زحفت القوات العراقية تدريجاً نحو مركز الاحتجاج الأساسي في بغداد، أي "ساحة التحرير" وسط العاصمة، فيما أعلنت وكالة رويترز عن مقتل 3 محتجين في الناصرية جنوب العراق بعد قيام قوات الأمن بفتح النار لتفريق المتظاهرين. وأفاد مسعفون بأن المحتجين احتشدوا عند جسر في المدينة واستخدمت قوات الأمن الذخيرة الحية لتفريقهم.
وكانت القوات العراقية عمدت إلى تفريق متظاهرين تجمّعوا في ساحة الخلاني في بغداد بالقوة، بواسطة القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع.
وسُجّل إصابة ما لا يقل عن 22 شخصاً، وفق الشرطة. وذكرت مصادر محلية أن شخصاً لفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى متأثراً بجروح أُصيب بها خلال اشتباكات جرت السبت، حين أجبرت قوات الأمن المحتجين على التراجع عن جسور حاولوا السيطرة عليها خلال الأيام القليلة الماضية. وقال حيدر غريب وهو مسعف متطوع في مستشفى مؤقت في "ساحة التحرير" في بغداد، إن "الوضع ما زال كما هو وما زالوا يطلقون النار على الناس ويجري نقل الجرحى إلى المستشفى".
وذكرت مصادر طبية إن بعض المصابين نُقلوا إلى المستشفى بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع.
مجزرة
وقال متظاهرون إن القوات العراقية واصلت ليل السبت - الأحد عملياتها في محيط التحرير، واستخدمت الرصاص الحي لدفعهم إلى الساحة، وربما محاصرتهم فيها، بهدف إعادة فتح جميع الطرقات والجسور المحيطة بها. وتحدثت مصادر طبية في بغداد عن سقوط حوالى 90 متظاهراً بين قتيل وجريح في محيط ساحة التحرير وحدها السبت، فيما أعلن نشطاء أن ما حدث وسط العاصمة العراقية، يرقى إلى أن يوصف بـ "المجزرة".
وذكرت لجنة حقوق الإنسان النيابية في العراق الأحد، أن 319 شخصاً من المتظاهرين وقوات الأمن قُتلوا في موجة الاحتجاجات. وعبّرت اللجنة البرلمانية عن قلقها من الأساليب الخطيرة التي استُخدمت في مواجهة المتظاهرين.
هل فقدت الحكومة صوابها
وقال الإعلامي والناشط في التظاهرات سعدون محسن "الحكومة تفقد صوابها، وتحاول بكل صورة إنهاء الاحتجاج"، مشيراً إلى أن "ما حدث مساء وليل أمس (السبت) عند ساحة الخلاني يفوق التصور". أَضاف "نداءات الاستغاثة التي انطلقت من شبان التحرير بخصوص استعمال الرصاص الحي ضدهم لم نعرف كيف نتصرف حيالها، وإلى من نمررها، والإنترنت مقطوع، والفضائيات بين ممنوعة من التغطية أو غير قادرة على الوصول أو غير معنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستخدم أبرز النشطاء فجر الأحد 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، منصاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لطلب الدعم من السكان، وكذّبوا معلومات الحكومة عن إعادة فتح جسر السنك القريب من ساحة التحرير، وقالوا إنهم مرابطون في ساحة الخلاني المجاورة للموقع الذي يتجمعون فيه.
فصل الساحات
وقال مراسل "اندبندنت عربية" إن قوات الأمن العراقية فصلت صباح الأحد ساحتي التحرير والخلاني بالكتل الكونكريتية، كي تقطع الطريق على المتظاهرين للعودة إلى مهاجمة جسر السنك مجدداً. وبشكل عام، نجحت خطة رئيس الوزراء عادل عد المهدي الرامية إلى إعادة تثبيت الدوام الرسمي في الدوائر والمؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات، وبدت الحركة شبه اعتيادية في بغداد صباح الأحد.
ومع عودة خدمة الإنترنت إلى العمل مجدداً منذ صباح الأحد، عادت عجلة القطاع الخاص إلى العمل، ما وضع ساحة التحرير في حرج بالغ، إزاء إمكانية تناقص أعداد المتظاهرين.
السيستاني والصدر
ويوم السبت، عندما كانت ساحة التحرير تتعرض لضغط أمني كبير، وتطارد قوات مكافحة الشغب المحتجين في أزقة شارع الرشيد، لإبعادهم عن ساحة الخلاني وجسر السنك، سأل متظاهرون: "أين المرجعية"، في إشارة إلى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، الذي يوصف بأنه "صمام الأمان في البلاد"، كما سألوا عن حقيقة التعهدات التي قطعها رجل الدين الشيعي البارز، الذي يتمتع بتأثير واسع، مقتدى الصدر، على نفسه، عندما أعلن الشهر الماضي أنه سيتدخل شخصياً إذا تعرّض أي محتج للاعتداء.
بوادر خيبة
وكان المتظاهرون تلمسوا بوادر خيبة من موقف السيستاني يوم الجمعة، عندما حاول أن يمسك العصا من المنتصف، ويساوي بين المحتجين وقوات الأمن في الدعوة إلى التهدئة. وقال السياسي العراقي المستقل حيدر الملا "المرجعية مقتنعة بأن التظاهرات دخل عليها عامل خارجي (يمكن) أن يقود البلد إلى المجهول، وأعطت العذر لـ (مقتدى الصدر)، في تحول موقفه المطالب بإقالة عبد المهدي".
الصبر...
في سياق متصل، يقول وزير الصناعة السابق والنائب الحالي في البرلمان محمد السوداني "مستقبل التظاهرات ومصير الحراك الشعبي يعتمدان على عاملين رئيسين، الأول يتعلق بالدولة ومؤسساتها المختلفة وطريقة تعاطيها ولا سيما الحكومة والقوى السياسية الممسكة بزمام السلطة حالياً مع حركة الاحتجاج، ومدى وعيها لعمق الأزمة وما تبديه من صدق وجدية في المعالجة ومدى استعدادها للتخلي عن مكتسباتها وامتيازاتها السياسية والاقتصادية التي جمعتها عبر تراكمات طيلة المرحلة السابقة"، مضيفاً أن العامل الثاني "يتعلق بالمتظاهرين والمعتصمين أنفسهم وبالحراك القائم حالياً في الساحات وعبر المدن والمحافظات المحتجة، فهناك تحديات كبيرة علينا مواجهتها بوعي وتخطيط، ولا بد من التحرك بسرعة لأن الزمن يجري سريعاً وما هو صالح الآن قد لا يكون كذلك غداً".
ويرى السوداني، وهو سياسي موصوف بالاعتدال، سبق أن طُرح اسمه خلال سباق الترشيح لمنصب رئيس الوزراء، أن "أول ما تحتاجه التظاهرات وحركات الاحتجاج في العالم كي تبلغ أهدافها وتصل إلى بر الأمان هو الصبر، فلا يتوقع أحد أن القوى المستفيدة من الوضع الحالي ستستسلم عند أول بادرة اعتراض واحتجاج، بل ستبقى تدافع عن مكتسباتها بكل ما تستطيع ولن تتوانى عن استعمال الوسائل اللازمة كلها".