بعد 66 عاما من العطاء والعمل ودوران الآلات والمعدات قررت الحكومة المصرية التخلي عن شركة الحديد والصلب وتصفية أحد أعرق الشركات التي تأسست في الشرق الأوسط منتصف القرن الماضي بعد اختيار بديل لها رغم قلة إنتاجه مقارنة بالشركة الأكبر، إلا أن عدد العمالة الموجودة، التي وصفت بأحد أسباب الخسائر، وراء تأجيل الإعلان الرسمي حتى تدبير تعويضاتهم، بالإضافة إلى توفير البديل الاستراتيجي لها والمتمثل في شركة الدلتا للصلب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دراسات جدوى داخليا وخارجيا أقرت التصفية
مصدر بارز بالحكومة المصرية كشف لـ"اندبندنت عربية"، قرار الحكومة تجاه شركة الحديد والصلب، مؤكدا "أن بعد مباحثات ودراسات جدوى عديدة على مدار العام الماضي من قبل متخصصين تم إعدادها محليا ودوليا جاءت النتيجة النهائية كلها تصب في اتجاه تصفية الشركة الأعرق في الشرق الأوسط"، وأشار إلى "أنه في مارس (آذار) الماضي دعت الشركة القابضة للصناعات المعدنية، التي تتبعها شركة الحديد والصلب، عددا من الشركات العالمية المتخصصة لتأهيل وتطوير وإدارة خطوط إنتاجها مع ضخ استثمارات مناسبة، من خلال اتفاقية مشاركة إيراد تمتد لمدة عشرين عاماً، وبعد انتظار دام لأكثر من 45 يوما من الدعوة لم تتلق الشركة القابضة سوى عرض وحيد من شركة "ميت بروم "الروسية، ولم يلق قبول وزارة قطاع الأعمال وكذلك لجنة البت المنعقدة في الشركة القابضة للصناعات المعدنية، التي انتهت من دراسة العرض الوحيد المقدم من شركة ميت بروم الروسية، لتأهيل وتطوير الحديد والصلب".
وتابع، "أعلنت لجنة البت، في بيان لبورصة الأوراق المالية، قرارها بإجماع آراء اللجنة رفض العرض، موضحة أنه بإجماع الآراء فإن العرض المقدم من الشركة الروسية غير مناسب وغير مطابق مع دعوة الشراكة".
قرار التصفية
ولفت المصدر إلى "أنه بعد فشل الشركة القابضة للصناعات المعدنية ووزارة قطاع الأعمال العام وتأزم موقف الشركة لعدم وجود عروض جادة للشراكة شكّلت الحكومة المصرية في منتصف مايو (أيار) الماضي لجنة لدراسة وتحديد مصير شركة الحديد والصلب بعد عزوف الشركات العالمية في الصناعة عن الدخول بشراكة لتطويرها، برئاسة المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء السابق، وأعضاء من كلية الفنيين العسكريين، أكدت اللجنة بالإجماع استحالة استمرار الشركة".
الإعلان رسميا بعد تدبير التعويضات
وحول موعد الإعلان الرسمي قال المصدر، "إن مجلس الوزراء يدبر حاليا التعويضات التي سيحصل عليها العمال نتيجة إنهاء مسيرتهم ومكافآت نهاية الخدمة التي تقدر بالمليارات سيتم الإعلان رسميا من خلال مجلس الوزراء المصري لصعوبة وحساسية القرار أمام الرأي العام وحساسية الشركة ووضعها التاريخي، وتهيئة الرأي العام باعتبارها شركة وطنية كان لها باع طويل مؤثر في تاريخ مصر إلى جانب ارتفاع عدد العمال بالشركة".
التاريخ العريق للشركة
المهندس خالد الفقي، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، أكد أن شركة الحديد والصلب تأسست في يونيو (حزيران) عام 1954، وأسهمت في بناء حائط الصواريخ التي شيدته القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وكان لها دور كبير في بناء جسم السد العالي الذي شيدته القاهرة منتصف القرن الماضي".
ويبلغ عدد عمال شركة الحديد والصلب نحو 7500 عامل يتقاضون أجورا تتخطى حاجز الـ50 مليون جنيه (2.9 مليون دولار أميركي) شهريا، ويتراجع عدد العمال سنويا نتيجة وقف التعيينات الجديدة بالشركة منذ عام 2014 حيث بلغ عدد العمال في عام 2013 نحو 10 آلاف عامل.
