في تحول مفاجئ، استخدمت قوات الشرطة الجزائرية "القوة" في التعاطي مع مسيرة الطلاب في العاصمة، التي تشهدها أيضاً، مختلف مناطق البلاد كل ثلاثاء، وتمكنت للمرّة الأولى منذ 22 فبرارير (شباط) الماضي، من منع ما بات يُطلق عليه "حراك الطلبة"، وتوقيف عدد من الاشخاص قبل إطلاق سراحهم، وسط استغراب من "تصعيد" وتخوف من "انزلاق".
منع مسيرة الطلبة
صُنّفت أحداث مسيرة الطلبة الأخيرة ضمن المخطط الجديد للنظام المؤقت بغية الوصول إلى 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وفي وقت تطلع الجميع إلى تدابير تهدئة، غيّر النظام طريقة تعامله مع الواقع، وبات يواجه حراك الطلبة بمنع مسيرات الثلاثاء، ما دفع الطلاب إلى التصعيد في الشعارات والهتافات، مثل "نحن طلاب ولسنا إرهابيين" و"دولة مدنية وليست بوليسية" و"يا قايد صالح لا انتخابات هذا العام" و"لن تمر هذه الانتخابات لأنها تزوير وتزييف"، لترد قوات الأمن باعتقال العشرات بعد محاولاتهم المقاومة وتنظيم المسيرة.
في المقابل، يدعو الإعلامي محمد دلومي، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، للعودة إلى تعامل الهيئات الأمنية مع الحراك عند بداياته، "حين كان الحراك يشبه كثيراً تلك الثورات المخملية التي تلاحم فيها الشعب وقوات الأمن"، متسائلاً "ما الذي حدث بعد كل هذه المشاهد؟".
ويقول إنّ أصحاب الأجندات والمحسوبين على النظام السابق اخترقوا الحراك وبدأوا بمحاولات بائسة لخطفه، إذ أرادوا أن يبرزوا كممثلين للحراك من خلال استغلال وسائل إعلام كانت "تغرف" من ريع "العصابة وأذنابها"، غير أنهم فشلوا وشهد الجميع كيف طردت وجوه الدولة العميقة.
شيوخ وشخصيات "مشبوهة" في حراك الطلبة؟
ويشدد دلومي على أنه بعد محاولات الاختراق الفاشلة، شرعت المجموعة في استغلال الطلبة كل يوم الثلاثاء، وهنا بدأ الانحراف، وانتهى الحراك بعدما ظهرت المطالب الأيديولوجية والفئوية والجهوية، ورفع رايات حركة "الماك" الانفصالية، وشعارات ضد الجيش وحتى ضد قوات الأمن، ما صار يتكرر في مسيرات الطلبة، موضحاً أنّ "الغريب في تظاهرات الطلبة، أنها جمعت وجوهاً تعدت العقد الرابع من العمر، ما يدفع إلى التساؤل حول علاقة هؤلاء بالطلبة؟".
ويشير إلى أن غالبية الذين يظهرون في حراك الطلبة أو يتكلمون باسمهم هم من جمعيات "مشبوهة"، كجمعية "راج" وأخرى ممن طالبت البرلمان الأوروبي بالتدخل في الشأن الجزائري، إضافةً إلى محامين، أوكل إليهم الدفاع عن "العصابة"، وهؤلاء يحاولون في كل مرة استفزاز قوات الأمن بشعارات تخدش الكرامة وتهين موظف الأمن وحتى مؤسسات الدولة كمؤسسة الجيش التي وُصفت بالعمالة من خلال اتهام قائد الأركان بذلك، ما يؤكد خروج الحراك عن مساره وتجاوز مطالب الشعب التي رفعها في بداياته.
برلمانية فرنسية في مسيرة الثلاثاء؟
المتحدث الرسمي باسم الحكومة الجزائرية حسان رابحي، أكد أن "أطرافاً مغرضة كانت وراء دخول البرلمانية الفرنسية إلى الجزائر والسماح لها بالمشاركة في مسيرات الحراك الشعبي"، قائلاً إن "مجيء النائب الفرنسية ماتيلد بانو إلى الجزائر كان بهدف التشويش على الوضع الداخلي، والتدخل في شؤون جزائرية خالصة". وشدّد على أن "الجزائر لن تسمح لأي طرف بالمساس بسيادتها ووحدة ترابها، وترفض رفضاً قاطعاً تدخل أي طرف أجنبي في شؤونها الداخلية".
وكانت مصالح الأمن الجزائرية أوقفت، الثلاثاء الماضي، النائبة بانو، عضو البرلمان الفرنسي، وسط مدينة بجاية، شرق الجزائر، بعد مشاركتها في مظاهرة للطلبة ضمن الحراك الشعبي، وطالبتها بالمغادرة إلى العاصمة، ومنها إلى فرنسا.
الإفراج عن الطلبة المعتقلين
من جهتها، ترى أستاذة العلوم السياسية فريدة روطان، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الاعتقالات والتضييقات ستزيد الأوضاع تعقيداً، موضحةً أنه على السلطات تأمين الطابع السلمي للمظاهرات، لأن أي عنف من الطرفين قد يدفع البلاد إلى الفوضى، الأمر الذي لا يخدم الاستحقاق الانتخابي.
وتضيف أنه بات من الضروري زرع الثقة وتقديم ضمانات للمتظاهرين بدل التضييق عليهم، خصوصاً أن نفسية الناخبين محبطة لاعتبارات عدّة، أولها عدم شفافية ونزاهة أعضاء سلطة تنظيم الانتخابات، والمصداقية "المهزوزة" لبعض المترشحين الذين سحبوا الاستمارات.
وأفرجت السلطات العمومية عن الطلاب الذين اعتقلتهم الثلاثاء، باستثناء واحد فقط، بقي رهن الحبس الاحتياطي، وفق ما أعلنت لجنة إطلاق سراح المحتجزين، وهو ليس طالب جامعي.
ونظم العشرات من طلبة جامعة العلوم التكنولوجية "هواري بومدين" في الجزائر العاصمة، وقفة احتجاجية تنديداً بقمع مسيرة الطلبة واعتقال عدد منهم قبل إخلاء سبيلهم، إذ تجمعوا إلى جانب بعض الأساتذة أمام مداخل الجامعة، وسط وجود أمني كثيف، وذلك للتنديد بتعرّض زملائهم لـ"القمع والاعتقال"، على هامش مسيرة الثلاثاء الـ33.
دعوات إلى التهدئة
يدعو البرلماني خوجة الأرقم، جميع الأطراف إلى تفهم حساسية الوضع، واللقاء على كلمة سواء قوامها الاعتراف بالحق بالتظاهر السلمي، والابتعاد عن المناكفات التي تتسبب في الإضرار بالجزائر، واتخاذ إجراءات طمأنة لضمان نزاهة وشفافية الاستحقاقات الانتخابية، ومن ذلك، تنحي الوزير الأول باعتباره من أبرز رموز العهد البائد ومطلب إجماع، ومن ثم تسليم الجميع بحق الشعب في اختيار حكامه، وكتحصيل حاصل التسليم بحق الغالبية في أن تحكم وحق الأقلية في الوجود والطموح لأن تحكم يوماً ما. وقال إن رهان السلطة وشريحة واسعة من الجزائريين والفاعلين السياسيين هو التوجه إلى صناديق الاقتراع، وكل ما يعطّل ذلك مرفوض، و"يبدو، ربما لمعطيات لا نعرفها، اتُّخذ قرار بإخلاء الشارع، ونأمل في ألاّ يواجه بردود أفعال مماثلة".