في بغداد، ثمة قطيعة بين الشارع والطبقة السياسية، إذ ينشغل الجمهور بتطوير أساليب الاحتجاجات التي انطلقت منذ شهر كامل، لتتحول إلى كرنفالات شعبية، بينما يواصل الساسة اجتماعاتهم للبحث عن مخرج.
في ساحة التحرير، وسط العاصمة العراقية، حيث التجمع الاحتجاجي الأهم عبر البلاد، لم يعد المتظاهرون يهتمون للتسريبات الآتية من قصر السلام، حيث مقر رئيس الجمهورية برهم صالح، بشأن استقالة رئيس الحكومة، في حين أن مطلبهم الأساسي المتعلق بضرورة تغيير النظام السياسي كله، يلقى الكثير من التأييد في الأوساط الشعبية التي لم يتسنّ لها المشاركة في هذا الحراك.
"كلهم يعني كلهم"
شعار "كلهم يعني كلهم"، المستمد من الشعار الذي ذاع في الاحتجاجات اللبنانية "كلن يعني كلن"، بات مهيمناً في ساحة التحرير، مع اتساع دائرة المشاركين في الاحتجاجات الشعبية. لم تقتصر مظاهر الاحتجاج على تجمهر المتظاهرين في ساحات الاحتجاج عبر وسط البلاد وجنوبها، بل تشكلت أنماط مساندة جديدة، مثل خروج العوائل في السيارات للتجول في شوارع المدن والتلويح بالعلم العراقي، أو إقامة حفلات الزواج في وسط المتظاهرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
زفاف في عجلات مكافحة الشغب
في بابل، كان لافتاً أن قوة مكافحة الشغب المكلفة تفريق المتظاهرين، سخرت عجلاتها المسلحة لزفاف متظاهر ومتظاهرة، قررا عقد قرانهما في ساحة التظاهرة الرئيسة وسط المدينة، وتبرع عدد من المحتجين بأثاث عش الزوجية للزوجين.
أساليب الدعم التي تحتاجها التظاهرات تطورت، بعدما كانت محصورة في المال الذي يوفره رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. وعلى سبيل المثال، فإن مغتربين عراقيين أرسلوا لأقاربهم آلاف الدولارات، كي يشتروا للمحتجين أقنعة تقيهم الغاز المسيل للدموع وخوذاً تحميهم من الرصاص الطائش التي تطلقه قوى الأمن كلما ضغط المتظاهرون.
في مشهد معبر، حملت فتاة رزمة مال بالعملة العراقية، وجالت بين سائقي العجلات "التكتك" في ساحة التحرير، مانحة كلاً منهم مبلغاً للتزود بالوقود. لم تكن هذه الفتاة سوى ابنة أحد الميسورين البغداديين، إذ استبقت وصولها ساحة التحرير ببث مباشر على حسابها في فيسبوك، أظهرت خلاله الأموال التي ستوزعها على سائقي "التكتك"، مؤكدة أنها جمعتها من مصروفها الذي حصلت عليه خلال أيام.
وأشاد مراقبون بالظهور النسوي الفعال في احتجاجات العراق، وقوبل باحترام بالغ في أوساط الشبان. ويقول الصحافي العراقي حسن الفرطوسي "المدهش، رفعة الأخلاق التي يتحلى بها المتظاهرون وروح التفاني بينهم واحترام يبدو تلقائياً وأصيلاً بين الجنسين".
مكتبة في ساحة التحرير
في مشهد آخر، افتتح نشطاء مكتبة في ساحة التحرير، تعمل على إعارة الكتب للمحتجين كي يشغلوا أوقات فراغهم، عندما تكون الأوضاع هادئة. وكان يوم الخميس مهماً على مستوى تشجيع الحراك النقابي، إذ أعلنت نقابات عديدة التحاقها بحركة الاحتجاج ودعم مطالب المتظاهرين.
تحشيد نقابي
وقال نقابيون لـ "اندبندنت عربية" إن "نقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة وأطباء الأسنان والجيولوجيين والمهن الصحية والأطباء البيطريين والمحاسبين والمدققين والتمريض والمحامين والمعلمين، وقّعت على بيان مشترك لدعم حركة الاحتجاج".
النقابيون أضافوا أن البيان المشترك نال دعم اتحادات الحقوقيين والمقاولين والصناعات والعمال، مؤكدين أن حركة التحشيد النقابي لدعم التظاهرات مستمرة. لكن التطور الأبرز، جاء عبر إعلان أنصار المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في بغداد، دعمهم للتظاهرات.
أنصار السيستاني إلى التحرير
وقال أنصار السيستاني في بغداد، عبر منشور وزع في ساحة التحرير، واطلع عليه مراسل "اندبندنت عربية"، إنه "استجابة للواجب الوطني والشرعي في ضرورة الدفاع عن العراق وأهله من خطر الفاسدين والدخلاء، ينطلق أبناء العراق والمرجعية في تظاهراتهم الكبرى يوم الجمعة بالقرب من مول النخيل (قرب ساحة التحرير) في الساعة الواحدة والنصف ظهراً".
جاء هذا الإعلان، بعد يوم واحد من الكشف عن أن مكاتب السيستاني في مدينتي النجف وكربلاء قدمتا كميات كبيرة من الأغذية والمواد الطبية وخيم الاعتصام للمتظاهرين، وأعلن مستشفى كبير تابع للمرجعية عن فتح أبوابه لعلاج المتظاهرين الذين أصيبوا بجروح خلال الاحتجاجات مجاناً.