بعدما بدت أنها "نشوة مصرية" بإحباط مساعي أنقرة لشرعنة تدخلها العسكري في ليبيا دعما لحكومة الوفاق بطرابلس، إثر توافق المجتمعين في مؤتمر برلين، الأحد، على رفض التدخل الأجنبي في هذا البلد ووقف الدعم العسكري من الأطراف الخارجية للفرقاء بالداخل، حسبما قرأت أوساط مصرية مخرجات المؤتمر، بدأت مصر حركات "غير اعتيادية"، وفقما اعتبرها مراقبون، في مواجهة التحرك التركي بشرق المتوسط.
وللمرة الأولى، وقّع وزير البترول المصري طارق الملا 9 اتفاقات بترولية مع مسؤولي 4 شركات بترول عالمية للتنقيب عن الغاز والبترول في غرب البحر المتوسط ومناطق صحراوية قريبة من الحدود الليبية، بالتوازي مع تجديد القاهرة تحذيراتها لتركيا دون تسميتها "من تداعيات أي إجراءات أحادية تنتهك الحقوق القبرصية، وتهدد أمن واستقرار منطقة شرق المتوسط".
وبحسب الملا، وبيان لوزارة البترول، فإن الاتفاقات الجديدة، تهدف إلى البحث عن البترول والغاز الطبيعي وإنتاجهما بمنطقتي البحر المتوسط والصحراء الغربية باستثمارات يبلغ حدها الأدنى نحو 452.3 مليون دولار، وتشمل حفر 38 بئراً.
واعتبر الملا، أن قطاع بلاده مستمر في توقيع مزيد من الاتفاقات البترولية باعتبارها إحدى الدعائم الرئيسة المهمة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، موضحاً أن استراتيجية الوزارة تهدف إلى طرح مزايدات عالمية جديدة خلال الفترة المقبلة، وإبرام المزيد من الاتفاقيات البترولية.
وذكر الملا، أن الاتفاقات البترولية التي أبرمتها وزارة البترول مع المستثمرين والشركاء منذ يوليو (تموز) 2014، وحتى الآن، بلغت 79 اتفاقية بترولية. وتضمن نطاق أحدث الاتفاقات الموقعة، الاثنين، 6 مواقع في الصحراء الغربية منها: غرب الفيوم، وغرب كنايس، وغرب كلابشة، فضلاً عن 3 مناطق امتياز بحرية يطلق عليها اسم الفنار، وسيدي جابر، والبرج، وجميعها في البحر المتوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاءت خطوة التنقيب، غداة تشديد الخارجية المصرية، على "حقوق قبرص وسيادتها على مواردها بمنطقة شرق المتوسط، في إطار ما يقضي به القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، بما في ذلك المناطق التي منحت فيها قبرص ترخيصاً للتنقيب البحري عن النفط والغاز".
وحذّر المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ، من تداعيات أي إجراءات أحادية تنتهك الحقوق القبرصية وتهدد أمن واستقرار منطقة شرق المتوسط، مؤكدا ضرورة الالتزام باحترام وتنفيذ قواعد القانون الدولي وأحكامه، في إشارة إلى تركيا.
وفي وقت سابق، هاجمت قبرص تركيا ووصفتها بأنها "دولة قرصنة" تهزأ بالقانون الدولي، بعدما أدى سعي أنقرة للتنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه تتمتع قبرص فيها بحقوق اقتصادية، إلى إذكاء توترات بشأن احتياطيات الطاقة شرقي البحر المتوسط.
وقالت قبرص إن تركيا تحاول الآن التنقيب داخل منطقة الاستكشافات جنوب الجزيرة المنقسمة، التي منحت شركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية للطاقة امتياز التنقيب فيها.
وسيكون هذا رابع تنقيب تقوم به تركيا منذ يوليو (تموز) الماضي، عندما نشرت سفينتي تنقيب، ترافقهما سفن حربية لغرب الجزيرة وشرقها. كما تمثل ثاني عملية تنقيب تقوم بها سفينة تركية في الكتلة التي نالت توتال وإيني حق التنقيب فيها.
ولدى شركتي الطاقة تراخيص تنفيذ أعمال التنقيب والبحث عن الكربون المائي "هيدروكربون" في 7 من إجمالي 13 منطقة قبالة السواحل الجنوبية لقبرص. وقالت قبرص إنه رغم الشراكات الناشئة والقائمة على الطاقة بين دول في شرق المتوسط، فإن تركيا اختارت "مسار عدم الشرعية الدولية" من تلقاء نفسها.
وقدّرت "هيئة المسح الجيولوجي الأميركي"، في عام 2017، احتياطيات الغاز الطبيعي الموجودة بالبحر المتوسط ما بين 340 و360 تريليون قدم مكعب من الغاز.
ودخلت القاهرة وأنقرة في مساجلات قانونية وسياسية بشأن التنقيب بالمتوسط، وأعلنت تركيا في فبراير (شباط) 2018، أنها لا تعترف بـ"قانونية" اتفاق وقعته مصر وقبرص عام 2013 للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، فيما شددت القاهرة حينها على أن "الاتفاقية لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها، وهي تتسق وقواعد القانون الدولي". وتنفذ تركيا عمليات تنقيب قبالة "قبرص الشمالية" وهي كيان انفصالي لا تعترف به سوى أنقرة.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقّع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على الإطار القانوني الذي يسمح للتكتل بفرض عقوبات على تركيا على خلفية أنشطة التنقيب عن الغاز قبالة ساحل قبرص (عضو الاتحاد). وجدد وزراء الاتحاد، قبل يومين، تحذيرهم لأنقرة بفرض عقوبات.