نبهت نائب رئيس حزب الأمة القومي السوداني مريم الصادق المهدي إلى وجود مخاطر تحدق بالسودان وحكومته الانتقالية، لكنها توقعت أن تشهد الفترة المقبلة تسارعاً أكبر في إصلاح الإخفاقات، التي حدثت بسبب التباطؤ في حسم مسألة التمكين وتفكيك مفاصل الدولة، التي كان قابضاً عليها نظام عمر البشير بصورة كاملة، على الرغم من حله بصورة رسمية.
وأشارت في حوار مع "اندبندنت عربية" إلى أن عملية التمرد التي قامت بها مؤخراً عناصر من الأمن والاستخبارات التابعة لهيئة العمليات، نبهت إلى ضرورة الإصلاح والتقويم وتصويب الأخطاء، فضلاً عن أنها أشعرت الجميع بأنهم في خندق واحد وأن الخطر يهددهم جميعاً.
ورأت أن ما يجري حالياً في عاصمة جنوب السودان جوبا من مفاوضات لن يؤدي إلى سلام حقيقي وواقعي، بل سيخلق عدداً من المشكلات مستقبلاً، بسبب المسارات المتعددة، التي اعتبرتها بدعة غير حميدة.
تغيير مفاجئ
تناولت في بداية حديثها أداء الحكومة الانتقالية والشراكة القائمة بين المدنيين والعسكريين، حيث أشارت إلى أن هناك مشكلات حقيقية اكتنفت الفترة الماضية وكانت متوقعة بالنسبة إلى قوى الحرية والتغيير، ويجري العمل حالياً على تذليل الكثير منها. لكنها ترى أن ما حدث من تغيير مفاجئ بسقوط نظام البشير في أبريل (نيسان) 2019، أولد شراكة غير متوقعة بين المكون العسكري ممثلاً آنذاك باللجنة الأمنية، التي كونها النظام المعزول، وبين قوى الحرية والتغيير. بالتالي، أخذت النقاشات فترة طويلة حتى حصل نوع من التقارب بين الطرفين، بعدما تدخلت وساطات إقليمية، خصوصاً من الجارة أثيوبيا والاتحاد الأفريقي.
ولفتت إلى أن حزب الأمة لعب دوراً محورياً في هذا التغيير، ودفع أثماناً سياسية غالية في هذا الإطار، قائلة "لولا تمهيد حزب الأمة لأرضية وقاعدة خصبة لما وجدت وساطة إقليمية أو غيرها".
وأضافت "ظللنا منذ اللحظة الأولى نقول إن الثورة الشعبية هي ثورة تراكمية وأن العسكريين انحازوا إليها، وبالتالي ما تم ليس انقلاباً عسكرياً كما كان يروج البعض، لذلك انتقدنا قرار الاتحاد الأفريقي منذ صدوره، الذي اعتبر ما حدث انقلاباً وحدد مهلة أسبوعين لانتقال السلطة إلى حكومة مدنية". وتنوه إلى أنهم كلاعبين أساسيين في الثورة، أطلقوا مواقف عديدة أسهمت في تلطيف الأجواء والدفع بالعملية السياسية إلى الأمام، لما يمتلكه حزب الأمة من خبرات مشهودة تاريخياً.
محاصصات حزبية
وتابعت "في الحقيقة كان هناك توافقاً داخل مكونات قوى الحرية والتغيير بأن تخلو الفترة الانتقالية من محاصصات حزبية. ليس انتقاصاً من الأحزاب السياسية، لكن لأسباب موضوعية، أولها أن هناك حاجة فعلية بأن تتفرغ الأحزاب للتواصل مع قواعدها، لأنها حرمت من هذه المسألة طيلة حكم البشير، الذي استمر 30 عاماً ولا بد أن تبني نفسها وكوادرها. على أن يتفرغ السياسيون في تلك الأحزاب للمجلس التشريعي والمفوضيات التي سيتم تشكيلها لاحقاً. لكن، للأسف لم يتم الالتزام بذلك". فضلاً عن ذلك، حدث نوع من التباطؤ في حسم مسألة التمكين وتفكيك مفاصل الدولة، التي كان يستولى عليها الحزب الحاكم السابق بصورة كاملة، على الرغم من حله رسمياً.
وتضيف "على الرغم من أن معظم الوزراء مشهود لهم بالكفاءة والتأهيل، لكن مازالوا محتاجين مزيداً من الوقت للاطلاع على ما يجري داخل وزاراتهم، وكذلك الحال بالنسبة إلى قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية. فهي أيضاً مازالت تتلمس الطريق نحو تقوية تحالفها مع الحكومة، فالكل مشارك في جانب عدم الرضى، وما حدث من قصور سواء في الوضع العام في السودان أو الوضعين الإقليمي والدولي".
وتستدرك "لكن هذا لا يعني عدم وضوح الرؤية. وأتوقع في الفترة المقبلة أن يكون هناك تسارعاً أكبر في إصلاح الإخفاقات التي حدثت خلال الفترة الماضية"، خصوصاً بعد حادثة تمرد عناصر الاستخبارات.
أمل جديد
وحول مدى مساندة المجتمع الدولي للسودان وقضاياه السياسية والاقتصادية، تجيب المهدي "بلا شك أن المجتمع الدولي والإقليمي وقف معنا وقفات جيدة، خصوصاً دول الخليج ممثلة بالسعودية والإمارات. وكذلك، مساعي الدول الغربية من خلال مؤتمر المانحين. فهذه المواقف تجعلنا نشعر بأن هناك أملاً جديداً في السودان".
