أجمعت الروايات بوصف هروب الرئيس السابق لمجموعة رينو - نيسان - ميتسوبيشي اللبناني كارلوس غصن من إقامته الجبرية في العاصمة اليابانية طوكيو، بـ "الهوليوودية" وعلى طريقة الممثل الشهير "جيمس بوند".
"فرقة موسيقية"
وفي آخر المعلومات المتعلقة بهروبه، كشفت معطيات عن أن "فرقة موسيقية دخلت على التوالي إلى ثلاثة منازل مجاورة لمنزل غصن للاحتفال مع المواطنين بعشاء عيد الميلاد، وأمضت حوالى 15 دقيقة في كل منزل قبل الدخول إلى منزل غصن، بعدما قامت بكل التمويهات اللازمة، ثم عادت وخرجت بعد انقضاء الوقت المنطقي للحفلة، ومعها كارلوس غصن متنكراً بزي الفرقة، لتعود وتدخل إلى منزل آخر في المنطقة ذاتها، بينما كان غصن مختبئاً في السيارة المخصصة لنقل المعدات الموسيقية، قبل نقله إلى جهة مجهولة في ضواحي طوكيو.
ووفق المعلومات، فإن العملية نفذتها مجموعة "بارا عسكرية" التي تولت حمايته في مكان مجهول في ضواحي طوكيو، قبل نقله إلى منطقة كيوتو التي تبعد حوالى خمس ساعات عن العاصمة بواسطة شاحنة نقل بضائع، ومن ثم توجه بسيارة خاصة إلى مطار أوساكا ليغادر إلى إسطنبول، بواسطة طائرة خاصة من نوع Bombardier Global Express وبعدها بواسطة طائرة خاصة أخرى من نوع Bombardier Challenger 300 ليصل إلى مطار بيروت، فمنزله في الأشرفية، بالقرب من كلية إدارة الإعلام في الجامعة اليسوعية شرق بيروت، مستخدماً الجواز السفر الفرنسي.
كارولين تدير التفاصيل
وأكدت المعلومات أن كارولين، زوجة غصن كانت تدير العملية بكل تفاصيلها، وهي موجودة في الولايات المتحدة الأميركية، وجرى اختيار خروج غصن من اليابان إلى تركيا بعد اتصالات مسبقة أجرتها غصن ومجموعة "بارا عسكرية" بأجهزة شبه استخباراتية تركية، ضمنت عدم توقيفه لحظة وصوله الى الأراضي التركية، علماً أن عائلة زوجة غصن لديها علاقات مميزة مع السلطات التركية. وتضيف المعلومات أن كارولين استطاعت تزويد المجموعة المنفذة للعملية بنسخة ثانية عن جواز سفره الفرنسي، كون الجواز الأول احتجزته السلطات اليابانية، مشيرةً إلى أنه في العادة يحق لرجال الأعمال الفرنسيين امتلاك نسختين عن جواز السفر، وكانت النسخة الثانية بعهدة زوجته، من دون إسقاط فرضية مغادرة اليابان بهوية مزوّرة أو بجواز سفر مزوّر.
وقدرت المعلومات أن يكون تنفيذ العملية الذي بدأ ليل 24 ديسمبر (كانون الأول)، لحين وصول غصن إلى بيروت، قد استغرق أربعة أيام قبل أن يُكشف عنه صباح الاثنين 31 ديسمبر، في حين أن التخطيط للعملية كان بدأ قبل شهرين على الأقل، معتقدةً أن كلفة العملية لا تقل عن 20 مليون دولار أميركي على أقل تقدير.
الشروط القاسية
وكان القضاء الياباني فرض شروطاً قاسية على كارلوس غصن لناحية إقامته في منزل بوسط طوكيو وأبرزها:
- يحتاج إلى إذن المحكمة كي يسافر داخل اليابان لمدة تزيد على ثلاثة أيام
- لا يُسمح لغصن بالتواصل مع زوجته كارولين من دون موافقة المحكمة
- لا يستطيع أيضاً التواصل مع التنفيذيين في وكالات نيسان في عمان ولبنان
- تركيب كاميرا للمراقبة عند مدخل مقر إقامته، تُسلم تسجيلاتها دورياً إلى المحكمة
- يُسمح لغصن باستخدام هاتف نقال يوفره له محاموه ولا يُسمح له بتصفح الإنترنت، وعليه تسليم سجلات اتصالاته إلى المحكمة
لبنان على دراية
ومن الناحية اللبنانية، يؤكد مصدر وزاري أن جهات أمنية وسياسية لبنانية كانت على عِلم بالعملية قبل أسابيع على الأقل، وأن زوجته تواصلت مع الجهات السياسية وجرى الاتفاق على الكشف عن دخول كارلوس غصن إلى لبنان بعد لقائه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، مشيراً إلى أن الإجراءات الأمنية المشددة واكبت غصن من لحظة وصوله إلى مطار بيروت، ومستنداً إلى شهود عيان أفادوا بأن الإجراءات الأمنية المنظورة في محيط إقامته الحالي بدأت قبل ثلاثة أيام على الأقل من الكشف عن وجود غصن داخل المنزل. ويؤكد الشهود وجود عمال صيانة يترددون إلى المنزل منذ فترة لإجراء إصلاحات فيه.
