أثار إعلان الحكومة المصرية عزمها نقل أربعة كباش أثرية (تمثال برأس كبش وجسم أسد) من معبد الكرنك في الأقصر جنوبي البلاد، إلى ميدان التحرير في قلب العاصمة القاهرة، الجدل حول جدوى تلك الخطوة، ومدى تأثر الآثار التي ترجع إلى آلاف السنين بظروف بيئية لم تعتد أحجارها التكيف معها؟
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وجّه خلال اجتماع مع وزير السياحة والآثار خالد العناني بتطوير ميدان التحرير، وإضافة لمسة حضارية به من خلال نقل بعض القطع الأثرية بعد ترميمها، على نحو يضاهي أشهر الميادين في كبرى عواصم العالم التي تضم العديد من الآثار الفرعونية.
الآثار المصرية تنفي
بدأ الجدل مع إعلان الحكومة قرار نقل القطع الأثرية، وردت وزارة الآثار على لسان الدكتور مصطفى الصغير مدير عام آثار الكرنك، بتوضيح أن تماثيل أبو الهول ذات رأس الكبش التي ستنقل من معبد الكرنك إلى القاهرة لتزين ميدان التحرير حول المسلة "ليست من التماثيل الموجودة على جانبي طريق الكباش المعروف الذي يربط بين معبدي الأقصر والكرنك".
وأكد الصغير، "أن تلك التماثيل ليست في واجهة معبد الكرنك، لكن اُختيرت من بين تماثيل موجودة خلف واجهة المعبد (الصرح الأول) على جانبي الفناء، خلف مباني الطوب اللبن التي تركها المصري القديم أثناء أعمال بناء الصرح الأول".
وقال الدكتور مصطفى الوزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في تصريحات تلفزيونية، "التماثيل الأربعة المُنتظر نقلها لم يرهم أحدٌ من قبل، وسيُوضعوا حول مسلة أثرية نُقلت من منطقة صان الحجر في محافظة الشرقية (شمال) لتزين ميدان التحرير، وسيحاطون بسياج لحمايتهم والحفاظ عليهم".
معرضة للضرر
لكن، فكرة نقل تماثيل أثرية حتى وإن لم تكن من طريق الكباش لاقت اعتراضات من جانب متخصصين وغيرهم، يقول الدكتور جلال أبو بكر أستاذ الآثار بجامعة المنيا (جنوب)، "الآثار تُصنع وفقاً للبانوراما المحيطة بها، ونقلها بعيداً عن محيطها يفقدها رونقها".
وأضاف أبو بكر، في حديثه مع "اندبندنت عربية"، "لا يوجد سببٌ للتمسُّك بنقل تلك الكباش تحديداً إلى الميدان، خصوصاً أنه توجد قطع أثرية أخرى غير مرتبطة بمكان محدد يمكن وضعها في الميادين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع، "مخازن المتاحف مليئة بالقطع الأثرية التي يمكن الاستعانة بها بدلاً من تقطيع ونقل الكباش من الأقصر إلى القاهرة، مثل آلاف الآثار في مخزن المتحف المصري بالتحرير الذي يقع على بعد خطوات من الميدان".
وطالب أبو بكر المسؤولين، بإعادة النظر في نقل الكباش الأثرية، لأنها "معرضة للضرر بشكل كبير من وضعها في ميدان التحرير بسبب عوادم السيارات والاهتزازات الناتجة عن مرور مترو الأنفاق أسفل الميدان، إضافة إلى إمكانية تعرضها للأذى من جانب المارة على غرار أسود كوبري قصر النيل الأثرية، التي تعرضت للتشويه والكتابة عليها من المارة، والجلوس عليها للتصوير، مع الفارق الكبير في عمر الأثرين، إذ يرجع الكباش إلى آلاف السنين، بينما الأسود عمرها لا يتجاوز 150 عاماً".
أسئلة مشروعة
وانتقل الجدل إلى ساحة مجلس النواب، إذ تقدّم البرلماني محمد عبد الغني، ببيان عاجل لرئيس الوزراء ووزيري الآثار والسياحة والإسكان.
وتساءل عبد الغني، "ما مدى العلاقة بين تطوير ميدان التحرير والحفاظ على الطراز المعماري بنقل أربعة كباش ضخمة من معبد الكرنك إلى ميدان التحرير؟ وما الدراسات التي اُعتمد عليها في نقل تلك الكباش إلى ميدان التحرير؟ ما تكلفة نقل تلك الكباش وتداعيات التغيرات الجوية عليها".
وطالب النائب الحكومة بالإجابة عن تساؤل "لماذا لم تحاولوا الاستفادة من فناني مصر التشكيليين في تصميم تماثيل على هذا الشكل بدلاً من تكلفة النقل؟".
تطوير ميدان التحرير
وتقوم الحكومة المصرية حالياً بأعمال تطوير في ميدان التحرير، تشمل زراعة النخيل وأشجار الزيتون في المنطقة المحيطة بالميدان، وإزالة اللافتات التي تحجب واجهات العمارات ذات الطراز العمراني المتميز، وكذلك تجهيز صينية الميدان، تمهيداً لنقل المسلة الفرعونية إليها لتزيينها، التي يبلغ ارتفاعها 19 متراً ووزنها نحو 90 طناً.
كما سيتضمن التطوير طلاء واجهات المحال والعمارات، لكي يكون هناك تناسق للمنطقة التاريخية، وسيضم الميدان أيضاً نافورة وأعمالاً مائية وإضاءات، ومن المتوقع افتتاح الميدان بعد التطوير العام المقبل.