لم يكن إحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء مساء الأحد الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، أمراً مستغرباً، إذ إن المدينة المقدسة لدى الشيعة في العراق والعالم، تغلي ضد نفوذ طهران منذ بدء الاحتجاجات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ورغم ذلك صدر اليوم الاثنين 4-11-2019 بيان عن وزارة الخارجية العراقية أدانت فيه ما وصفته "الاعتداء على القنصلية الإيرانية في محافظة كربلاء، وشددت على ان "أمن البعثات والقنصليات خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه"، واعتبر البيان "أن مثل هذه الأفعال لن تؤثر في علاقات الصداقة وحسن الجوار بين العراق وإيران"، مؤكداً التزام "الوزارة بحرمة البعثات الدبلوماسيّة التي كفلتها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وضرورة عدم تعريض أمنها للخطر".
غضب كربلائي
وبدا أن كربلاء غاضبة جداً من النفوذ الإيراني، عندما خرج الآلاف من سكانها يومَيْ الجمعة والسبت، ليهتفوا ضد تدخلات الحرس الثوري وجرائمه في العراق. يقول سكان كربلاء إن الإيرانيين يسيطرون على مدينتهم التي تضم مرقدَيْ الحسين والعباس، ابنَيْ الإمام علي بن أبي طالب، اللّذين يقصدهما ملايين الزوار سنوياً، من داخل البلاد وخارجها، لأداء مراسم زيارتهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقدر تجار مداخيل هذه الزيارات بملايين الدولارات التي تذهب في معظمها إلى جيوب إيرانيين يتحكمون باقتصاد المدينة وحركة السياحة نحو مراقدها بالتعاون مع جهات سياسية عراقية.
إيران تحتكر الاقتصاد المحلي
على سبيل المثال، تحتكر شركات إيرانية عملية نقل مئات آلاف الإيرانيين سنوياً لزيارة مرقدي الحسين والعباس في كربلاء، وتحتكر كذلك عملية إسكانهم وإطعامهم عبر فنادق ومطاعم تملكها في المدينة، التي تقتصر فوائد أبنائها على العمل أجراء يوميين في هذه الشركات التي تقع مقراتها في طهران وقم.
وبلغ الغضب ضد النفوذ الإيراني في كربلاء ذروته، عندما ألمح المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، إلى أن تدخلات طهران في الشأن السياسي العراقي لم تعد مقبولة. وتجمع آلاف المحتجين مساء الأحد في محيط القنصلية الإيرانية في كربلاء، وهتفوا ضد المرشد الأعلى علي خامنئي وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، مطالبين إياهما بالكف عن التدخل في الشؤون العراقية.
وحاولت القوات المكلفة حماية القنصلية تفريق المحتجين عبر قنابل الغاز والهراوات، لكن عدد المتظاهرين الكبير عرقل الجهود الأمنية.
رفع العلم العراقي
وبعدما أيقن المتظاهرون عجز قوات مكافحة الشغب عن مجاراتهم، ارتقى عدد منهم جدران القنصلية، ورفعوا العلم العراقي بعدما أنزلوا العلم الإيراني من موقعه. وبعد لحظات، اندلعت النيران داخل القنصلية. وبينما كانت ألسنة النيران تظهر من خلف الجدران الكونكريتية التي تطوق مبنى القنصلية، أطلق عدد من المحتجين الألعاب النارية في سماء المدينة من مكان قريب، احتفالاً بهذه العملية.
وافيد اليوم عن سقوط قتيل آخر مما يرفع العدد الى أربعة، وكانت قالت مصادر أمنية في كربلاء لـ "اندبندنت عربية" إن ثلاثة شبان سقطوا لحظة إضرام النار في القنصلية الإيرانية، من دون كشف ملابسات مقتلهم، لكن نشطاء أكدوا أنهم تعرضوا لإطلاق رصاص حي من داخل القنصلية وخارجها، لحظة احتراقها. وهذه هي القنصلية الإيرانية الثانية التي تتعرض للحرق في العراق، بعد قنصلية البصرة خلال تظاهرات العام الماضي.
خشية على مصير التظاهرات
واعتبر نشطاء ما تتعرض له مقرات البعثات الدبلوماسية مؤشراً خطراً يمكن أن يورط حركة الاحتجاج العراقية في إشكاليات، قد تؤدي إلى حرف مسارها. وفي هذا السياق، قال الصحافي محمد الهيجل "حرق السفارات فعل شنيع"، مشيراً إلى أنه "إذا استمرت التصرفات بهذه العشوائية، ستخسر التظاهرات الدعم الجماهيري وبالأخص دعم المرجعية وستنحسر شيئاً فشيئاً من دون تحقيق أي مطلب ويذهب عناء هذه الأيام التي قضيناها سدى".
وخاطب الهجيل "المتظاهر المتعصب" بالقول "أنت لم تستطع البقاء في ساحات التظاهر لولا حشود المتظاهرين السلميين الذي أصبحوا لك درعاً بشرياً والحكومة لم تتمكن من قمعك بسبب هذا الدرع، الآن، بهذا الفعل الطائش، أنت ستجعل الآلاف ينسحبون ويعودون إلى بيوتهم وبالتالي تبقى في العراء ومن دون أي غطاء".
وقال المدون عباس الحسيني "لست مع حرق السفارات، إيرانية كانت أو أميركية أو سعودية"، معتبراً أن "اقتحام السفارة الإيرانية وحرقها عمل غير مبرر". وتابع "لسنا مخربين ولسنا رعاعاً، بل نحن أصحاب حق وثورة". وختم "الأهم من ذلك سلامة كل عراقي، لأن العراقي بمعاناته وحقه، أفضل من ألف قنصل وسفير إيراني".