اعترف كبير المفاوضين في الاتّحاد الأوروبي، في لقاءٍ خاصّ بأنه لا يمكن الانتهاء من المفاوضات التجارية المتعلّقة بخروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي، ضمن الإطار الزمني الذي طالب به رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. هذا الاعتراف أدّى إلى إحداث فجوة في الوعد الكبير الذي قطعه على نفسه رئيس الوزراء قبيل الانتخابات العامّة الكبيرة، والمتمثل بـ "إنجاز الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي".
وفي تسجيل تم تسريبه وحصلت عليه "اندبندنت"، أطلع ميشيل بارنييه اجتماعاً خاصاً أن الجدول الزمني للمملكة المتحدة الذي حدّد 11 شهراً لإنهاء المحادثات التجارية بحلول السنة 2021، هو "غير واقعي"، مشيراً إلى أن المفاوضات ستستمر لوقتٍ طويل بعد نهاية السنة المقبلة. وأضاف بارنييه في حديثه خلال اجتماع مغلق مع مجموعة من كبار الأعضاء في البرلمان الأوروبي في بروكسل هذا الأسبوع: "في ما يتعلق بهذا الاتفاق، لن ننجز كلّ شيء خلال 11 شهرا. سنفعل كلّ ما في وسعنا، لكننا لن نتمكّن من الانتهاء من كلّ شيء".
هذا التسجيل أثار حالاً من الذعر لدى منتقدي بوريس جونسون في المملكة المتحدة، بحيث اتّهموا رئيس الوزراء "بالكذب على الناخبين" في شأن خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي، و"بلعب لعبة خداع الرأي العام البريطاني".
ورأى بارنييه الذي تم تعيينه أخيراً لقيادة الجولة الآتية من محادثات خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي أمام الذين حضروا الاجتماع، أن "من غير الواقعي أن يتم إجراء مفاوضات عالمية في خلال 11 شهرا، لذلك لا يمكننا أن نفعل كلّ شيء. سنبذل قصارى جهدنا للحصول على ما أسمّيه "الحدّ الأدنى الحيوي" لإقامة علاقات مع المملكة المتحدة، إذا كان ذلك هو النطاق الزمني المتاح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أنه من دون تمديد القوانين المعمول فيها في الاتّحاد الأوروبي وتشريعاته لتشمل بريطانيا في السنة أو السنتين المقبلتين، فسيكون الوضع أمام "مأزق آخر عميق"، قد تشهد معه خسارة بريطانيا نتيجة القيود التي تفرضها "منظّمة التجارة العالمية".
وحذّر كبير المفاوضين الأوروبيين من أنه "إذا لم يكن هناك تمديد، فستظل أمامنا بضعة أشهر لتحقيق ما سأصفه بالحدّ الأدنى الضروري للاقتصاد والأمن، أو للتحضير للانتكاسة"، مشيراً إلى أن "هذا القرار يجب أن تتّخذه الحكومة في يونيو (حزيران)، بعد نحو ستة أشهر فقط من الآن. فإما أن تكون لدينا اتفاقية تجارية، أو سنكون في إطار منظّمة التجارة العالمية. ولا يمكننا اتّخاذ تدابير طارئة تتعلّق بالتجارة لمنحنا مزيداً من الوقت... إذا لم تكن هناك صفقة، فهذا الوضع يشكّل ضربةً قوية للتجارة".
الكشف عن هذه المواقف سيساهم في تشويش الناخبين الذين يفكّرون في دعم حزب "المحافظين" بزعامة جونسون في الانتخابات، على قاعدة أن الحزب "سينجز الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي"، ويضع هذه القضية المثيرة للانقسام في مرآة الرؤية الخلفية للبلاد. ويظهر الشريط المسرّب، بعيداً عن إنهاء هذه الملحمة، أن مسؤولي الاتّحاد الأوروبي يخطّطون لمحادثاتٍ مثيرة للجدل قد تدوم سنواتٍ على المنوال نفسه الذي ساروا عليه منذ العام 2016.
