم السبت المقبل اجتماعا طارئا لبحث الهجوم التركي على سوريا، وسط توقعات بحرب كلامية خلال الاجتماع الذي ستشارك به قطر المؤيدة للعملية العسكرية التركية وسط رفض عربي شامل.