على الرغم من الجدل الواسع الذي أثاره في تونس، فإن قانون المساواة في الإرث سيُعرض في 27 فبراير (شباط) أمام لجنة مختصة في البرلمان التونسي، وفق ما أكد مصدر خاص من مؤسسة رئاسة الجمهورية.
وذكر المصدر نفسه أنه من المتوقع أن يلقي الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي خطبةً في هذا الشأن أمام لجنة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان في حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وميشيل باشيليه المفوض السامي للجنة حقوق الإنسان رئيسة تشيلي السابقة، وماريا فرناندا اسبينوزا رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة الاكوادورية، في 25 فبراير في جنيف.
من جهة أخرى، أعلنت بشرى بلحاج حميدة رئيسة "لجنة الحريات الفردية والمساواة" في تونس بصفحتها على "فيسبوك"، أنها شاركت إلى جانب امرأة الأعمال التونسية وداد بوشماوي في عضوية مجلس المساواة بين الرجال والنساء الذي يضمّ 30 شخصية، من بينها الممثّلة الأميركية إيما واتسون، إضافة إلى ثلاثة من الفائزين بجائزة نوبل، بهدف إعداد "ميثاق" دولي لقمّة مجموعة الدول السبع الكبرى، على خلفية ما وصلت إليه تونس في مجال المساواة بين الجنسين.
جهل بتقاليد الشعب التونسي
ويبقى النقاش بشأن مشروع قانون المساواة في الإرث قائماً في الأوساط السياسية والفكرية يومياً في تونس. وتُعقد بشأنه اجتماعات وجلسات فكرية. يقول المفكر ذو الخلفية الاسلامية أبو يعرب المرزوقي إنه يعارض بشدة فكرة المساواة في الإرث، موضحاً أنه "بنى مقاربته على أسباب فلسفية وليس على أسباب دينية"، معللاً رفضه بنقاط عدة، أولاها أن "المالك حر في التصرف في أمواله وهذا حق من حقوق الإنسان الذي يستطيع أن يتصرف بثروته كما يريد". ويضيف المرزوقي "ثانياً، احترام حرية المعتقد"، أي إذا كان المالك يعتقد أن "في دينه، يقضي واجبه أن يطبّق الشريعة الإسلامية، فهذا حق من حقوق الإنسان لا يمكن التغاضي عنه"، معتبراً أن "القانون الجديد يريد إلغاء أهم مبادئ حقوق الإنسان".
من جهة أخرى، يرى النائب في المجلس التأسيسي السابق ابو يعرب المرزوقي أنه "إذا أخذنا القضية بعلاقتها بالدين فلا يمكن أن نفكر في هذه قضية من دون وصلها بمسألة الميراث وعلاقته بصلة الرحم، كما جاءت في القرآن، أي أن الإرث ليس للأبناء فقط إنما أيضاً للزوجات والآباء والأمهات والأخوات والعم والخال"، موضحاً أن "الملكية عندما توزَّع، وظيفتها أن يستفيد منها ما يسمى بصلة الرحم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الأهم من ذلك كله، وفق المرزوقي، فهو "أننا إذا ساوينا بين المرأة والرجل في الميراث فسينتج عن ذلك منع الفتاة من الزواج خارج العائلة حفاظاً على الرزق ... ويصبح التزاوج الداخلي سبباً للأمراض البيولوجية أو تُجبَر الفتيات على التنازل عن حقوقهن مقابل حريتهن. وربما يؤدي هذا القانون إلى جرائم عائلية من أجل الإرث".
ولم يتردد المرزوقي في مهاجمة لجنة صياغة قانون المساواة في الإرث، قائلاً إن "ما قاموا به دليل غباء وجهل لتقاليد الشعب التونسي"، لأن الملكية وفق اعتقاده "لا تهم فئة معينة دون أخرى".
انتهاء العلاقة بالنص المقدس
في المقابل، ترى الأكاديمية رجاء بن سلامة أن "العلاقة بالنص المقدّس انتهت"، موضحةً في مسألة العلاقة بالمساواة في الإرث ان النص القرآني نص للتعبّد والأخلاق والروحانيات وليس لسن القوانين، حسب رأيها.
وترى بن سلامة أنه في "هذه الوضعيّة الجديدة التي خلقها انخراط النساء في سوق العمل، لم تعد المرأة ملكاً للرّجل كما في السابق، بل أصبحت عمليّاً شريكةً وقرينةً له". ولفتت إلى أنه "في تونس حيث تتّسم القوانين بطابع وضعي، لم تعدّ الشريعة مصدراً للتّشريع. فالدستور التونسي ينص في فصله السادس على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وينصّ في فصله الخامس على أن الجمهورية التونسية تضمن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان في كونيّتها وشموليّتها وتكاملها وترابطها، ثمّ إن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعتها تونس تتنافى مع عدم المساواة في الميراث، ولهذه الاتفاقيات سلطة أعلى من سلطة القوانين".
