"حكومة مواجهة التحديات" كما أطلق عليها رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب، أقرّت بالإجماع، الخميس السادس من فبراير (شباط)، بيانها الوزاري الذي يتضمّن عناوين خطة عملها في الفترة المقبلة، على أن تتوجّه الأسبوع المقبل إلى البرلمان لنيل الثقة، في جلسة يتوقّع أن تحاط بتحرّكات شعبية مناهضة للحكومة وبيانها.
وعقب جلسة حكومية ترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الرئاسي في بعبدا، أعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد أن الحكومة أقرّت بالإجماع البيان الوزاري، الذي قال فيه دياب إنه "برنامج عمل يحدّد تطلعاتنا وغير مستنسخ... وهو نتاج وقائع ودراسات ولا يحمل أي حسابات فردية".
حكومة "مواجهة التحديات"
وأعلنت الوزيرة أن رئيس مجلس الوزراء أطلق على الحكومة تسمية حكومة "مواجهة التحديات"، ونقلت عن عون قوله "بعد نيل الحكومة الثقة لا بدّ من العمل فوراً لتعويض ما فات من وقت".
وتضمّن البيان الوزاري، الذي أدخلت الحكومة بعض التعديلات على مسودّته قبل إقراره، خططاً عامةً لانتشال البلاد من أزمتها، تشمل خفض أسعار الفائدة، وإعادة رسملة البنوك، وإعادة هيكلة القطاع العام وطلب دعم من مانحين أجانب.
وتواجه الحكومة الجديدة تحدّيات كبيرة، خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والمالي في ظل تدهور اقتصادي متسارع وأزمة سيولة وتراكم الدين العام إلى حوالى 90 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وثقة متضرّرة في البنوك التي فرضت قيوداً غير رسمية على المودعين، وليرة لبنانية ضعيفة وتضخماً مرتفعاً. وشكّل دياب في 21 يناير (كانون الثاني) حكومة مؤلفة من 20 وزيراً، غالبيتهم أكاديميون ووجوه غير معروفة، قال إنها مؤلفة من اختصاصيين حصراً، إلا أن متظاهرين ومحللين يعتبرونها بمثابة واجهة للقوى السياسية التقليدية.
ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"
وفي ما يتعلّق بشق المقاومة التي يزعمها "حزب الله" المدعوم من إيران، أكّدت عبد الصمد أن "بند ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة لا خلاف عليه" في البيان الوزاري، علماً أن الحزب يتمسّك بهذه الصيغة لإضفاء شرعية شعبية ورسمية على سلاحه، ولطالما أصرّ على إدراجها في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة.
وشهد لبنان منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) تظاهرات غير مسبوقة ضدّ الطبقة السياسية التي يتهمها اللبنانيون بالفشل في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، تراجعت وتيرتها بعد تشكيل دياب حكومته.
وعقب إقرار البيان الوزراي، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة نيابية تبدأ يوم الثلاثاء المقبل وتستمّر الأربعاء لمناقشة البيان تمهيداً لمنح الحكومة الثقة، التي ستنالها على الأرجح. غير أنه من المتوقّع أن تترافق الجلسة مع تحرّكات ميدانية للمحتجين، الذي وعدوا بمفاجآت سترافق جلسة الثقة.
مناشدة الدعم الدولي وسجال السندات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما تأمل الحكومة أن تحظى بدعم المجتمع الدولي الذي يربط تقديمه دعماً مالياً للبنان بإصلاحات هيكلية في قطاعات عدة وخفض العجز العام، يستقبل وزير المالية غازي وزني الجمعة وفداً من البنك الدولي برئاسة مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه، وفق بيان عن مكتبه.
وفي هذا السياق، أكّد رئيس الحكومة، خلال اجتماعه مع سفراء الاتحاد الأوروبي في السراي، تطلّع لبنان إلى وقوف الدول الأوروبية "الصديقة" إلى جانبه في هذه الأزمة، قائلاً إن بيروت "تحتاج مساعدة عاجلة على مختلف المستويات". وشدّد على أن محاربة الفساد ستكون من أولويات الحكومة، وأن "أي اهتزاز في استقرار لبنان ستكون له انعكاسات سلبية على أوروبا أيضاً".
