هناك لحظات لا حصر لها من المجد يمكنك انتقاءها من حياة ليونيل ميسي في محاولة لتوضيح عبقريته في المراوغة، لكنها أمثلة أكثر روعة من أن يتم تفسيرها.
ويقول مصدر من برشلونة، "حتى في التدريب، لا يمكنك الاقتراب منه، إنه أمر مضحك في بعض الأحيان لأنه جيد بجنون".
الفكرة في الأمر أن هذا مجرد تدريب، هو أمر يحدث كل يوم، وهذا هو ما يجب أن تعرفه عندما يتعلق الأمر بميسي، ولماذا هو الأفضل، ليس فقط في القرن، ولكن ربما في كل العصور.
لقد جعل كل شيء لافتاً للنظر مجرد أمر روتيني، فعند مشاهدته في أي مباراة يُنتج ميسي الكثير من اللعب التي ستكون أبرز ما يميز أي شخص آخر إذا كان قادراً عليها، أمَّا بالنسبة له فإنها مجرد لحظة أخرى من اللعبة، ويكاد يكون المستوى التالي خارج الحسبة.
وينطبق هذا التميز اليومي على كل عنصر من عناصر مستوى لعبه تقريباً، فبالنظر إلى القدرات التي يمكن أن يعتبرها الأفضل حقاً، وليس فقط في اللعبة حالياً بل في كل وقت، بداية من قدرته على تسجيل الأهداف من ركلات حرة دقيقة بشكل خيالي، بدرجة من الكمال تبدو مستحيلة، إضافة إلى السهولة التي يهزم بها الكثير من أفضل المدافعين، وبالطبع أسلوبه في التسجيل، فهو لديه ثلاثة أنواع محفوظة من التسجيل يمكن التوقيع عليها باسمه، مثل رفع الكرة من فوق الحراس ومراوغتهم بطرق سحرية أو التسديد الدقيق في ركن المرمى.
ومع كل هذا الكمال، يكون ميسي أكثر عمقاً وجوهرية وسامية.
وبالنظر إلى كيفية لعب ميسي في الواقع، فلا يوجد الكثير من التفاصيل، ليس هناك أبداً لمسة إضافية ضرورية، فطريقه إلى ما يريد القيام به هو أبسط طريق، لأنه أكثر منطقية، والأهم من ذلك كيف يسحبهم، وهذا ينطبق على كيفية فوزه على المنافسين، وكيف يمر فهو لا يحتاج إلى الالتفاف أو أكثر من ذلك، هو ببساطة قادر على المرور، ما عليك إلا أن تفكر في هدفه في نهائي دوري أبطال أوروبا 2011 ضد مانشستر يونايتد، أو الدقة الدقيقة في تمريره لغونزالو هيجوين في دور الثمانية لكأس العالم 2014 ضد بلجيكا.
وهذا كله لأننا نتحدث عن لاعب يتحكّم في الكرة بكل مهارة ويمكنه رفع وتيرة اللعب أو تخفيضه، وقدراته الأساسية هي كل شيء بامتياز، أو كما قال المدير الفني السابق لفريق ريال بيتيس، كيكي سيتين، لـ"اندبندنت": "إنه كرة القدم".
ويضيف سيتين "إنه مهارة نقية، وهو ليس شيئاً واحداً فقط، إنه كل شيء".
"عندما يكون لديك لاعب كرة قدم كهذا، يمكنه القيام بذلك بمفرده، لا يوجد شيء يمكن قوله، سوف يقول باقي اللاعبين الـ10 فلنتركه يفعل ما يريد، سوف يجعلنا أفضل وسنفوز بالمزيد من المباريات".
وقد ترجم كل هذا منطقياً إلى انتصار فوق انتصار على مدار مسيرته، وهو ما كان سبباً في تحوّل برشلونة من نادٍ ينهي كل موسم تقريباً في أزمات إلى نادٍ ينهي كل موسم تقريباً فائزاً بلقب.
وهذا يمثل حقاً نقلة تاريخية، حيث ضمن ميسي لبرشلونة الحلول محل ريال مدريد كبطل محلي للدوري، فقد شهدت السنوات الـ14 التي انقضت منذ انطلاق مسيرة الأرجنتيني مع برشلونة فوز الكتلان بالدوري 10 مرات، بينها 8 مرات في آخر 11 موسماً.
