يبدو أن الجزائر عقدت العزم على العودة إلى الساحة الدولية بقوة، واستعادة مكانتها التي "تنازلت" عنها مرغمة تحت ثقل المشاكل الداخلية، وقد وجدت في الأزمة الليبية جرعة أوكسجين لإعادة الروح إلى دبلوماسيتها واستعراض قوتها.
اهتمام دولي
على الرغم من أن الجزائر تُعدُّ إحدى الدول الأكثر اهتماماً بما يحصل في ليبيا، غير أن تمسّكها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعقيدة منع وجود أي عسكري من جيشها خارج حدود البلاد، جعل دورها محدوداً جداً لدرجة أن استقرارها بات مستهدفاً، وهذا ما حدث بالنسبة إلى الأزمة المالية بعد فشل مساعيها في حل سياسي سلمي، ويتكرر حالياً مع ليبيا التي باتت على فوهة بركان، يهدّد انفجاره كل دول شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
وبحسب الإنزال الدبلوماسي الأجنبي الذي تشهده الجزائر منذ تسلّم الرئيس الجديد عبد المجيد تبون مهامه بخصوص الأزمة الليبية، فإن الجزائر تكون قد أعلنت حضورها في المشهد رغماً عن أطراف حاولت تجاوزها.
وجاء مؤتمر برلين في ألمانيا الذي تجاهل الجزائر، ليكشف حجم الغضب الذي تملّك المسؤولين الجزائريين الذين يرون أنها "مخادعة" من شركائهم الذين استغلّوا وضعها الداخلي لتحييدها عن المشهد الليبي، على الرغم من أنها تشترك معها في حدود بطول حوالى 1000 كلم.
في المقابل، أعلنت الخارجية الجزائرية أن الوزير صبري بوقادوم، أجرى مشاورات هاتفية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومع وزراء خارجية كل من مصر والإمارات وفرنسا ومالي والنيجر وتشاد والسعودية، إلى جانب استقبال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، وأيضاً وزير خارجية تركيا تشاويش أوغلو، في انتظار وصول[R1] الرئيس التونسي قيس سعيد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجية إيطاليا.
لا لتكرار تجربة مالي "الفاشلة"
في هذا السياق، أكد المحلل السياسي أنس الصبري في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن الجزائر تريد استعادة دورها في الملف الليبي، ولا ترغب في أن تنحصر جهودها الدبلوماسية بالتهدئة والوساطة مثلما فعلت مع مالي وقد فشلت كل المساعي بما فيها "اتفاق السلم والمصالحة المبرم في الجزائر".
ورأى أن الجزائر لا تريد تكرار تجربة مالي مع الأزمة الليبية، ومن المنتظر أن تأخذ مساراً غير الذي اعتادت عليه، وهو الذي سرّع انتقال الأتراك والليبيين إلى الجزائر في انتظار وصول عددٍ من المسؤولين الغربيين، إضافةً إلى تدارك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "الحرج" الذي وقعت فيه، ودعت الرئيس تبون إلى المشاركة في مؤتمر برلين. واعتبر أن الجزائر قلبت الطاولة على "عرّابي" مؤتمر برلين، بعد خطوات اتخذتها في السر، و"اللهجة الحاسمة" التي اعتمدتها أخيراً.
مؤتمر "موازٍ" لبرلين... وآخر خاص بالقبائل
وتابع الصبري أن الجزائر تستعد لعقد مؤتمر يجمع دول جوار ليبيا "يوازي" لقاء برلين، بحضور ممثلين عن دول غربية، أهمها روسيا والصين وتركيا، من أجل عرض مخطط تحرك الجزائر اتجاه الأزمة الليبية، ولاتخاذ مواقف حازمة وإجراءات تخفّف التصعيد الحاصل، مضيفاً أن لقاءات حوار منتظرة في الساعات القليلة المقبلة في الجزائر تجمع القبائل الليبية وعدداً من الشخصيات والنواب والجماعات الليبية، لوضع تصور لحل مقبول يُعرض على المجموعة الدولية في شكل ضغط ينهي النزاع المسلح بين الأخوة الفرقاء.
ووفق ما ذكرت مصادر مطلعة لـ"اندبندنت عربية"، فإن الجزائر باشرت اتصالات مع منظمات إقليمية من أجل المشاركة في إقناع وتشجيع الأطراف الليبية على الجلوس إلى طاولة الحوار والبحث عن الحل الذي يرضى به الشعب الليبي، موضحةً أن الجزائر تمكّنت من فرض السودان وتشاد والنيجر كشركاء في أي مسار تسوية باعتبارهم دول جوار ليبيا، بعدما كان الأمر يقتصر على الجزائر وتونس ومصر.
تحرك دبلوماسي نشيط
وفي السياق ذاته، يُنتظر أن ينظم الاتحاد الأفريقي جهود إيجاد حل في ليبيا، إذ أعلن مفوض السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي اسماعيل شرقي، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيعقد يومي 8 و9 فبراير (شباط) المقبل، قمة في أديس أبابا الإثيوبية، لبحث الوضع في ليبيا وتداول مسألة السلاح الذي عمل على تفاقم الوضع في منطقة الساحل.
ويشير الصبري إلى أن الجزائر مطالَبة بإطلاق مبادرات تراعي الأبعاد الدولية المتشعبة في الأزمة، موضحاً أن مبادرات "دول الجوار الليبي" و"الحوار الليبي الليبي" التي أطلقتها في السابق كلها فشلت.
ويوضح أن الجزائر الحالية مدركة أن الحل يتجاوز الداخل الليبي، وأن الأزمة مرتبطة برهانات جيوستراتيجية بعيدة ومتوسطة المدى يتداخل فيها عدد من الشركاء الدوليين.