7500 عامل يتقاضون 2.9 مليون دولار شهريا
وكشف الدكتور مدحت نافع، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، "أن شركة الحديد والصلب تحقق خسائر مستمرة، واستمرارها يعني نزيفا متواصلا".
وأوضح نافع، "أن شركة الحديد والصلب تتكبد خسائر كبيرة منذ سنوات، وسجلت العام المالي الماضي خسائر بـ531.2 مليون جنيه (31.7 مليون دولار)، مقابل 456.6 مليون جنيه (27.2 مليون دولار) في الفترة المقارنة من العام المالي الماضي.
وكشف أحد عمال شركة الحديد والصلب "ح.ي"، رفض الإفصاح عن اسمه، "أن الشركة تتوسع منذ 3 سنوات في تطبيق برنامج المعاش المبكر بشكل شبه إجباري، وهذا ما يفسر تقلص عدد العمال إلى نحو 2500 عامل في أقل من 5 سنوات، بالإضافة إلى وقف التعيينات الجديدة، ومن يخرج عن المعاش المبكر لا يأتي بديلا عنه".
وأضاف، "أن الشركة تضم 4 أفران للإنتاج، اثنان منها متوقفان بشكل كامل، وهذا يعني أن الشركة تعمل بنحو 50% من طاقتها الإنتاجية، بالإضافة إلى أن مجلس إدارة الشركة يرفض إجراء صيانة أو إعادة هيكلة الأفران". واختتم حديثه، "يبدو أن الإدارة تعلم أن الشركة في طريقها للتصفية ونحن لا نعلم مصيرنا".
شركة الحديد والصلب المصرية، الشركة الحكومية الوحيدة بقطاع إنتاج الحديد، تعاني خسائر فادحة وصلت إلى تحقيق 4 ملايين جنيه خسائر يومية خلال الربع الأول من العام المالي الحالي، فضلاً عن استمرار تراكم مديونيات الشركة، التي بلغت أكثر من 5 مليارات جنيه (حوالي 310 ملايين دولار).
وتدهورت نتائج أعمال شركة الحديد والصلب، إذ انخفضت مبيعات الشركة خلال أول 4 أشهر من العام المالي الحالي لتصل إلى 265 مليون جنيه (حوالي 16.5 مليون دولار) مقابل 368 مليون جنيه (23 مليون دولار) خلال الفترة المماثلة من العام الماضي بنسبة انخفاض 28% على أساس سنوي.
وحققت الشركة خلال الربع الأول من العام المالي الحالي خسائر بلغت 368 مليون جنيه (23 مليون دولار)، مقابل خسائر بلغت 178 مليون جنيه (حوالي 11 مليون دولار) بالفترة المقارنة من 2018-2019، بمعدل خسائر وصل إلى 4 ملايين جنيه (حوالي 249 ألف دولار) يومياً.
وشكك الجهاز المركزي المصري للمحاسبات في قدرة الشركة على الاستمرارية، لعدة أسباب، بينها عدم القدرة على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية، وهو ما يظهر جلياً في تراكم المديونيات للموردين الرئيسيين للشركة، البالغة نحو 5.4 مليار جنيه (334 مليون دولار) العام الحالي، مقابل 4.5 مليار جنيه (342 مليون دولار) العام السابق، لصالح كل من شركة الغاز بقيمة 3.5 مليار جنيه (حوالي 217 مليون دولار)، وشركة الكهرباء 1.2 مليار جنيه (حوالي 75 مليون دولار)، وشركة الكوك 462 مليون جنيه (حوالي 28 مليون دولار)، وسكك حديد مصر 126 مليون جنيه (حوالي 8 ملايين دولار).
الشركة تمتلك أصولا ضخمة من الأراضي
وتمتلك شركة الحديد والصلب، أصولاً ضخمة غير مستغلة، منها أراضٍ ضخمة تصل إلى 790 فداناً بحوزة الشركة وضع يد بمنطقة التبين، وكذلك 654 فداناً وضع يد بالواحات البحرية، إضافة إلى 54 فداناً مشتراة من الشركة القومية للأسمنت منذ عام 1979، وقطعة أرض بمساحة 45 ألف متر مربع بأسوان من نتيجة تسوية نزاعها مع شركة الصناعات الكيماوية "كيما"، بالإضافة إلى كميات ضخمة من الخردة تصل إلى 600 ألف طن، بالإضافة إلى جبل التراب الذى يحتوي على خردة تقدر بـ700 ألف طن، قدّرها وزير قطاع الأعمال في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي بنحو 5 مليارات جنيه (310 ملايين دولار).