عبثاً حاولت باريس التملص من عودة مقاتلي داعش الفرنسيين إلى بلادهم من سوريا والعراق والقول إنه ينبغي أن يحاكموا في الدول التي ارتكبوا فيها جرائمهم. وعبثاً تمنى مسؤولون وسياسيون فرنسيون مقتل هؤلاء في أماكن تواجدهم تجنباً للمعضلة والمخاوف التي تثيرها عودتهم إلى الأراضي الفرنسية.
فهذه العودة باتت مرجحة على ضوء التطورات العسكرية في سورية وقرار الولايات المتحدة سحب قواتها منها؛ وهي تثير جدلاً فرنسياً في حين ان السلطات الفرنسية تتعمد الإبهام و الغموض حيال الموضوع.
المعنيون بهذا هم، وفقاً لأرقام غير رسمية، نحو 130 من الرجال والنساء والأولاد معتقلين لدى قوات سوريا الديموقراطية في شمال شرق سورية. الموقف الرسمي حيالهم نصّ في البداية، عند تهاوي معاقل داعش في كل من العراق و سورية، على رفض عودتهم، لكن في ما يخص المعتقلين لدى القوات الكردية في سورية، فأن الأمر أكثر تعقيداً.
أسباب هذا التعقيد متعدّدة وأكثرها إثارة للقلق هو احتمال أن يجد هؤلاء أنفسهم طلقاء في حال وقوع مواجهات بين قوات حماية الشعب الكردي والقوات التركية بما يتيح عودتهم خلسة الى فرنسا. وبالطبع، تثير مثل هذه العودة مخاوف بالغة في الوسطين الرسمي والشعبي نظراً للمآسي التي لا تزال حاضرة في أذهان الجميع نتيجة الإعتداءات المتتالية التي نفذها تنظيم داعش في فرنسا.
وبدا من المتوجب بالتالي إيجاد مخرج يحول دون ذلك، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بأن الأوضاع تتجه نحو احتمال استرداد المعتقلين لدى القوات الديموقراطية.
من جهته، رأى وزير الداخلية كريستوف كاستانير ان هؤلاء المعتقلين هم فرنسيين قبل أن يكونوا مقاتلين في صفوف داعش، وان من سيعودون منهم سيحالون الى القضاء فوراً. لم يؤكد كاستانير ان هذه العودة حتمية، وكذلك فعلت بدورها وزارة الخارجية التي قالت الناطقة باسمها آنييس فاندرمول انه إذا قررت القوات الديموقراطية ترحيل الفرنسيين الموجودين لديها الى فرنسا فأنهم سيحالون فوراً الى القضاء.
التكتم إذن هو سيد الموقف حيال اتصالات لا بد انها تدور بين فرنسا والأطراف المعنيين لتسوية موضوع هؤلاء الجهاديين ومن ثم تعطيل قدرتهم على الإيذاء بعد عودتهم.
وفي هذا الاطار، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المحامي جاك برادلي الموكل بالدفاع عن بضعة مقاتلين فرنسيين في العراق وسورية قوله انه سيتم اعتقال العائدين لحظة هبوط طائرتهم. وأشار الى ان القضاء سيتولى بعد ذلك النظر بحالة كل منهم ومعاقبة من يتوجب أن يعاقب، على أن يكونوا جميعاً موضع مراقبة استخباراتية للتحقّق من عدولهم عن أي نشاطات أصولية.
لكن الوضع يختلف بالنسبة للأولاد الذين ذكرت وزارة الدفاع ان نحو 57 في المئة منهم هم دون السابعة من العمر والذين قد يوضعون في عهدة أسر تتولى رعايتهم أو في عهدة أقاربهم، على يتم اعتقال المقاتلين منهم اذا كان عمرهم يفوق 16 عاماً.
والواضح ان هذا المسار لا يلقى استحسان العديد من الفرنسيين الذين لا يجدون عبره ما يقيهم من هؤلاء الأشخاص الذين يعتبرونهم بمثابة قنابل موقوتة، بدليل ان فرنسا شهدت اعتداءات عدة من قبل أشخاص معروفين لميولهم الأصولية لدى الأجهزة الأمنية ويفترض انهم موضع مراقبة.
وحتى في ما يخص الأولاد الذين ولد العديد منهم في مناطق سيطرة داعش ولم يقدموا شخصياً على أي خيار، فأن بعض أوساط الفرنسيين تعتبر انهم تربوا على نهج يهدف لتحويلهم إلى مقاتلين.
وفيما تسعى السلطات الفرنسية لإيجاد أفضل السبل للتعامل مع عودة مواطنيها الذين يقاتلون مع داعش، فأن زعيم حزب الجمهوريين لوران فوكييه وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن أكدا اعتراضهما التام على عودتهم الى فرنسا.
وعبر النائب هنري دومون (من الحزب الجمهوري) علناً عما يدور في أذهان العديدين بدعوته الى اغتيال المقاتلين العائدين. كما دعا الرئيس السابق لبلدية نيس (جنوب فرنسا) التي كانت شهدت اعتداءً مروعاً خلال الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي في 14 تموز عام 2016 الى إطلاق النار عليهم كونهم خانوا بلادهم.
يذكر انه ما أن بدأت مواقع داعش تتهاوى في العراق وسورية وطُرحت بموازاة ذلك إمكانية عودة الفرنسيين المقاتلين في صفوفه، نقلت صحيفة "لوموند" عن مصدر في وزارة الدفاع قوله "فليموتوا جميعاً وألا يعودوا."