بعد مرور 30 عاماً على سقوط جدار برلين، تحقّق العَسْكَرَةْ الأوروبية المناهضة لتدفق المهاجرين إلى حدود القارة العجوز، أرباحاً ضخمة للشركات الكبيرة التي تبني حواجز جديدة عبر القارة. ويكشف تقرير وُضِعَ أخيراً أن 3 شركات تسليح، "ثيلز" و"إيرباص" و"ليوناردو"، إلى جانب شركات تعمل في الأمن والبناء والتكنولوجيا، تُعَدّ أبرز المستفيدين الرئيسيين من فورة بناء الجدران التي تلت الذعر بشأن الهجرة.
إذ بنت دول الاتحاد الأوروبي قرابة ألف كيلومتر من الجدران الحدوديّة منذ إعادة توحيد الألمانيتين الشرقية والغربية في 1990، مع تسجيل زياداتٍ حادة في أعمال البناء منذ إدراج قضية الهجرة على الأجندة السياسة بشكل جدّي في 2015.
ويرى ناشطون أن بناء الجدار مع الزيادة المتزامنة في الدوريات البحرية "يلقى دفعاً ولو جزئياً من صناعة عسكرية وأمنية قوية صاغت سياسات الحدود في الاتحاد الأوروبي وحصدت مكافآت مالية". ويرى باحثون أنّ شركات "إيرباص" و"ليوناردو" و"ثيلز"، إلى جانب مجموعات الضغط في "المنظمة الأوروبية للأمن"، عقدت قرابة 226 اجتماعاً للضغط على "المفوضية الأوروبية" بين عامي 2014 و2019، وأنفقت حوالى 2,65 مليون يورو (قرابة 2.92 مليون دولاراً أميركياً) على حملتها في 2017.
وإذا جُمِعَتْ الجدران التي بُنيت حتى الآن، سيفوق طول تلك الحواجز المادية طول جدار برلين بحوالى 6 مرات، ومعظمها شُيّد بهدف معلن يتجسّد في منع النازحين من الوصول إلى القارة الأوروبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووثّق التقرير الذي صاغه معهد "ترانسناشيونال" و"حملة مناهضة تجارة الأسلحة" و"مركز ديلاس"، إنفاق ما لا يقل عن 900 مليون يورو (مليار و100 مليون دولار أميركي) على الجدران والأسوار بين عامي 2006 و2017، إضافة إلى حوالى 676,4 مليون يورو (745.16 مليون دولار) صُرفت على العمليات البحرية الهادفة إلى إبعاد الناس عن شواطئ أوروبا.
في المقابل، استفادت الشركات من موازنة مقدارها 1,7 مليار يورو (1,87مليار دولار) لـ"صندوق الحدود الخارجية" التابع للمفوضية الأوروبية، بين عامي 2007 و2013، و2,76 مليار يورو (3,05 مليار دولار) لـ"صندوق الاتحاد الأوروبي للأمن الداخلي" المخصص أيضاً للحدود حتى 2020.
وتخطّط بروكسل والدول الأعضاء لزيادة الإنفاق على مراقبة الحدود في الدورة المقبلة لموازنة الاتحاد الأوروبي التي تبدأ في 2021، مع تخصيص حوالى 8,02 مليار يورو (8,83 مليار دولار) لـ"صندوق الإدارة المتكاملة للحدود"، و11,2 مليار يورو (12.42 مليار دولار) لوكالة الحدود التابعة لها المُسمّاة "فرونتكس".
وأشار مارك أكرمان، أحد مؤلفي التقرير، إلى أن "الصناعة العسكرية والأمنية الأوروبية نجحت بواسطة جماعات ضغطٍ فاعلة، في وضع إطار للهجرة يظهرها بوصفها تهديدٌ أمني وليس تحدّياً إنسانيا... تحوّل ذلك إلى فتح لا حدود له في ما يبدو، لمسارب التمويل الرسمي لعملية عَسْكَرَةْ حدودنا، لكنه حال دون أن تسلك السياسات والاستثمارات التي نحتاجها، طريقها في اتجاه الاستجابة الإنسانية للاجئين ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة القسرية".
ثمة شركة أخرى ورد ذكرها في التقرير تُسمّى "التسييج الأمني الأوروبي" قوامها مصنّع إسباني للأسلاك الشائكة، وقد أشار التقرير إلى أنها "سيطرت على مجال بناء الحواجز". فقد نشرت أسلاكاً شائكةً على الحدود في المجر وصربيا وبلغاريا و تركيا والنمسا وسلوفينيا والمملكة المتحدة وفرنسا.
