أعلنت إيران بدء ضخ غاز اليورانيوم في 1044 جهازاً للطرد المركزي في منشأة فوردو النووية لاستئناف عملية إنتاج اليورانيوم المخصّب، على اعتبار انتهاء مدة الستين يوماً التي منحتها إلى الدول الأوروبية لإيجاد وسيلة لتعويض إيران عن امتيازات الاتفاق النووي.
وتعد تلك الخطوة الرابعة في خطوات إيران نحو تخفيض التزاماتها النووية في خطة العمل الشاملة المشتركة، وقد جاءت ردود الفعل الدولية من الجانب الأوروبي منددة بالخطوة الإيرانية. لم تختلف التصريحات الصادرة عن المسؤولين في فرنسا وألمانيا عنها في المرات السابقة، كما قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إن مساندة الاتحاد للاتفاق "مرهونة باحترام إيران التزاماتها".
وواقع الحال أن الموقف الأوروبي يقف حائراً بين الضغط الأميركي وعدم قدرة إقناع الرئيس ترمب على التهدئة أو قبول الوساطة الفرنسية من أجل التفاوض، وبين التعنت الإيراني واستمرار تخفيض التزاماتها بموجب الاتفاق. وكمثيلاتها تأتي الخطوة الإيرانية كنوع من الضغط على الطرف الأوروبي المتمسك بالاتفاق، باعتبار أنه أفضل استراتيجية لاحتواء "سلوك إيران".
لكن مع ذلك يبدو الحرص الإيراني على عدم استفزاز المجتمع الدولي، إذ أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن تلك الخطوة وغيرها "يمكن الرجوع عنها فوراً في حال تنفيذ الأطراف الأخرى في الاتفاق النووي التزاماتها في إطاره". أي أن طهران ما زالت تتمسك بالاتفاق، وربما تراهن على انتهاء فترة ولاية الرئيس ترمب، لكن في حال تم إعادة انتخابه ربما لن يكون على إيران سوى القبول بالدخول في صفقة مع الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فعلى الرغم من كون سياسة إيران لا ترتبط بظروفها الاقتصادية فإن سياسة الضغط القصوى التي اتبعها ترمب نتج عنها تداعيات شملت تأزّم الوضع الداخلي وخروج التظاهرات المنددة بسياسة إيران الخارجية، ورفع شعارات مسيئة في مواجهة رأس النظام الإيراني المرشد علي خامنئي ورئيس الدولة، كما انسحب معظم الشركات الدولية من السوق الإيرانية. وتم عزل إيران عن النظام المصرفي الدولي، وألغت الإدارة الأميركية الاستثناءات التي سمحت بالبيع المحدود للنفط الإيراني لعدد من البلدان، بما في ذلك الصين والهند وتركيا، وانخفضت مبيعات النفط الإيراني من 2.6 مليون برميل يومياً في مايو (أيار) 2018 إلى 350،000 برميل يومياً في يونيو (حزيران) 2019 حسب تقديرات صادرة عن معهد تشاتام هاوس، كما تقلّص نمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 6%، وفقدت العملة أكثر من 50% من قيمتها.
وعلى الرغم من أن المعهد تنبأ في إحدى دراساته بأن التوترات بين واشنطن وطهران تزيد من احتمال الانسحاب الإيراني من JCPOA، وفرض عقوبات سناب باك المنصوص عليها في الاتفاق من قبل الأمم المتحدة ضد إيران أو حتى المواجهة العسكرية، فإن هذا الاحتمال غير وارد، إذ إنه بالرجوع إلى تاريخ المفاوضات بين إيران والدول الأوروبية حول الملف النووي كان دافع إيران في بعض الأحيان لوقف تخصيب اليورانيوم هو الوعود الأوروبية بحزمة حوافز وصفقات تجارية والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وحينما تعثرت تلك المفاوضات عام 2004 عادت إيران لاستئناف تخصيب اليورانيوم، كما أنه اشترطت روسيا والصين لانضمام إيران لعضوية منظمة شنغهاي بدلاً من عضوية مراقب هو امتثال إيران إلى الاتفاق النووي، ومن ثم فإن الهدف الإيراني الذي تسعى إليه هو الاندماج في المجتمع الدولي والمنظمات الاقتصادية العالمية وانتهاء سياسة الاحتواء التي تتبعها القوى الدولية ضدها.
لذا لا يمكن لإيران التخلي عن الاتفاق النووي المبرم عام 2015، لكن عند تقييم سياسة واشنطن المتمثلة في "الضغط الأقصى" تجاه إيران نجد أنها لم تحقق الهدف المعلن المتمثل في إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات. ذلك أن إيران تحتاج إلى تحرّك يحفظ ماء وجهها، ويجعلها تتفاوض مع الولايات المتحدة على اتفاق جديد، لكن لا بد أن يشمل هذ الاتفاق مصالح الدول الخليجية العربية، التي يهمها بالأساس الاستقرار الإقليمي، وانتشار الصواريخ الباليستية التي تهاجم المصالح الخليجية، ووقف نقل تلك الصواريخ لكل من الحوثيين والميليشيات العراقية وحزب الله، كما عليها سحب دعمها للحوثيين، واحترام سيادة الدول في المنطقة، ودعم جميع قرارات مجلس الأمن، ومد ما يعرف بفترة الغروب لمدة 15 عاماً على الأقل، لأن هذا سيوفر أساساً لبناء الثقة، وأن تصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع العسكرية وغير العسكرية، كما يجب أن يكون هناك إطار إقليمي تحل من خلاله القضايا محل النزاع وترعاه الأطراف الدولية.