وكان بارنييه قد استمتع علناً بكلام جونسون عن جداول زمنية، في اعتقادٍ واضح منه بأن رئيس الوزراء البريطاني يشكّل الأمل الأفضل للحصول على اتفاقية خروج من الاتّحاد الأوروبي عبر البرلمان. لكن في بروكسل وعواصم أوروبية أخرى، باتت حقيقة أن اتفاقاً على التجارة الحرّة لا يمكن التفاوض بشأنه خلال 11 شهرا، سرّاً مكشوفاً بين المسؤولين كما يتّضح من الشريط الجديد المسرّب.
ويوم الأربعاء، أكّد جونسون في خطابه الأخير للناخبين عشية انطلاق عمليات الاقتراع، أنه "سيفي بالوعد الذي أخذه حزبه قبل ثلاثة أعوام، ثم يمضي قدماً في التركيز على أولويات الناس". وقال إن الحجج في شأن خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي ستنتهي بحلول شهر فبراير (شباط) المقبل، عندما تبدأ الجولة الجديدة من المحادثات، وأن الحكومة ستكون قادرة على "التركيز على القضايا التي تهمكم".
وامتنع ناطق بإسم حزب "المحافظين" عن التعليق على ما كشف عنه التسجيل، لكن أحزاب المعارضة ردّت بغضب بالغ. وعلّق المرشّح عن حزب "الديمقراطيّين الأحرار" توم بريك في تصريح لصحيفة "اندبندنت" بقوله: "هذا يؤكّد ما عرفناه بالفعل عن أن بوريس جونسون يكذب على الناخبين بشأن خططه المدمّرة لموضوع بريكست". ورأى أن رئيس الوزراء "يأخذ الشعب البريطاني في رحلة، ولا يمكن ببساطة الوثوق فيه ليكون رئيس وزرائنا".
في غضون ذلك، أعلن أندرو غوين، رئيس حملة حزب "العمّال" أن "بوريس جونسون يلعب لعبة الخداع مع الشعب البريطاني. فهو يختبئ داخل الثلاّجات لتفادي المقابلات الصحافية على وجه التحديد، لأن شعاراته المزيّفة المتعلّقة بالخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، لا يمكن أن تمرّ أمام التدقيق، تماماً مثل كلماته الفارغة في موضوع هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" NHS.
وأضاف غوين أن "صفقة خيانة جونسون لبريكست ستضعنا على المسار السريع في اتجاه خروج بريطاني بلا اتفاق من الاتّحاد الأوروبي، ما يدفعنا نحو الأسوأ. وهذا هو بالضبط ما يريده، حتى يتمكّن من جرّ المملكة المتّحدة إلى عقد صفقة تجارية سامّة مع دونالد ترمب، وطرح هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" للبيع أمام شركات الأدوية الأميركية. وقال إن "المكان الوحيد الذي يجب أن تذهب إليه صفقة خيانة رئيس الوزراء لبريكست هو التجميد العميق، تماماً مثل جونسون عندما لا تكون لديه الشجاعة لمواجهة صحافي".
ويلتقي قادة الاتّحاد الأوروبي في بروكسل هذا الأسبوع لحضور قمّة يغيب عنها جونسون، يبحثون خلالها المرحلة المقبلة من محادثات الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، ومن المتوقّع أن يكشفوا عن استراتيجيتهم التفاوضية ويقدّمون تعليمات جديدة لميشيل بارنييه.
وتُظهر الاستراتيجية التي من المقرّر نشرها بعد ساعاتٍ قليلة من إغلاق صناديق الاقتراع في المملكة المتحدة، أن المحادثات ستكون هي نفسها كما كانت من قبل، بقيادة بارنييه، مع سلسلةٍ من مؤتمرات القمّة أو الاستراحات، وساعات توقيت جديدة وانتكاسات، وذلك وفقاً لمسوّدة تسربت هي الأخرى في وقتٍ مبكر، وكشفت عنها "اندبندنت" الأسبوع الماضي. وقد أسقط القادة الأوروبيّون بوضوح إشارةً مدرجةً في إعلان سياسي سابق، تقول باستخدام أفضل المساعي للتوصّل إلى اتفاق مع حلول نهاية الفترة الانتقالية.
وكان رئيس الوزراء قد اتّهم هذا الأسبوع بتضليل الناخبين بعدما أكّد مراراً أنه لن تكون هناك نقاط تدقيق في البضائع التي تعبر البحر الإيرلندي بموجب اتفاقه الجديد، لكن في الحقيقة سيتمّ وضع تلك النقاط.
© The Independent