وكان المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش شدّد، في تصريحات الأربعاء خلال لقائه وفداً من نقابة الصحافة، على أنّ الإصلاحات هي المدخل الوحيد للحصول على المساعدات المجمّدة. وأمل أن "تأتي الحكومة الجديدة بخطة عمل واضحة... مع مهل"، موضحاً "بعد ذلك، سنحاول تقديم المساعدة، لكن يجب أن يبدأ مع عمل الحكومة واتخاذها رزمة إصلاحات حقيقية وتنفيذها بحزم".
ومع اقتراب موعد سداد لبنان لسندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار مستحقة في مارس (آذار)، يدور في البلاد سجال حول ما يجب فعله حيالها، إذ يدفع البعض باتجاه تسديدها، بينما يقول آخرون إنه من الأولى تأجيلها لاستخدام المتبقي من احتياطات لبنان بالعملات الأجنبية لاستيراد المواد الأساسية من غذاء ومحروقات وأدوية. وفي هذا الإطار، قالت الكتلة البرلمانية لحزب الله إن اتخاذ قرارات بشأن التزامات ديون لبنان يتطلب إجماعاً وطنياً.
مرافقو نائب يعتدون على محتجين
إلى ذلك، يواصل عدد من اللبنانيين احتجاجاتهم في عدد من المناطق، وشهدت البلاد في اليومين الأخيرين توترات بسبب اشتباكات بين المحتجين من جهة ومناصري ومرافقي النائب عن "التيار الوطني الحر" زياد أسود.
وفي التفاصيل، أثناء تناول أسود العشاء في أحد المطاعم في منطقة جل الديب في المتن (شرق بيروت) مساء الثلاثاء، تجمّع عدد من المحتجين في المكان، وحاولوا الدخول إلى المطعم لطرد النائب منه. غير أن مرافقي أسود وعدداً من مناصري التيار الحر الذين حضروا إلى المكان تواجهوا مع المحتجين، ما أدى إلى جرح البعض وحضور تعزيزات عسكرية كبيرة إلى موقع الحادثة. وبالتزامن، انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يهدّد فيه أسود المحتجين من داخل المطعم بالقول "ما حدا بيضهّرنا لا من مطعم ولا من بيت ولا من طريق، وما حدا يلعب معنا، من هلأ ورايح المزح خلص"، إضافة إلى فيديو آخر يتوجّه فيه أحد الموجودين مع أسود بالشتم للمحتجين.
وعلى الرغم من الغضب الذي أثاره كلام الأسود، توجّه مساء اليوم التالي الأربعاء إلى أحد المطاعم في كسروان، حيث تعرّض مرافقوه إلى عدد من المحتجين بالضرب وحطموا زجاجة سيارة أحدهم، فضلاً عن اعتدائهم على شاب طرابلسي وتوبيخه قائلين "شو جايي تعمل بكسروان وإنت من طرابلس؟". وعلى إثر انتشار الفيديو والخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، قطع المحتجون الطرق المحيطة بالمطعم لمنع أسود من مغادرته، وقيل لاحقاً إنه غادر عبر زورق في البحر أو خرج من مطبخ المطعم.
مشرف جداَ الكلام المناطقي الطائفي وانكن تستقووا على شب لبناني من طرابلس عم بيطالب بحقوقه. لا كسروان ولا أيا منطقة ملك فئة وحدي من الناس. ارحموا الناس بقا pic.twitter.com/IWsP6ZXg8T
— joemaalouf جو معلوف (@joemaalouftv) February 5, 2020
إخبار أمام النيابة العامة
وتوالت الردود في ضوء الحادثة والتعليقات الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي من التعاطي الطائفي لمرافقي أسود، وأسف "التيار الوطني الحر" في بيان "للتعرّض للحريات الفردية في الأماكن العامة والخاصة"، قائلاً "التطاول على السياسيين وحياتهم وكراماتهم غير مقبول ويولّد ردّات فعل عفوية من قبل مناصريهم". وأضاف في الوقت ذاته "رفضه الاعتداء على أي كان كردّة فعل على تصرفات مسيئة".
وقدّم عدد من المحامين الخميس إخباراً أمام النيابة العامة التمييزية في بيروت ضدّ خمسة من مرافقي النائب زياد أسود ومناصريه و "كل من يظهره التحقيق بالجرائم التي تمسّ الدين وإثارة الفتن والتعرّض للذات الإلهية". وطلب المحامون توقيف المتورطين والتحقيق معهم وإحالتهم إلى القضاء الجزائي المختص و"إنزال أشد العقوبات بحقهم".