عندما تدخل أحد المحال التجارية في الضفة الغربية، تجد تشكيلة واسعة من المنتجات الفلسطينية والمستوردة وربما الإسرائيلية، مع اختلاف في الأسعار والأشكال.
فكل صاحب دكّان أو مصلحة يختار ما يناسب زبائنه، ومنهم من يبحث عن الصناعة الفلسطينية كخيار أول إما لجودتها، أو رغبة في دعم الاقتصاد الوطني ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ومنهم من يقول إنه يتجنبها لرداءتها أو للذة المنتجات الأخرى وغناها بالعناصر الغذائية وتنوعها، أو قد يكون الأمر فقط عدم معرفة بوجود صناعات فلسطينية أساساً.
"منا وإلنا"
نشأت على مدار السنوات الماضية، مبادرات عدة هنا وهناك، لتعزيز ثقة المواطنين بمنتجاتهم، كانت آخرها "منا وإلنا" التي بدأت قبل عام تقريباً، بأجندة نشاطات تشمل تشكيل نواة لتشجيع المنتجات في المدارس والجامعات، وأخرى وُجهت إلى الشركات المختلفة، لتعمل على إبراز حصولها على شهادات المواصفات والمقاييس المحلية والعالمية، كتلك الخاصة بالمنتجات الغذائية أو الزراعية أو الصناعية، وزيادة التواصل بينها وبين المستهلكين، كما يوضح المنسق العام لائتلاف جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية.
ويضيف أن الحكومة عملت على تخصيص يوم للمنتجات المحلية في الأول من نوفمبر (تشرين ثاني) سنوياً، ونظم عام 2019 معرض لتذوق الأغذية الفلسطينية، إضافة إلى صناعات أخرى تشمل الجلود والألمنيوم، والأحذية والبلاستيك، وغيرها من الصناعات التي عادت للظهور بجودة عالية ومنافسة على مستوى العالم، ومنها ما أصبح علامة مسجلة.
القيود الإسرائيلية تبطئ النمو
في المقابل، يوضح الناطق باسم وزارة الاقتصاد عزمي عبد الرحمن لـ "اندبندنت عربية" أنّه على الرغم من ارتفاع ثقة الفلسطينيين بالمنتجات المحلية، إلا أن هناك عوائق كبيرة أمام هذا الأمر، تتمثل في السيطرة الإسرائيلية على الجوانب الاقتصادية كافة، والتحكم بمدخلات الإنتاج التي تصدّرها هي للفلسطينيين، ما يرفع من تكلفتها، ويحد من توسع المنشآت الصناعية التي هي في معظمها فردية صغيرة، لا تملك المقومات أو المساحة أو الانفتاح الكبير أو المبالغ التطويرية الكبيرة، ما يضعفها أمام المنتجات الإسرائيلية.
ومن أجل ذلك تسعى الحكومة إلى العديد من الإجراءات لتخفيف التبعية الاقتصادية لإسرائيل، من خلال التوجه لاستبدال المنتجات المستوردة بالمحلية، وزيادة الرقابة على المدخلات وعمليات التصنيع بمراحلها كافة، ووجود المنتجات في الأسواق.
أما عن خط التصدير، فيشير عبد الرحمن إلى أن هناك ما يقارب 200 شركة فلسطينية تصل منتجاتها إلى 70 سوقاً حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج، وأبرز هذه الصادرات، الحجر والرخام، والبلاستيك، لكن هذا لا يعني رخاء القطاع الاقتصادي، فالصادرات لا تمثل شيئاً أمام الواردات التي وصلت إلى ستة مليارات ونصف المليار دولار، أكثر من نصفها من إسرائيل.
"دعم المنتج يجب أن يشمل حماية المستهلك"
وعلى صعيد محاولات الحكومة لتخفيف التبعية، يؤكد هنية أهمية قيام المؤسسات المهتمة بقطاع الإنتاج الفلسطيني مثل الاتحادات التخصصية، ووزارة الاقتصاد، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، بالحفاظ على حقوق المستهلكين من الاستغلال الذي من الممكن أن يحدث في حال أغرق السوق بالمنتجات المحلية فقط، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتقليل الاستيراد من الدول الأخرى، ذاكراً ما حدث في الانتفاضة الأولى، حين قاطع المواطنون البضائع الإسرائيلية، ما دفع ببعض التجار إلى التلاعب بالأسعار ورفعها بشكل كبير، إضافة إلى الاهتمام بجودة التصنيع، وحقوق العمال في هذه القطاعات، وتوفير مستوى مقبول من المعيشة لهم، حتى لا تكون المستوطنات الإسرائيلية البديل لعملهم.
علامات فلسطينية مسجلة
في سياق متصل، يقول عماد الرجوب، مدير مصنع رويال للبلاستيك، الأكبر فلسطينياً في هذا القطاع، إنّه على الرغم من أن الشركة تمتلك 35 خط إنتاج لتصنيع ما يقارب 12500 صنف، وتصدّر منها حوالى النصف إلى 33 دولة حول العالم، إلا أن صعوبات عدة تواجههم ومنها اضطرارهم لإيقاف بعض خطوط الإنتاج لغياب الأيدي العاملة، أو القيود الإسرائيلية المفروضة على الاستيراد إذا ما أرادوا شراء المواد الخام من دولة تنافس إسرائيل، أو لا علاقة لها معها، إضافة إلى المنافسة الخارجية بخاصة التركية التي تماثلها في الجودة والسعر.
في السياق ذاته، يوضح أحد أصحاب مصانع الزجاج في مدينة الخليل، أن الإجراءات الإسرائيلية التضييقية في المدينة وبخاصة البلدة القديمة، تسهم في إبعاد الزبائن، إضافة إلى منافسة تلك المستوردة، ما جعل عملهم يقتصر على السياح الذين يزورون المنطقة بين الحين والآخر.
حرب اقتصادية فلسطينية إسرائيلية
في ظل الصراع الاقتصادي القائم، شهد مطلع هذا الشهر إجراءات تصعيدية كثيرة، تمثلت في إيقاف إسرائيل إدخال منتجات الخضار والفواكه الفلسطينية إلى أسواقها، لترد الأخيرة بالمثل وتمنع استيراد العصائر والمشروبات الغازية والخضار والفواكه منها، ومن ثم قيدت حكومة تل أبيب تصدير بعض تجار الضفة الغربية منتجاتهم إلى الخارج.
وكانت بيانات أصدرتها الحكومة الفلسطينية أظهرت أن عام 2018 شهد فرقاً كبيراً بين الصادرات والواردات، فما تم استيراده من إسرائيل وصل إلى ثلاثة مليارات و600 مليون دولار، في حين أن ما تم تصديره كان 967 مليون دولار، وعلى صعيد القطاع الزراعي وحده، تم إدخال ما قيمته 88 مليون دولار إلى السوق الإسرائيلي من المنتجات الفلسطينية، في حين تم استيراد ما ثمنه 600 مليون دولار.
من جهة ثانية، يرى البعض أن ضعف الثقة بالمنتج الفلسطيني مكون من شقين، الأول عدم إعطاء المستهلك المصانع فرصة لرفع الجودة أو تصحيح بعض الأخطاء، والاكتفاء بتجربة واحدة فقط، فيما يتمثل الثاني في بُعد هذه الشركات عن الناس، وغياب العلاقة المباشرة التي تمكّن المشتري من التوجه وتقديم شكوى، أو إبداء رأيه في منتج ما، ومنهم من يعتبر أن شراء المحلي أو عدمه سيان، لأن الآلات التصنيعية وبعض المواد الخام مستوردة لذلك هي في الأساس ليست فلسطينية.