وأضاف "بيانات الخارجية اللبنانية والأمن العام اللبناني التي أشارت إلى قانونية دخول المواطن كارلوس غصن إلى بيروت، لم تنف ما إذا كانت على علم مسبق بالعملية المعقدة، وما إذا كان لها أي دور فعلي في هذا السياق".
دولة مارقة
من ناحيته، اعتبر السياسي والمحامي أمين بشير أنه بدخول كارلوس غصن إلى لبنان تدخل الدولة اللبنانية رسمياً نادي الدول المارقة الخارجة عن القانون والشرعية الدولية، مضيفاً أن "النظام اللبناني بات نظاماً مافياوياً وكل حزب يستطيع أن يطوّع القضاء والأمن لسلطته الخاصة. بالتالي هناك خشية من أن يتحول لبنان إلى دولة مارقة يقاطعها المجتمع الدولي، أولاً في ظل وجود حزب الله المصنّف إرهابياً، وثانياً بسبب قضية كارلوس غصن التي تشكّل فضيحة، نظراً إلى خروج الدولة اللبنانية عن المواثيق والقوانين الدولية، وبالتالي، سيُنبذ لبنان".
ولمّح إلى دور الوزير جبران باسيل في القضية، قائلاً "منذ بداية أزمة كارلوس غصن، كانت لباسيل مواقف عدّة داعمة له، وقد أثار موضوعه بمجرد وصوله ولقائه الرئيس عون"، مضيفاً أنه "لا يمكن دخول شخصية مثل غصن إلى الأراضي اللبنانية من دون علم أحد". ورأى أن هذه القضية ستُحرج لبنان أيضاً لناحية وجود الوزير السابق الياس المر، وهو لبناني على رأس الإنتربول الدولي.
صفقة فرنسية
من جانب آخر، تخوفت مصادر رسمية لبنانية من أن تكون هناك صفقة دولية برعاية فرنسية غير منظورة، أدت إلى تهريب غصن وأن يكون لبنان مسرح التنفيذ، مشيرةً إلى أن البعض يعتقد أن توقيف غصن في اليابان يعود لأسباب سياسية – قضائية. بالتالي، باتت السلطات اليابانية بحاجة إلى مخرج لهذه القضية، وفرنسا تُعتبر مثل لبنان، معنية مباشرة بالقضية.
وتساءل المصدر حول إمكانية أن يكون هناك رابط بين إطلاق سراح نزار زكا منذ أشهر عدة من السجون الإيرانية، خصوصاً أن السفير الياباني في طهران كانت له سلسلة لقاءات مع السلطات الإيرانية، فهمت حينها أنها وساطة أميركية تجاه إيران، مستنتجاً أنه إذا كانت هناك علاقة بقضية عامر الفاخوري، الموقوف في السجون اللبنانية، فإن الأمر قد يظهر بعد أشهر عدة، كاشفاً عن جولة قام بها السفير الياباني في لبنان على عدد من المسؤولين اللبنانيين، خلال الأسبوعين الماضيين.
حوار دبلوماسي
وفي السياق، أشارت مصادر دبلوماسية إلى أن اليابان طلبت الحوار مع لبنان بشأن كارلوس غصن، مؤكدةً أن السلطات اليابانية باتت على علم ببعض التفاصيل المتعلقة بكيفية فرار غصن من اليابان وأين يوجد حالياً بالتحديد.
ولفتت المصادر إلى أن الدبلوماسية اليابانية في العادة تتجنب تصعيد المواقف مع الدول وترتكز على الهدوء والتعاون، مرجّحةً أنه إذا ثبُت علم السلطات اللبنانية بالعملية قبل مدة، فذلك سيؤدي حتماً إلى تصعيد في العلاقات بين لبنان واليابان.
وقد نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية عن مصادر أن "محكمة دائرة طوكيو قررت إبطال قرار الإفراج بكفالة الذي أصدرته لرئيس مجلس إدارة نيسان السابق، والبالغة 14 مليون دولار".