استغلال المساواة في الانتخابات
يرى بعض الأطراف السياسية أن مشروع قانون المساواة في الإرث أخذ طابعاً سياسياً لاستغلاله في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجري في العام الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبرت النائب عن التيار الديموقراطي المعارض سامية عبو أنه "من المستحسن تأجيل المصادقة على مشروع قانون المساواة في الميراث إلى ما بعد الانتخابات"، لافتةً إلى إمكانية استغلاله في حملات انتخابية للطرفين المتصارعين بشأنه، أي حركة "النهضة" الإسلامية وحزب "نداء تونس".
أضافت عبو أن "استغلال مثل هذه القوانين في المعارك الانتخابية يخلق خلطاً في الأدوار"، موضحةً أن "دور الدولة يتمثل في حماية المواطن ليعيش بكرامة وليس من مهماتها حماية المعتقد، بل المواطن هو من يحمي دينه". ونددت بما أسمته "توظيف الحداثة والدين لضرب الدور الذي يضطلع به السياسيون للنهوض بمصلحة البلاد".
يُشار إلى أن التيار الديموقراطي يعتبر هذا القانون مكسباً إضافياً للدولة المدنية، إلا أنه سيحوّل وجهة تفكير المواطن نحو مسألة حماية الدولة للدين، بدل التفكير في البرامج الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
حقوق الإنسان لا تخضع لحسابات سياسية
من جهة أخرى، ترى رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة بشرى بلحاج حميدة أنه "يُفترض ألا تدخل الحسابات السياسية في مسائل تهمّ حقوق الإنسان، بخاصة المساواة بين المواطنين والمواطنات".
ودعت بلحاج حميدة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني إلى التجنّد من أجل توعية المواطنين وإقناعهم. وأضافت أن "للإعلام دوراً أساسياً أيضاً". وتعتقد أن "إبراز المفكرين وأهل الاختصاص من علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة وعلماء الدين على المنابر الإعلامية، من شأنه أن يؤثر إيجاباً في الرأي العام، لا بشأن موضوع المساواة في الميراث فقط، بل أيضاً بشأن ثقافة حقوق الإنسان بصفة عامة، أي ثقافة احترام الآخر ونبذ التطرّف ورفض استعمال الدين لغايات سياسية".
مبادرة السبسي
وكان الرئيس التونسي اقترح في 13 أغسطس (آب) 2018 مشروع قانون يضمن المساواة في الميراث بين الجنسين احتفالاً بيوم عيد المرأة، فأثار ذلك جدلاً متصاعداً بين رافض وداعم. ويبدو أن الداعمين من الأحزاب الممثلة في البرلمان أكثر من المعارضين، إذ عبّرت كل الأحزاب التقدمية عن دعمها مشروع القانون على غرار "نداء تونس" و"التيار الديموقراطي" وحزب "آفاق تونس" و"الجبهة الشعبية" (يسار) ونواب مستقلين.
في المقابل، تعتبر حركة النهضة (أكبر كتلة في البرلمان) أن هذه المبادرة أتت في غير وقتها، وأن مسألة المساواة في الإرث تحتاج إلى حوار واستشارة واسعة نظراً إلى أهميتها.
وتشكّلت منذ إطلاق المبادرة لجنة خاصة تضم تسعة أفراد، أكبّتْ خلال 10 أشهر على إعداد تقرير بشأن الحريات الفردية والمساواة، تضمن اقتراحات انطلقت من روح الدستور في إطار احترام تونس للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعتها. ولقي التقرير مساندة الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ومكوناته، لكنه من جهة ثانية واجه رفض آخرين، أبرزهم "حركة النهضة"، بخاصة في بعض النقاط المتعلقة بالمساواة في الميراث، وأيضاً أئمة مسجد "الزيتونة" وجمعيات دينية عدة، الذين نظموا وقفات احتجاجية في بضع مناطق، داعين إلى رفض التقرير. وطاولت تهديدات أعضاء اللجنة، وبخاصة رئيستها، وصلت إلى حد إقامة الحد عليها.
تمسّك بالمكاسب
وكان الحديث عن علمانية الدولة والتمسك بمبادئها من عدمه، عاد بقوة في تونس بعد الثورة، بخاصة عقب عودة الإسلاميين من المنفى وخروجهم من السجون. وبلغ الصراع بشأن هذا الموضوع ذروته بعد اعتلائهم سدة الحكم، فخرجت مسيرات نظمتها منظمات حقوقية تتمسك بمكاسب تونس المدنية، بخاصة تلك المتعلقة بحقوق المرأة التي لطالما افتخر بها التونسيون، باعتبار أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي تملك مجلة أحوال شخصية دافعت عن المرأة ومنعت تعدد الزوجات منذ العام 1956 بمساندة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة.
وانتهى الجدل ومعه مخاوف التونسيين من التخلي عن مكتسباتهم حين كرّس الدستور الجديد للعام 2014 مدنية الدولة، من خلال ما ورد في فصله الثاني "تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوّ القانون".