وحدّد الباحثون أيضاً الشركات التي ساهمت في بناء "جدران افتراضية" مثل "نظام معلومات التأشيرات" و"نظام معلومات شينغن" و"نظام يوروداك" (يُعنى بجمع معلومات عن طالبي اللجوء إلى أوروبا) الذي طوّرته شركة تكنولوجيا فرنسية هي "سوبرا ستيريا".
وأشار التقرير إلى أنه من بين الشركات العملاقة في مجال التسلّح، تسهم "تيلز" الفرنسية للأسلحة والأمن، في تصنيع أنظمة رادار وأجهزة استشعار لسفن خفر السواحل، وتختبر استخدام "طائرات عالية الارتفاع شبيهة بالأقمار الاصطناعية"، (توضع على ارتفاع 20 كيلومتراً عن سطح الأرض وتساعد في مراقبة الحدود)، لمصلحة "وكالة الفضاء الأوروبية" و"فرونتكس".
وأدرج التقرير أيضاً إسم شركة الأسلحة الإيطالية "ليوناردو"، المورّد الرئيسي للمروحيات المستخدمة في عمليات أمن الحدود، وأحد المورّدين الرئيسيين للطائرات المسيّرة التي تحلّق في دوريات فوق الحدود. وكذلك أشار إلى شركة "إيرباص" التي توفر طائرات هليكوبتر للتحكّم بالحدود. وعِبْرَ فروعه في عموم أوروبا، شارك ذلك العملاق الأوروبي للطيران والأسلحة في 13 مشروع بحثٍ على الأقل في شأن أمن الحدود، بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
واعتبر نيام ني براين من معهد "ترانسناشيونال" أنه "فيما نحتفل بسقوط جدار برلين، من المأسوي أن نشاهد بناء عدد كبير من الجدران الجديدة في جميع أنحاء أوروبا لإبعاد الأشخاص الأكثر ضعفاً في كوكبنا. إذ يوضح هذا التقرير أن الحقبة الجديدة من بناء الجواجز تحرّكها صناعة عسكرية وأمنية قوية عملتْ على صوغ سياساتِ الحدود في الاتحاد الأوروبي، وجَنَتْ مكافآت مالية."
وعلى نحو مماثل، أعرب أينوا رويز بنديكتو، الباحث الذي ساهم عمله في بلورة التقرير، عن قناعته بأن "هيمنة هذه الشركات على السياسات والموازنات الحدودية، لها دور كبير في تراجع حقوق الإنسان للأشخاص الذين يهاجرون ويلتمسون اللجوء إلى أوروبا. وأثبت ذلك الأمر أيضاً أنه مميت. فقد قضى ما لا يقل عن 15 ألف شخص في البحر الأبيض المتوسط، لأنهم اضطروا إلى سلوك طرق أكثر خطورة على حياتهم، من أجل الهروب من الحرب أو القمع أو الفقر".
في الأسبوع الماضي، أنشأ الاتحاد الأوروبي رسمياً أول فيلق دائم لأمن الحدود، ويمثّل جهازاً قائماً بحدّ ذاته، رافعاً عدد قوّاته الأمنية الراهنة بحوالى 10 أضعاف.
وجاء في بيان مشترك من فرانز تيمرمانس، النائب الأول لرئيس "المفوضية الأوروبية"، وديمتريس أفراموبولوس، مفوّض "الشؤون الداخلية والهجرة والمواطنة"، أن "الحدود الأوروبية وحرس الحدود باتا اليوم أقوى مما مضى. وستظل الدول الأعضاء مسؤولة عن إدارة حدودها الخارجية، لكن الفيلق الذي أُنشئ سيقدم دعماً تشغيلياً غير مسبوق على المستوى الميداني. وسيكون ضبّاطه قادرين على مساعدة حرس الحدود الوطنيين، في إجراء عمليات التحقّق من الهوية والوثائق، من خلال مراقبة الحدود وعمليات العودة".
وأضاف البيان أنه "ستُبذل جهود للتأكد من أن الدول الأعضاء لديها الأدوات اللازمة لحماية حدودها وضمان أمن المواطنين الأوروبيّين." واختنم البيان المشترك بالإشارة إلى أنّ "عملنا لم ينتهِ بعد. فستقدّم المفوضية الآن الدعم الكامل للمساعدة في إنجاز المهمّات الجديدة بسرعة، وضمان وصول عدد أفراد الفيلق إلى نحو 10 آلاف عنصر من حرس الحدود".
© The Independent