إن برشلونة حل محل ريال مدريد وحتى حينما بدأت المنافسة المباشرة بين ميسي وكريستيانو رونالدو سواء كان ذلك في الدوري أو مباريات الكلاسيكو أو حتى في مباريات دوري أبطال أوروبا مثل نصف نهائي 2011 فقد تغلب ميسي عليه، وهناك ما هو أكثر من ذلك بكثير، ففي حين أن رونالدو يكون البطل في أي مباراة عن طريق الدخول لمنطقة الجزاء، حيث ينتظر التهديف، ميسي يدير أي مباراة بنفسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورغم ذلك لا يزال هناك شعور بالإحباط إزاء أوروبا، بالنظر إلى أنه فاز بأربع بطولات للأبطال فقط، ويشعر بأنه ينبغي أن يكون لديه المزيد.
ولا يزال هناك رثاء كبير حول المنافسة الدولية، بالنظر إلى أن ميسي قاد فريق بلاده إلى ثلاث نهائيات منفصلة، ولم يفز بأي شيء.
وهذا هو التحذير الوحيد لمهنة تألق متسقة ومستمرة.
الأمر في ذلك هو أن هذه المسابقات في مراحل خروج المغلوب، تخضع للفروق الدقيقة في الشكل والمستوى والحظ، والتي يمكن فيها أن ينقلب يوم سيئ على موسم جيد، في حين أن ثلاثة أيام جيدة يمكن أن تنقذ موسماً سيئاً.
قد تكون الأحداث الأكثر شهرة، ولكن النتيجة النهائية لا تعكس بالضرورة من كان الأعظم.
ويوضح ذلك نهائي كأس كوبا أميركا 2015، عندما كان ميسي في قمة مسيرته وعلى مستوى أعلى بكثير من كأس العالم 2014 بالنظر إلى اللياقة البدنية.
لهذه المباراة، كان مدرب تشيلي خورخي سامباولي مهووساً بإيقاف صانع الألعاب، الذي كان في حالة رائعة خلال المسابقة، لقد رآه في الدور النصف النهائي مراراً وتكراراً من تدمير باراغواي بنتيجة 6-1، وشاهد مدى خفة ركضه وتخطيه المدافعين واحداً تلو الآخر، حيث سقطوا أرضاً ودخلوا بعضهم في بعض.
لقد كان تحدي سامباولي تحدياً كبيراً، حيث أصبح كل مدير فني يواجه ميسي مهووساً به، فقبل الفوز في الدور النصف النهائي من دوري أبطال أوروبا 2010 على برشلونة، كانت القضية الأساسية التي ركّز عليها جوزيه مورينيو المدير الفني لفريق إنتر ميلان هى إيقاف ميسي.
وقال مورينيو إلى عدد قليل من الصحافيين في تشيلسي عام 2015 "في كل مرة ألعب فيها ضد ميسي، أمضي ساعات في دراسته، الأمر لا يتعلق بمنعه ولكن جعل المباراة صعبة عليه، فهذا هو أفضل ما تفعله ضده".
وقام سامباولي بتكرار نموذج مورينيو إلى حد ما في هذه المباراة النهائية من خلال وضع قفص من أربعة رجال حول ميسي ومع ذلك، عندما حصل على فرصة في الوقت المحتسب بدل الضائع وكانت النتيجة التعادل 0-0، انفصل ميسي عن المراقبة وتوغل عند حافة منطقة الجزاء، ومرر الكرة لهيغواين ليسجل هدف الفوز، لكنه أهدر فرصة التسجيل ليضع مزيداً من الألم بدلاً من الخلاص.
وسجل ميسي ركلة ترجيح في ركلات الترجيح، لكنه كان الأرجنتيني الوحيد الذي فعل ذلك، ففازت تشيلي، وهذا طبيعي فلا يمكن لميسي فعل كل شيء.
لكن هذا هو الشيء المهم، هذا هو ما نحن عليه، فلو كانت تسديدته في نهائي كأس العالم 2014 ذهبت حيث أراد لكنا الآن نتحدث عن أعظم مسيرة للاعب على الإطلاق.
فهو يفعل كل شيء أكثر من أي شخص، ويأخذ كرة القدم إلى مستوى أفضل من أي شخص آخر.
لديه تأثير الجاذبية في المباريات بدرجة أكبر من أي شخص آخر، إن صفات مواهبه تعني أنه دائماً في الوسط وقلب الأحداث وهو يملي ويقود.
إنه في كل مكان... هو المعيار... هو كرة القدم.
© The Independent