وتشير إلى أن الجولة الخارجية لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك وجدت صدى طيباً، وأحدثت اختراقاً كبيراً تجاه عودة السودان إلى وضعه السابق والطبيعي كإحدى الدول المؤثرة إقليمياً ودولياً. لذلك، "نحن ننظر إلى الكوب كاملاً من خلال النصف الممتلئ والنصف الفارغ، وذلك بصورة موضوعية"، مؤكدة أن الجميع يرغب في أن تحقق الفترة الانتقالية أهدافها المتمثلة في إجراء انتخابات عامة عادلة ونزيهة متوافق على قوانينها، وأن تكون اللبنة الأساسية للدولة السودانية الحديثة.
تعدد المسارات
لكن هل ترى المهدي أن تعدد المسارات في مفاوضات السلام التي تستضيفها حالياً العاصمة جوبا سيؤدي إلى سلام حقيقي؟ تقول "لا أعتقد. بالتأكيد ما يجري حالياً في جوبا من مفاوضات لن يؤدي إلى سلام واقعي، بل سيخلق عدداً من المشكلات بسبب المسارات المتعددة. فليس من المعقول فتح مسارات لإرضاء ومجاملة أشخاص بعينهم، خصوصاً هؤلاء الذين يتحدثون عن مسارات الوسط والشمال. ما يجري بدعة غير حميدة".
وتشير إلى أن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ناقش مع رئيس الوزراء عملية السلام وتطوراتها، وتم الاتفاق على إعادة النظر بها مع الأخذ في الاعتبار الجوانب الإيجابية التي تمت، مثل بناء الثقة وغيرها من المعاني.
وأضافت "نعتقد أنه بذهاب النظام السابق فقد حل السلام في البلاد، لأنه كان نظاماً مهدداً للسلام، لكننا نحتاج إلى البحث في الجذور والآثار التي حدثت خلال العهد السابق، بمعنى النظر في القضايا التي من أجلها رفع السلاح، بالإضافة إلى قضايا الألغام واللاجئين والنازحين، وغيرها من القضايا التي يفترض بحثها بموضوعية في المفاوضات القائمة في جوبا". وأوضحت أنه في ما يتعلق بقضايا السلطة وتوزيع الثروة والإعمار والتنمية، فيجب بحثها في مؤتمر قومي شامل يعقد في الخرطوم بحضور أصحاب المصلحة في المناطق المتضررة كافة. أما القضايا محل الاختلاف بين المكونات السياسية، مثل علاقة الدين بالدولة والمواطنة المتساوية ومسألة شكل الحكم، فستناقش في المؤتمر الدستوري المزمع عقده لاحقاً. ثم تأتي بعد ذلك القضايا الأكثر تفصيلاً، التي ستطرح على الشعب السوداني من خلال البرامج الانتخابية للأحزاب.
انتخابات مبكرة
وفي ما يتعلق باستعدادات حزب الأمة للانتخابات المبكرة، عبر جولته على قواعده في أقاليم السودان المختلفة، توضح المهدي أن "طواف رئيس الحزب على الأقاليم ليس من أجل الانتخابات المبكرة. فنحن لا ندعو إلى إجراء انتخابات قبل انتهاء الفترة الانتقالية وليست لدينا مصلحة في ذلك، لأننا نعلم تماماً أن القوى السياسية السودانية غير مستعدة لها، بل نتحدث عن سيناريو بديل في ظل إرهاصات الوضع الحالي، الذي قد يشجع بعض الأطراف على تنفيذ انقلابات. وفي هذا السياق جاءت دعوتنا إلى الانتخابات المبكرة لمنع انزلاق البلاد إلى الفوضى. فهي عبارة عن مخرج وليست دعوة، لأن دعوتنا الأساسية، دعم الحكومة الانتقالية بكامل أجهزتها ودعم رئيس مجلس الوزراء وإكمال الفترة الانتقالية حتى نهاية فترتها المحددة".
تعبئة وتصالح
وحول الانشقاقات التي ألمت بالحزب خلال فترة نظام البشير وما يبذل من مساع لتوحيده، تقول "مسألة توحيد حزب الأمة ذات أهمية كبيرة. وبما أن الحزب سيكمل في فبراير (شباط) 2020 75 عاماً على تأسيسه، فسيقود بهذه المناسبة حملة تعبئة وتصالح داخلي مع قياداته التي ابتعدت عن الحزب في فترة من الفترات بسبب مواقفها الشخصية أو لعدم رضى الحزب عن أدائها ومواقفها، مثل البيك عبدالله خليل الذي أسهم في تسليم السلطة منفرداً إلى العسكر في نهاية خمسينيات القرن الماضي، على الرغم من أنه من القيادات المؤثرة وقام بأعمال وأدوار جليلة ومهمة. وهناك محمد أحمد المحجوب، أحد أهم قيادات الحزب تاريخياً، لكن تباعداً حدث بينه وبين الحزب لأسباب مختلفة. وغيرهما من القيادات قديماً وحديثاً. إذ نريد أن يكون هذا الاحتفال منصة للتصالح وعودة الحزب إلى موقعه الريادي كأمل لكل السودانيين".