الأطفال أماكنهم في كل بلدان العالم، المدارس للتعليم والمنازل للسكن والحدائق للترفيه، لكن هذه القاعدة شذّت هذه المرة في اليمن. ففي شمال غربي البلاد، أصبحت المدارس ركاماً والمنازل خياماً والحدائق حقول ألغام.
كان الأهالي منذ خمسة أعوام، قبيل سيطرة المتمردين الحوثيين على مناطقهم، يعيشون في خير كثير وسط استقرار الحالة الأمنية والمعيشية، ولكن بحسب قول السكان فإن الحوثيين حوّلوا هذه المناطق إلى ساحات حرب مفتوحة، سواء كانت قواعد لإطلاق المقذوفات والصواريخ صوب الأراضي السعودية، أو عبر قصف اليمينين وتهجيرهم من مناطقهم وتحويلها إلى أماكن للحرب بينهم وبين قوات الحكومة الشرعية.
يقول سكان هذه المناطق إن المأساة ليست وليدة اللحظة ولا أمل في انتهائها، فكلما نزحوا من منطقة طاردهم القصف لينتهي بهم الحال على مقربة من السياج الحدودي مع السعودية، تاركين وراءهم منازل ومزارع لم تُحصد بعد وأغنام وإبل، واضطرت أُسر إلى النزوح من دون أطفالها، ليعيش الأهالي في شتات ويعيش صغارهم في ضياع وسط حقول الألغام يتخطفهم الموت.
قصف وهروب من الموت
في منتصف يناير (كانون الثاني) عام 2019، طال قصف حوثي عنيف قرى "شليلة" في مديرية "حرض" الحدودية، أدى إلى نزوح مئات الأسر ومقتل العشرات من المواطنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت أسرة هادي حدادي، التي نزحت صوب مناطق "عبس" الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، هربت من الموت وتركت طفلها يرعى الأغنام، قبل أن تحتدم المعارك الدائرة وتنغلق كل الطرق وتصبح كلها مناطق مواجهات، ويبقى طفل لهذه الأسرة موجوداً في مناطق سيطرة الشرعية، بينما أهله في مناطق سيطرة الحوثيين.
وفي حديث "اندبندت عربية" مع الأهالي في مخيم النزوح، كان الحنين إلى الديار والزراعة والحقول والحياة البسيطة الهادئة واضحاً على ملامحهم، حتى تكدرت تلك المشاهد وباتوا لا يعرفون إلا صور الدمار والفزع. يأخذهم الحنين إلى بيوتهم وأسرهم، بعدما اضطروا إلى النزوح جرّاء القصف.
وبدلاً من حكايات الأجداد والجدات أصبح الأطفال يسمعون قصص رفاقهم كيف يتلقفهم الموت وكيف باتوا في قائمة المبتورين، وبدلاً من الألعاب ومتابعة التلفزيون أصبحت الأشلاء الممزقة هي المشاهد البديلة في رحلة النزوح.
الطفل عبد الله... قصة إنسانية
في مخيم "شليلة" قصة إنسانية مؤلمة بطلها طفل يُدعى عبد الله حدادي يبلغ من العمر 12 عاماً، لم يتلق أي تعليم يذكر ويعيش في المخيم مع أحد أقاربه. يستيقظ كل صباح في نفس اللحظات التي يذهب فيها أقرانه إلى المدرسة، لكنه هنا يتجه إلى الخيام ليأخذ مواشي النازحين ويذهب بها إلى الرعي.
ويقول قريبه أحمد حدادي، إن عبد الله يرعى مواشي النازحين الذين يقطنون المخيم، وقد أصبح حديث الناس هنا، فعلى الرغم من أنه في عمر الزهور، فإنه يتكلم لغة الكبار ويحمل هماً كبيراً من أجل العودة إلى أسرته.
ويضيف "عبد الله في كل مهاتفاته مع أمه يكون البكاء هو سيد الموقف غير أنه يتصرف كالكبار، فيطمئن والدته ويؤكد لها أنه في خير وسلام، ويقص لها حكايات تخفف من وجع فراق أم لصغيرها".
لغم حوثي
لم يكتفِ القدر بحرمان عبد الله من طفولته وأسرته، فذات صباح وبينما كان ذاهباً لرعي أغنامه، انفجر فيه لغم زرعه الحوثيون أدى إلى إصابته بشظايا متعددة في البطن والوجه واليد اليمنى، ونفوق أغنامه.
وعلى إثر ذلك نُقِل عبد الله إلى مستشفى في السعودية وتلقى علاجاً، قبل أن يغادره ويقيم عند أقرباء له هناك.
6 ملايين طفل تضرروا من الحرب
وأعلنت الحكومة اليمنية الشرعية في وقت سابق، أن "أكثر من 6 ملايين طفل تضرروا بشكل مباشر جراء الحرب التي شنتها الميليشيات الحوثية منذ انقلابها على الحكومة الشرعية، كما أن الحوثيين حولوا نحو 5.2 مليون طفل من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل".
وأكدت أن "الميليشيات الانقلابية تواصل تجنيد الأطفال والزج بهم في معارك عبثية، وتعرضهم لخطر الإصابة بالألغام وتبعدهم عن المدارس، ما يؤكد بشاعة واستهتار الحوثيين بالاتفاقيات الدولية والمبادئ الإنسانية".