واجهت وسائل الإعلام السودانية، بخاصة القنوات التلفزيونية الرسمية سخطاً شعبياً كبيراً، لتجاهلها أحداث الثورة الشعبية التي اجتاحت السودان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكانت مثار إعجاب واهتمام العالم لالتزامها بشعار "السلمية" في مواجهة العنف المفرط الذي مارسته أجهزة الأمن ضد المتظاهرين وسقط ضحيته مئات القتلى وآلاف الجرحى والمفقودين. وعلى الرغم من سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي، ظلت المنظومة الإعلامية تمارس النهج ذاته وكأن شيئاً لم يحدث، ما طرح أسئلة كثيرة في الشارع السوداني تطالب بتطهير هذه الأجهزة من عناصر النظام السابق الذي يمسك بمفاصل الإعلام في البلاد.
كم الأفواه
سخرية الشارع
وظلت وسائل الإعلام السودانية بمختلف أنواعها خلال فترة الثورة وإلى وقت قريب، محل سخرية الشارع السوداني لتجاهلها عمداً مجريات الأحداث التي هزت مشاعر العالم ناهيك عن المجتمع المحلي الذي وصفها بـ "أبواق السلطة"، فضلاً عن تقديمها خطاباً إعلامياً يشكك في ما حدث من تغيير، وضربها ما أنجزه الشعب السوداني طيلة الفترة الماضية، لذلك علت الأصوات من داخل مجتمع الإعلام بعد تشكيل الحكومة الانتقالية تنادي بضرورة إعادة هيكلة مؤسسات الصحافة والإعلام بما يتناسب مع حالة التغيير وإرادة الشعب السوداني، وتعبيراً عن هذا الموقف نفذ إعلاميون كثر وقفات احتجاجية ومسيرات مطلبية تدعو إلى تطهير تلك المؤسسات من عناصر نظام البشير التي ما زالت تسيطر على مواقع مهمة في أجهزة الإعلام المختلفة بخاصة الرسمية منها لا سيما التلفزيون والإذاعة.
تصفية المؤسسات
وأشار الوزير السوداني إلى أن 90 في المئة من الصحف التي تصدر في الخرطوم معادية للثورة وتمثل خطراً كبيراً على مكتسباتها، لكنه عاد وأكد أنه من "غير المقبول ونحن في عهد الثورة استخدام يد الأمن الباطشة". وأضاف "من المهم جداً أن تخلق الثورة أجهزة إعلامها إلى جانب تنشيط الشباب الصحافيين المنتشرين في هذه الصحف لتعمل على فرض خط الثورة"، مبيناً أن "الأجهزة المملوكة للدولة مسؤوليتنا، لكن هناك أجهزة نحن غير مسؤولين عنها وبيننا وبينها القانون كالصحف مثلاً وعلاقتنا بها القانون. ومعلوم أن كل القمع الذي حدث للصحف في فترة النظام السابق لم تكن لوزارة الإعلام سلطة بالقانون لكنهم كانوا يستخدمون ذراع الأمن الباطشة وهو ايضاً غير مسنود بالقانون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دعم الثورة
ولفت إلى أنه قدم اقتراحات لمواجهة هذه الصحف، إلا أن كثيرون اعتبروا ذلك تهرباً من المسؤولية وسخروا منه. وأضاف "يسمي البعض أسماءً لكتّاب معادين للثورة وعندما نسأل عن اقتراحات للمواجهة لا نجد، وكأن ما يُطلب مني هو الاتصال بجهاز الأمن وطلب توقيفهم عن الكتابة وهذا سلوك لا يتماشى مع الثورة والحريات التي ندعو إليها". ونوّه صالح بوجود "قاعدة صحافية داخل هذه الصحف مع الثورة"، لكنه أسف إلى عدم صدور صحيفة أو أي مؤسسة إعلامية تتبنى خط الثورة سواء كانت من مجموعات رأسماليين أو متطوعين يجمعون رأسمالاً لإنشاء هذه المؤسسات في سوق الصحافة. وأضاف "من المهم جداً أن تخلق الثورة أجهزة إعلامها، إلى جانب تنشيط الشباب الصحافيين المنتشرين في الصحف الموجودة حالياً للعمل وفرض خط الثورة، كما أنه من المؤكد أن مجموعة من كتاب الرأي ستبقى لكنهم سيكونون معزولين".
وكشف صالح عن "مشاكل حقيقية داخل أجهزة الدولة الرسمية تتمثل في العقلية السلطوية التي سادت في الإذاعة والتلفزيون طوال 30 سنة، مع ملاحظة أنه خلال هذه الفترة تمت تصفية الكوادر التي يمكنها القيام بعمل مهني للصالح العام. كما أنه خلال هذه الفترة، كل الذين أتوا إلى هذه المؤسسات كانوا يمرون عبر عملية تنقيح ترفض أي شخص غير موالٍ للنظام السابق"، مشيراً إلى أن "خطوات التغيير تتم حالياً على ثلاثة مستويات تتضمن السياسات الإعلامية عبر مواجهات جديدة وإعادة هيكلة للإذاعة والتلفزيون، إلى جانب تغيير كل الإدارات العليا".
وبشأن الخطة السياسية والتحريرية المطلوب اتباعها في الإذاعة والتلفزيون ووكالة السودان للأنباء، أشار وزير الإعلام إلى وجود "توجهات عامة لحكومة الثورة وعلى رأسها تحقيق السلام وتعقيداتها بما فيها الاعتراف بالتعدد والتنوع الثقافي والديني وعكس ذلك في أجهزة الدولة على مستوى الألسن والوجوه واللغات، إلى جانب عملية التحول الديمقراطي"، مشدداً على أن "القيادات الجديدة مدركة المطلوب منها بخاصة أنها تملك خبرات لتحقيق ذلك". وعبّر عن "ترحيب حكومة السودان بأي مؤسسة إعلامية ذات صلة بالسودان كانت تعمل في الخارج وترغب في العمل من الداخل". وقال "القيد السياسي الأمني بات غير موجود، هناك إجراءات فنية فقط، وتوجهاتنا العامة تقتضي بأنه ليس لدينا ما نخفيه ونرحّب بأجهزة الإعلام المحلية والأجنبية للعمل في السودان وسنسهم قدر الإمكان في تيسير وتسهيل عملها".