لا تزال المعاصر التقليدية لزيت السمسم في اليمن صامدةً، ويعمل عليها كثيرٌ من اليمنيين بالطريقة المتوارثة منذ زمنٍ طويلٍ، رغم الوسائل الحديثة التي حلَّت مكان كثيرٍ من المهن الحرفية بالبلاد.
(معاصر الجلجلان أو الجلجل أو السليط)، مسميّات شعبية لمعاصر زيت السمسم في عددٍ من مناطق اليمن، وتشكّل المعاصر التقليدية جزءاً مهماً من الموروث الشعبي المتداول منذ مئات السنين، وتعتبر مصدر عيشٍ لكثير من الأسر في محافظات البلاد، كما أنها تعدّ بمثابة موروث ثقافي واجتماعي مهم، لا يمكن الاستغناء عنه.
ومع مرور خمس سنوات من الحرب في اليمن، تضرر كثيرٌ من المهن، منها مهنة عصر زيت السمسم.
وتصنع معصرة السمسم التقليدية من جذوع الأشجار الكبيرة على شكل دائري مجوّف، من الداخل، تتوسّطها خشبة منجورة بشكل دائري مرتبطة بحجرة كبيرة، يقوم الجملُ بالدوران وسحبها بشكل دائري، وهو مغمض العينين حتى لا يصاب بالدوار.
وتكلّف عملية العصر بالشكل التقليدي أكثر بكثيرٍ من الآلات الحديثة، كون العصر بالطريقة التقليدية يقوم بها جملٌ كبيرٌ، وسعره ورعيه بشكل دائم مكلفان، بخلاف الآلات الحديثة التي تكتفي بالكهرباء فقط.
في سوق الحصون، إحدى الأسواق الشعبية القديمة بمحافظة مأرب وسط اليمن، يعمل أحمد علي ديدع مالك أقدم معصرة سمسم مع اثنين من أبنائه بمعصرة من الساعة السادسة صباحاً وإلى الثانية بعد الظهر من كل يومٍ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول ديدع، لـ"اندبندنت عربية"، عن مهنة عصر السمسم بالطريقة التقليدية، إنها قديمة "توارثوها عن الأجداد"، لافتاً إلى أنه ورث هذه المهنة "من والده"، وهو "يعمل منذ عشرين سنة في معاصر زيت السمسم بالطريقة التقليدية".
وعن مراحل ما قبل العصر أضاف ديدع، "أولاً عملية شراء الجلجل، ثم تصفيته من التراب والعيدان، نحضّره ونعطيه شيئاً من الماء يُفضّل أن يكون ساخناً. كل معصرة لها مقاس محدود تُوضع السمسم في المعصرة، ويبدأ الجمل في الدوران من ساعة إلى ثلاث ساعات حتى تنضج".
وحول عملية عصر زيت السمسم يقول، "تُوضع بذور السمسم في المعصرة قبل أن تضاف كميات مناسبة من المياه الساخنة إليها، وتحرّك داخل المعصرة بواسطة القطب بحركة دائرية، عن طريق جمل يقود المعصرة عدة ساعات، ومن ثمّ الحصول بعدها على زيت السمسم ذي اللون البني والرائحة الزكية والنفاذة".
وبالنسبة إلى الكمية التي يعصرها يومياً، يقول "أستخرج يومياً نحو 24 لتراً يصل سعرها إلى مئتي ألف ريال يومياً، (ما يعادل 350 دولاراً)".
ويضيف، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الحرب الدائرة في البلاد أثّرت على مهنتهم بشكل كبير، خصوصاً أن منتجهم كان يصدّر إلى دول خليجية، منها السعودية".
وعن الجلجل البلدي، يقول ديدع، "له مميزات تميزه عن الخارجي، أولاً أنه صحي مفيد، وله رائحة وطعم، ومرغوب تماماً، خصوصاً في مديرية الوادي بمأرب، وبالنسبة إلى الخارجي مرغوب، لكن على قدر الحال الخارجي أرخص من المحلي، والجلجل الخارجي يقوم التجار بعمل أشياء ليست طيبة، يقومون بخلطه بزيوت".
مناطق زراعة السمسم في مأرب تهامة، ويتم جلب حبوب السمسم من عدة مناطق زراعية في اليمن عن طريق مزارعين يُتعاقد معهم على شراء كميات السمسم من عدة محافظات، مثل مأرب والحديدة وحضرموت وأبين، وتتفاوت أسعارها باختلاف تكاليف المشتقات النفطية التي تؤثر إيجاباً وسلباً على محاصيل المزارعين في البلاد.