تستأنف، اليوم الثلاثاء، في عاصمة جنوب السودان جوبا مفاوضات السلام المباشرة بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة وسط تأكيدات من الجانبين بقرب التوصل إلى اتفاق سلام شامل.
وتأتي هذه الجولة التي ستكون حاسمة بعد مشاورات مكثفة لإيجاد تقارب حول القضايا الخلافية وتشمل المواضيع ذات العلاقة بمستقبل الحكم والعدالة الانتقالية وعلاقة الدين بالدولة، فضلاً عن الترتيبات الأمنية.
وسبق هذه المفاوضات انتقادات واسعة من بعض القوى السياسية داخل وخارج قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية في السودان، بشأن تعدد المسارات لعملية السلام باعتبارها ستؤدي إلى تعقيدات مستقبلية وبالتالي سيكون السلام ناقصاً، فيما رهن محللون سياسيون نجاح السلام بالتخلص من أخطاء الماضي من خلال عقد مؤتمر يحضره السودانيون لمناقشة مجمل القضايا والمشاكل وأسبابها وكيفية إيجاد حلول ناجعة لها.
إنهاء الصراع
وتأتي هذه المفاوضات في ظل آمال عريضة ينتظرها السودانيون بأطيافهم كافة، للوصول إلى اتفاق يحقق سلام شامل وعادل ينهي الصراع الدائر منذ 2003 بسبب ما ارتكبته حكومة الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطاحته ثورة شعبية في أبريل (نيسان) الماضي، من انتهاكات في إقليم دارفور في غرب السودان وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد عضو مجلس السيادة الانتقالي المتحدث باسم وفد الحكومة لمفاوضات السلام محمد حسن التعايشي، اكتمال المشاورات بين أطراف الحكومة والشركاء من القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، حول أجندة التفاوض في هذه الجولة مع الحركات المسلحة، لافتاً إلى أن أجهزة الحكومة الانتقالية والشركاء من القوى السياسية، متحدون حول مواضيع التفاوض، فضلاً عن توافقهم التام في كل ما يتعلق بقضايا السلام.
وأضاف "أن توقيع اتفاق سلام شامل سيتم في غضون فبراير (شباط) الجاري"، مشيراً إلى توافق بين الشركاء كافة بشأن النقاط التي حدث حولها تباين في الجولة السابقة، لاسيما القضايا التي لها علاقة بمستقبل الحكم وقضايا العدالة الانتقالية.
الملف الإنساني
ويرى رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم في تقييمه مسيرة السلام منذ انطلاقتها قبل أربعة أشهر في ظل الحكومة الانتقالية أن المفاوضات أسهمت في فتح الطريق للتفاوض حول القضايا الأساسية والحساسة، وتناقش هذه الجولة الملف الإنساني، والعدالة والمحاسبة، فضلاً عن الملف السياسي.
ولفت إبراهيم إلى أن هنالك استسهالاً للسلام حيث أن مثل هذه القضايا تحتاج شهوراً وسنوات من أجل إقناع الأطراف بالجلوس إلى طاولة التفاوض. وتابع قائلاً "قطعنا أشواطاً في المفاوضات وهنالك تقدم كبير حدث فيها والتفاوض نفسه يستهلك كثيراً من الوقت".
وحول المواضيع التي عُلّق من أجلها التفاوض خلال الجولة السابقة من أجل التشاور، أشار إلى أنها تشمل الموقف من المحكمة الجنائية ومطالب الحركات المسلحة مثل تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية، وكذلك تعديل المادة 70 من الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكون العسكري في مجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير، وتعديل أو إلغاء المادة 20 من الوثيقة الدستورية التي تمنع شاغلي المناصب الدستورية في الفترة الانتقالية من الترشح في الانتخابات المقبلة، فضلاً عن مدة الفترة الانتقالية ما بين التمديد أو الإبقاء عليها 39 شهراً، منوهاً إلى أن مجمل هذه القضايا ستكون محل نقاش خلال هذه الجولة.
تعدد المسارات
وكانت الوساطة في دولة جنوب السودان التي يرأسها مستشار رئيس دولة جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك، قسمت بنود التفاوض إلى خمسة مسارات، أربعة منها تقع تحت مظلة الجبهة الثورية، ومسار واحد يتبع للحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.
وشملت مسارات الجبهة الثورية، مسار دارفور وتتفاوض حوله حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم وحركات أخرى تقاتل في إقليم دارفور. ومسار الشرق وتتفاوض حوله الجبهة الشعبية المتحدة بقيادة الأمين داؤود ومؤتمر البجا المعارض بقيادة أسامة سعيد. أما مسار الشمال فيتفاوض حوله كيان الشمال بقيادة محمد سيد أحمد الجاكومي رئيس الكيان، وحركة كوش بقيادة محمد داؤود، فضلاً عن مسار وسط السودان ويتفاوض حوله المتحدث باسم الجبهة الثورية ألتوم هجو. ووقع في الجولة السابقة اتفاق نهائي بين وفد الحكومة السودانية ومسار الوسط والحركة الشعبية شمال جناح عقار.
تقاسم السلطة
ويمثل إحلال السلام في السودان أحد أبرز الملفات على طاولة حكومة عبد الله حمدوك، خلال مرحلة انتقالية، بدأت في 21 أغسطس (آب) 2019، وتستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.
وحددت الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية ستة أشهر، لتوقيع اتفاقات سلام مع الحركات المسلحة، وتحقيق الاستقرار في البلاد، باعتبار ذلك أولوية مطلقة، ومضت قرابة الأربعة أشهر من المدة المحددة، من دون الوصول إلى اتفاق، ما اضطر الأطراف إلى تمديد سريان "إعلان جوبا" لشهرين إضافيين.
وتطالب الحركات المسلحة والجبهة الثورية، بإرجاء تعيين حكام الأقاليم وتشكيل المجلس التشريعي قبل توقيع اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية، بانتظار إضافة اتفاقات السلام إلى الوثيقة الدستورية لتصبح جزءاً منها، وإعادة تشكيل الحكومة الانتقالية بما يكفل لها المشاركة في مستويات الحكم كافة، فيما ترى قوى إعلان الحرية والتغيير أن تأخير إكمال هياكل الحكم سيحول دون نجاح الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات وتسعة أشهر مضى منها أكثر من أربعة أشهر.